لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كنت هناك حين مات خالد بشارة..!

الكاتب الصحفي مجدي الجلاد

كنت هناك حين مات خالد بشارة..!

مجدي الجلاد
08:49 م الجمعة 31 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من أين تأتي أيها الموت لتخطف الأحباب فجأة؟!.. اللهم لا اعتراض.. ولكن لماذا وضعتني - وأنت سبحانك تعلم ضعفي - على الطريق الدائري، حين كان الصديق خالد بشارة الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة أوراسكوم للتنمية يلفظ أنفاسه الأخيرة؟!.. اللهم لا راد لقضائك، ولا تبرم من لحظة قاسية عشتها صباح اليوم..!

نعم.. كنت على الطريق الدائري ذاته، حين خيم الموت على المكان.. كانت الساعة تتجاوز الثالثة فجراً بقليل.. عائد أنا من بيت أخي، إلى التجمع الخامس حيث أسكن.. توقفت السيارات فجأة.. ظننت أن كميناً معتاداً يسمح للسيارات بالمرور من حارة واحدة.. غير أن التوقف التام استمر طويلاً.. السيارات لا تتحرك ولو خطوة واحدة.. لم تمر دقائق حتى وصل طابور السيارات لعدة كيلومترات.. إذن ثمة حادث أو تعطل شاحنة ضخمة..!

كنت متعباً، بعد يوم طويل من العمل.. اتصلت هاتفياً بزوجتي، وأخبرتها بالوضع المأساوي حتى لا ينتابها القلق.. قلت لها مازحاً «واضح إني هبات على الدائري الليلة».. مر الوقت ثقيلاً، فهبط بعض السائقين والركاب الشبان لتبين الأمر.. لست شاباً مثلهم.. لقد نفدت طاقتي.. لذا انتظرتهم لأعلم بما يحدث.. سألت فأجابوا «حادثة كبيرة أوي.. العربية المرسيدس بقت صفيح».. سألت مرة أخرى «فيه حد مصاب أو ضحايا ؟!!!».. فجاءت الإجابات متناقضة.. هذا سمت المصريين.. قال أحدهم «اتنين ماتوا».. وقال آخر «واحد بس».. وأكد ثالث «إصابات خطيرة والإسعاف أخدته».. ساعة ونصف الساعة من التوتر والروايات المتباينة.. وحين هممت بالتوجه لموقع الحادث، قال لي أحدهم «بلاش تسيب عربيتك لأن الونش بيفتح الطريق والحادثة بعيد عننا بكيلو متر أو أكتر ومش هتلحق ترجع»..!

سمعت كلامه.. وتمسمرت في سيارتي.. وحين تحرك الطريق ببطء، مررت على موقع الحادث، مردداً «لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون»..!

وصلت إلى بيتي مع أذان الفجر.. وجدت زوجتي في مشهد انتظار متوتر.. وقبل أن أخلع ملابسي، وجدتها تقول لي «هو خالد بشارة صاحبك؟!.. أنا سمعتك مرة بتكلمه في الموبايل؟!».. رددت عليها بدهشة غاضبة «آه.. بس إيه مناسبة السؤال ده دلوقتي؟!.. أنا تعبان ومش قادر أتكلم»..!

صمت تام.. ونظرات مشفقة من زوجتي.. وتمتمة غير مفهومة.. ثم تمالكت نفسها وقالت «مجدي.. خالد مات».. لم أسمعها.. أو بأكثر دقة رفضت أن أسمعها.. فناولتني الموبايل، لأقرأ الخبر على حسابات متناثرة في «الفيس بوك»..!

خالد بشارة مات.. هو هو من كان يصارع الموت على الدائري، بينما كنت على بُعد عدة مئات من الأمتار.. مات محتضناً أحلامه التي لم أر لها حدوداً..!!

تباً لي.. كيف لم أهرع لإنقاذه؟!!.. لماذا لم أتحرك من بيت أخي قبلها بدقائق، لعلني أحول بينه وبين السور الحديدي اللعين على الدائري؟!!.. أكان بمقدوري فعل شيء؟!.. هل كان الموت سيقبل شفاعتي إن قلت له «اتركه لنا بعض الوقت»..؟!.. كنت سأسجد لله عز وجل داعياً متضرعاً «يارب.. إن خالد طيب القلب.. منحته ذكاءً وعلماً نفع به وطنه.. عاش مكافحاً ومخلصاً.. فأصبح رمزاً للنجاح والتفوق في التكنولوجيا الحديثة والإدارة الرشيدة.. ليس لدى مصر الكثيرين منه.. يارب خالد ليس غالياً على الموت، ولكن قلوبنا ستبكيه حتى تدمى»..!

كنت سأبكي وأبكي على الدائري.. ولكن يبدو أن الله الواحد الخالق مالك الكون والأرواح أشفق عليّ من قسوة اللحظة، فأنزل عليّ الغفلة حتى أمرّ من هناك، دون أن أعرف أن من مات هنا قبل قليل، هو هو خالد بشارة الحبيب..!

لن أنسى خالد بشارة.. وأنت لن تنساه.. ربما لأنه عاش منتمياً لحلم الملايين في مواكبة تكنولوجيا العصر.. وربما لأنه صنع قصة نجاح متفردة.. ولكن المؤكد أن له بصمات لا ينكرها أحد في التطور التكنولوجي ببلادنا، وله دور حيوي في ترسيخ علم الإدارة الحديثة لدى الأجيال الجديدة..!

لترقد في سلام يا خالد.. لأن لك من اسمك نصيباً..!

إعلان

إعلان

إعلان