لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من وحي متحف لا ننسبه لصاحبه!

الكاتب الصحفي سليمان جودة

من وحي متحف لا ننسبه لصاحبه!

سليمان جودة
09:01 م الأحد 05 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في اجتماعه، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، آخر الأسبوع الماضي- قرر المجلس الأعلى للتخطيط إعادة تخطيط عدد من المناطق، وفي المقدمة منها منطقة الفسطاط، والمنطقة المحيطة بمتحف الحضارة في مصر القديمة!

وقد استوقفني هذا الخبر لعدة أسباب، من بينها أن المنطقة المحيطة بالمتحف لا بد أن تكون مخططة على أعلى مستوى، وإلا فكيف يمكن أن نراهن عليها في سوق السياحة؟ وكيف نضمن أن السائح الذي يذهب إليها سيعود لها، وسيدعو غيره للذهاب إلى هناك؟!.. كيف نراهن، وكيف نضمن إذا لم تكن مخططة بالفعل، وعلى مستوى يليق بمتحف يعرض آثارنا بمراحلها التاريخية المختلفة على كل زائر يفكر في رؤيتها؟!

والسبب الثاني أني تمنيت لو أن الاجتماع قد أشار- ولو عابراً- إلى أن الشيء الذي أحيا هذه المنطقة كلها هو هذا المتحف، وأن الذي أوجد المتحف في مكانه وخطط له هو الفنان فاروق حسني، وقت أن كان على رأس وزارة الثقافة قبل ٢٥ يناير!

إن الحقيقة تقول إن خيال فاروق حسني هو الذي أخرج متحفاً بهذا الحجم إلى النور، وفي هذا المكان بالذات، الذي كان من الممكن أن يظل مكاناً عشوائياً، لا أثر فيه للحياة، ولا موضع فيه للجمال الذي يشع بالضرورة من وجود المتحف في المنطقة!

وعندما أقول إني تمنيت لو أن هذا قد حدث، فإنني لا أقوله لمجرد الرغبة في نسبة شيء إلى صاحبه، فالذين عاشوا سنوات ما قبل ٢٥ يناير يعرفون أن صاحب المتحف هو فلان، ويعرفون أن فلاناً هذا قد استخلص أرض المتحف من محافظ القاهرة وقتها بصعوبة، وأنه لما مر على المنطقة بالصدفة قد هداه خياله، الذي هو أهم ما يميزه إلى أن هذه منطقة تصلح لأن يقام فيها متحف يعرض كنوز آثارنا على الدنيا!

يعرف كثيرون هذا، والذين لا يعرفونه سوف يتاح لهم ذلك مع مرور الأيام، ولذلك فإن سبباً ثالثا هو الذي جعلني أتمنى صدور إشارة عابرة عن الاجتماع إلى صاحب الفكرة، على سبيل التذكير لا أكثر.. هذا السبب هو أن نسبة الشيء إلى صاحبه قيمة إيجابية من القيم التي يجب أن نظل نحرص عليها!

إن إحياء هذه القيمة في حياتنا من شأنه أن يؤدي على المدى الطويل إلى إحياء قيمة مهمة أخرى في العمل العام، هي قيمة المراكمة فيما يقدمه مسئولونا لهذا الوطن مسئولاً بعد مسئول.. والمراكمة معناها أن يبني كل مسئول لاحق، على ما قدمه كل مسئول سابق.. فلا ينكره، ولا يبدأ من عند المربع الأول.

فليست هناك دولة شيدت بناءها بين الدول، إلا وكانت هذه القيمة في مقدمة القيم التي آمنت بها، ثم حولت إيمانها إلى فعل حي بين الناس!

إن تاريخ كل أمة هو حلقات متصلة، لا انفصال بينها، ويبدو الأمر دائماً كأنه مبنى ارتفع في السماء على عدة طوابق، كل طابق سابق يؤدي إلى ما بعده، وكل طابق لاحق يقوم على السابق، وجميع الطوابق تشكل في النهاية شكل البناية وجوهرها بين سائر البنايات!

وهكذا الأمر في كل ميدان من ميادين العمل العام، ولا يقتصر بطبيعة الحال على مجال الثقافة، ولا على حقل المتاحف والآثار!

وفي كتابه الشهير "وصيتي لبلادي" كان الدكتور إبراهيم شحاتة (يرحمه الله) قد جعل في الصفحة الأولى آيتين كريمتين.. كانت الآية الأولى هي التي يحفظها كل واحد منا تقريباً والتي تقول: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

وكان قد جعل إلى جوارها آية كريمة أخرى تقول المعنى نفسه تقريباً.. إنها تقول: "ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

والآيتان الكريمتان.. كما ترى.. حديث صريح عن أن تغيير ما حولنا وما أمامنا إنما يبدأ من عند أنفسنا، ويبدأ من عند الإقرار بأن قيماً كثيرة هجرناها في حياتنا العامة والخاصة، أو كدنا نهجرها، رغم أننا أشد الناس حاجةً إليها.. وليست القيمة الخاصة بالتراكم في العمل العام، ولا القيمة المتعلقة بنسبة الشيء إلى صاحبه ببعيدة عن مثل هذه القيم التي تبني المجتمعات والدول.

إعلان

إعلان

إعلان