لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عودة "المهزوم" و "الواهم"

د. أحمد عمر

عودة "المهزوم" و "الواهم"

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الإثنين 16 نوفمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

المهزوم هو "مصطفى سعيد" أستاذ الاقتصاد البارع، وبطل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي السوداني الراحل الطيب صالح، والأكاديمي اللا منتمي الذي درس في الغرب وعاش وعمل هناك، وانفصل عن وطنه وهمومه بالكامل، وتفرغ في لندن؛ لتحقيق مشروعه ومجده الشخصي، والتمتع بالحياة والمرأة الغربية.

مصطفى سعيد الذي عاد في أواخر حياته من إنجلترا إلى القرية التي شهدت ميلاده في السودان، بعد أن سأم صقيع الشمال، واُتهم بالقتل وسُجن لسنوات في لندن، وفشل في الاندماج في المجتمع البريطاني الذي لفظه بمهانة شديدة.

مصطفى سعيد الذي انتهى به الحال بعد عودته إلى بلاده، مهزومًا على جميع الأصعدة. ورغم أنه تزوج وأنجب في السودان، فقد قرر أن يُلقي بنفسه في مجرى النهر، ويُنهي حياته بيده بعد أن فشل في التصالح مع تناقضات ماضيه وروحه وعقله وخياراته، وفشل في تأسيس بداية جديدة ومثمرة في بلده.

أما "الواهم" فهو البطل الثاني في رواية "موسم الهجرة للشمال"، وصديق مصطفى سعيد بعد عودته للسودان، ونديمه في ليالي القرية، وراوي سيرته وحكايته. وهو الأكاديمي المثالي الملتزم، الذي تخصص في الأدب الإنجليزي، ودرس الدكتوراه في لندن، وعاد بكامل حريته وإرادته إلى بلده السودان، على أمل أن يُحدث بعودته فارقًا في مجتمعه، وأن يكون بعلمه وعمله إضافة لوطنه، ودافعًا لتطويره نحو الأفضل.

ولكنه فشل بكل ما يملك من ثقافة في إصلاح وتغيير الأوضاع الاجتماعية والمهنية والسياسية المشوهة في بلاده عبر ممارسة الحياة السياسية والتنفيذية؛ ليعترف بعد خوض الكثير من المعارك الخاسرة بخيبة أمله وهزيمته، وبأن مجتمعه المتردي عصي على التغيير والإصلاح، وأن وجوده في وطنه كعدمه؛ ولهذا قرر إنهاء حياته بيده وألقى بنفسه -هو أيضًا- في مياه النهر؛ لتحمله لأعماقها وهو في حالة بين اليقظة والحلم.

والمُفارقة التي كشفت عنها رواية "موسم الهجرة للشمال" للطيب صالح، وأحب أن ألفت الأنظار إليها تكمن في فشل بطلي الرواية على المستويين الخاص والعام، ووحدة مصيرهما، وقرارهما الانتحار في مياه النهر، رغم اختلاف شخصيتهما وأهدافهما في الحياة.

وأظن أن السبب الذي وحد مصيرهما، أن عودة الأول مصطفى سعيد إلى بلاده كانت هي عودة اللا منتمي المهزوم الذي خسر كل شيء في غربته، ولم يعد يملك تقديم شيء لوطنه، وصار وجوده فيه كعدمه.

وأن عودة الثاني الراوي، هي عودة المثقف المنتمي، ولكن "الواهم" و "الهش" الذي لم يُحسن قراءة وفهم الواقع الذي يحلم بتغييره، ولم يمتلك إرادة الأنبياء في التغيير والإصلاح، ولهذا صار وجوده ودوره في وطنه كعدمه أيضًا.

وأظن أن الراحل الطيب صالح، أراد أن يكون موتهما ضرورة إنسانية واجتماعية وروائية، تفتح الباب للبحث عن مثقف وطني منتمٍ يملك إرادة صلبة ووعيًا فائقًا بلحظته التاريخية وسياقه الاجتماعي ووظيفته ودوره؛ ليكون بوجوده إضافة حقيقية لمجتمعه ووطنه.

إعلان

إعلان

إعلان