لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

العين السينمائي يحتفي بالسوداني «ستموت في العشرين»

د. أمــل الجمل

العين السينمائي يحتفي بالسوداني «ستموت في العشرين»

د. أمل الجمل
09:01 م الجمعة 24 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

على مدار ما يزيد عن ساعتين دار نقاش حماسي دافئ مع إثنين من أبطال فيلم «ستموت في العشرين» ذلك الفيلم السوداني الذي بدأ رحلته بالعرض في مهرجان فينيسيا السينمائي سبتمبر ٢٠١٩، مقتنصاً جائزة أسد المستقبل التي استلمها أمجد أبو العلاء صانع الفيلم من المخرج الكبير أمير كوستاريتسا، بعدها تم تتويج الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي الثالث ونال أهم جوائزه، هذا إلي جانب عروضه الدولية الأخرى، وها هو يختاره مجدداً المنظمون لمهرجان العين السينمائي إذ افتتحوا به دورتهم الثانية الممتدة من ٢٢ - ٢٥ يناير الجاري، فجاء الفيلم بأجوائه السينمائي وجماليات لغته البصرية ليُضفي «حالة من الدفء الإنساني على أمسية باردة الطقس» وذلك فق تعبير المخرج هاني الشيباني المدير الفني للمهرجان.

هذا الفيلم أحبه

رغم الطقس البارد أصر المشاهدون على البقاء في فضاء قلعة الجاهلي التاريخية والاستمتاع بالفيلم الذي سبقته سمعته الدولية. الفنان المصري أحمد بدير الذي يتم تكريمه والاحتفاء به في هذه الدورة - باعتباره أحد أهم وأبرز أهرامات الكوميديا في الوطن العربي - هو أيضاً أصر على البقاء في الهواء الطلق والطقس البارد لمشاهدة الفيلم حتى نهايته، خصوصاً بعد مديح الكثيرين والإشادة بلغته البصرية ومضمونه، ومنهم الزميل طارق الشناوي قائلًا بحماس كبير: «أحب هذا الفيلم، شاهدته ثلاث مرات.»

لا دهشة في ذلك الاستقبال الحماسي للفيلم، فقد علمت أنه عندما تقرر عرض الفيلم بإحدى الدول الخليجية كان طابور الجالية السودانية لايزال يمتد إلي سبعين متراً بعد امتلاء قاعة العرض، ولم ينفض الطابور حتى بعد بدء عرض الفيلم على أمل أن يخرج أحدهم من القاعة دون إكمال المشاهدة، ولكن هذا لم يحدث، فتقرر إقامة ثلاثة عروض للفيلم بدلاً من عرض واحد.

جوائز دولية للسودان

ليلة الافتتاح التي حضرها معالي الشيخ الدكتور سعيد بن طحنون آل نهيان الذي قام بتكريم الفنان المصري أحمد بدير وتسليمه درع المهرجان، إضافة إلي تكريم عدد من المبدعين الخليجيين على مسيرتهم الفنية الحافلة، ومنهم الفنان الإماراتي القدير ضاعن جمعة، والفنانة الإماراتية مريم سلطان، والفنان الكويتي طارق العلي، بعدها ألقي معالي الشيخ كلمة مكثفة عن أهمية الفن ودوره المؤثر في المجتمع، وعن ضرورة أن يختار الفنان أعماله التي تخدم مجتمعه وناسه. ثم قُبيل عرض «ستموت في العشرين» بمهرجان العين السينمائي تم إذاعة رسالة صوتية بصرية من المخرج أمجد أبو العلاء الذي لم يتمكن من الحضور بسبب تواجده في السودان، عبر فيها عن سعادته بعرض الفيلم في العين السينمائي، وسبب السعادة ليس فقط لأنه عاش في الإمارات لسنين عديدة، ولكن المصادفة أيضاً أن أمجد أبو العلاء من مواليد مدينة العين وقد عاش فيها عدد من سنوات طفولته، وهى مدينة عزيزة عليه. ومن فريق العمل اقتصر الحضور على كل من؛ الممثلة إسلام مبارك، والممثل الشاب مصطفى شحاتة الذي قام بدور «مزمل».

في أول أيام مهرجان العين السينمائي، استهل المنظمون الندوات بهذا اللقاء المتعاطف والمتجاوب مع البطلين، الجميع يريد أن يسأل، وأيضاً يريد أن يُنصت إلي تجربة الإثنين المفعمين بالحماس والحيوية، خصوصاً أن الفيلم إلى جانب فيلم «حديث الأشجار» للمخرج صهيب قسم الباري، قد أعادا السينما السودانية بقوة، ليس فقط إلي الوجود السينمائي العربي، ولكن إلي خارطة المهرجانات الدولية بقوة، وخرجا منها بجوائز مهمة، فقد حصد «حديث الأشجار» أهم جائزتين من برلين فبراير الماضي، وهما؛ جائزة الجمهور، وجائزة أهم فيلم وثائقي.

أنانية الأم، وانصياع الابن

قامت الممثلة إسلام مبارك بدور الأم سكينة ضمن أحداث «ستموت في العشرين»، تلك الأم التي عاشت عشرين عاماً تنتظر تحقيق نبوءة أجد رجال الدين - المتصوفة - بموت ابنها، وأثناء تلك السنوات حرَّمَت على ابنها الاستمتاع بالحياة، مثلما حجبت عن نفسها أن تعيش الحياة الطبيعة لأي أم تُريد أن تفرح بصحبة ابنها، أو تسعد بأن تُزوجه ليُنجب لها أحفاداً يملأون عليها الدار. وهو الموقف الذي يُعيد للذاكرة واحدة من أعظم روايات القرن العشرين، ويضع هذه الأم السودانية في مقارنة مع أم المسيح السيدة مريم العذراء ضمن رواية «الإغواء الأخير للمسيح» للمبدع اليوناني العظيم نيكوس كازنتزاكيس، فعندما يرفع جنود الرومان السيد المسيح على الساري ويبدأوا في دق المسامير في يديه ليصلبوه، فيبدو أن النساء والأمهات الأخريات تحسدن مريم العذراء لأن ابنها قد صار نبياً مشهوراً، هنا تقول السيدة مريم: «لم أكن أريده نبياً، ولا مشهوراً. كنت أُفَضِّل على ذلك أن يبقي حياً معي، كنت أُفَضِّل أن يتزوج، وينجب لي أحفاداً. لم أكن أريده نبياً ولا مصلوباً.»

أما الأم بطلة «ستموت في العشرين» فقد أغلقت عليها وعلي ابنها كافة منافذ الحياة والبهجة والسعادة، واستبدلتهما بكل أسباب الحزن والتعاسة، وإن كان زوجها قد اتخذ قرارًا بالفرار من تلك الحياة، إلا أن الابن لم يكن له حول ولا قوة، واستسلم لها طوال تلك السنوات بخنوع تام.

ربما، يبدو هنا، أن جزءاً من تكوين الأم وعدم قدرتها على أن تُتيح الفرصة لابنها أن يعيش تلك السنوات، بأنها كانت تُريد أن تحافظ على ابنها نقياً طاهراً خالياً من الآثام والذنوب حتى يأتي يوم موته وتتحقق النبوءة، لذلك كان حرصها على عدم خروج الابن إلا من أجل الذهاب للكتاب وتعلم القرآن، أو الذهاب للمسجد والاعتكاف به.

الأمر الآخر، أن تلك الأم السودانية - كشخصية روائية سينمائية - كانت تشعر بالتفاخر، أو ربما جزء من الأنا عندها قد صار متضخماً بشعور التباهي بأنها «أم الصبي صاحب النبوءة»، خصوصاً أن النبوءة تجاوزت الحي الذي يعيشون فيه إلى مناطق أبعد، إن لم تكن طارت إلى عموم السودان.

هنا أنانية المرأة، وشهوة الشهرة - بأن يكون اسمها علي ألسنة الناس - تنتصر على غريزة الأمومة، في واقعة بعيدة بقدر ما عن الواقع الحقيقي، ويُنافي الغريزة. لكن يبدو أن المخرج أصر على ذلك، باختياره، ليستغل تلك التكئة الاستسلامية فيطرح من خلالها الكثير من الأمور الدينية والفولكلورية والعقائدية والفكرية المسيطرة على الناس هناك.

دواعش السودان

أثناء حديثها وردودها على تساؤلات الحاضرين الذين أبدوا إعجابهم بالفيلم، وبالتجربة السودانية، أخذت إسلام مبارك تجيبهم عن حقيقة تلك الإشاعات بالتهديد بالقتل عقب عروض الفيلم الدولية والعربية، كذلك الهجوم الذي شنه عليهم الداعشيون بالسودان، وآخرون من المتطرفين، وكيف استقبل صناع الفيلم هذا الأمر، وبينهم إسلام وأسرتها، خصوصاً أنها إلي جانب احترافها التمثيل تضطر للخروج بشكل يومي إذ تعمل موظفة بوزارة الصحة.

في مدينة العين المميزة بأجوائها الأقرب إلى السياحية العلاجية لما تتمتع به من هدوء يُريح الأعصاب، إضافة إلي آثارها التاريخية، ومتحفها، وعلى الأخص جبل حفيت الذي تشتهر به ويُعد أحد أبرز معالمها. لكن المدينة في ذات الوقت تحتوي على مول ضخم يتضمن العديد من دور العرض السينمائية التي يُعرض في عدد منه أفلام المسابقات المختلفة بالمهرجان الذي اختار منظموه أيام نهاية الأسبوع ليُشجعوا الأهالي والجمهور على الاستفادة من العطلة بحضور مزيد من العروض.

اختتمت مشاهدات اليوم الثاني بالاستغراق الجميل في أحداث تحفة سينمائية عن أسرة مغربية تُعاني الفقر وصعوبات الحياة ورغبات الشباب في الهجرة ودفع الثمن. الفيلم عنوانه «رُحل» بتوقيع المخرج الفرنسي أوليفيه كوزماك، تم عرضه ضمن قسم «سينما العالم»، ويستحق الحديث عنه لاحقاً.

مرت ثلاثة أيام من تلك الدورة، ولازال هناك اثنتين من الندوات المهمة، وتوقيع اتفاقية تفاهم بين رئيس المهرجان ورئيس المعهد العالي للسينما بمصر، إضافة إلى مزيد من عروض الأفلام الخليجية والعربية وذلك ضمن فعاليات مهرجان العين السينمائي الثاني الذي يختتم دورته غداً السبت، والذي يُقام تحت رعاية معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، ويتخذ المهرجان من الصقر شعاراً للجوائز، ويأتي تحت شعار «سينما المستقبل».

إعلان

إعلان

إعلان