لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في عيد الحب: القلب مصدر الحب الحقيقي

د. عبدالهادي مصباح

في عيد الحب: القلب مصدر الحب الحقيقي

د. عبدالهادي مصباح
09:00 م الخميس 13 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في كثير من الثقافات والحضارات القديمة - بما في ذلك بلاد ما بين النهرين: "الفرعونية، البابلية، والإغريقية" – يعتبر القلب هو الجهاز الرئيسي المسؤول عن التأثير، والتوجيه لعواطفنا، وقدرتنا على صنع القرار. ولقد أشارت الأديان المختلفة مثل: "اليهودية، المسيحية والإسلامية" - وكذلك التعاليم غير السماوية مثل: "البوذية والهندوسية" - إلى وجهات نظر مماثلة بأن القلب هو مصدر التعقل والعاطفة واتخاذ القرار، ومن المعروف أيضا في تقاليد اليوجا أن تحقيق التوازن الجسدي والعقلي هو جوهر ممارسة اليوجا، والتي تعرف القلب على إنه المقعد الأساسي لوعي الفرد، ومركز الحياة، وفي الطب الصيني التقليدي ينظر الى القلب، والاتصال بين العقل والجسم وتشكيل جسر بينهما، على إنه سر الحياة بشكل صحي وسليم.

ورغم توافر كل هذه المعلومات والتقاليد والموروثات والاستعارات، فإن ما تم تدريسه لمعظمنا في كليات الطب - وحتى في دروس العلوم والأحياء في المدارس - هو أن القلب مجرد عضلة في حجم قبضة اليد، ويزن عشر أوقيات تقريبا (حوالي 300 جرام)، ويضخ الدم إلى كافة أعضاء الجسم، ويحافظ على الدورة الدموية منذ ولادتنا وحتى نموت، وتعلمنا كذلك أن الدماغ والمخ هو الذي يتحكم في كل أعضاء الجسم - بما في ذلك القلب - ومع ذلك فإنه من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن القلب يبدأ في النبض في الجنين الذي لم يولد قبل أن يتم تشكيل المخ أو الدماغ.

وقد اكتشف علماء الأعصاب الذين تخصصوا في علم أعصاب القلب Neurocardiology مؤخرًا، معلومات جديدة ومثيرة حول القلب الذي يجعلنا ندرك أنه أكثر تعقيدًا بكثير مما كنا نتصور في أي وقت مضى، فالقلب ليس مجرد مضخة للدم فقط – رغم أهمية هذه الوظيفة – ولكن له نظامه العصبي الخاص المستقل - وهو نظام معقد ويشار إليه بـ"مخ القلب" ويحتوي على أربعين ألفًا على الأقل من الخلايا العصبية (خلايا الأعصاب) في القلب –بخلاف ما تم العثور عليه منها في مختلف المراكز تحت القشرة المخية من الدماغ.

والقلب يتصل مع الدماغ وبقية الجسم من خلال طرق موثقة بأدلة علمية رصينة وهي:

1- عصبيا (من خلال بث النبضات والخلايا العصبية).

2- كيميائيا (من خلال الهرمونات والنواقل العصبية).

3- فيزيائياً (من خلال موجات الضغط).

4- عن طريق الطاقة من خلال تفاعلات المجال الكهرومغناطيسي للقلب.

لذا فمن خلال هذه الأنظمة لاتصالات القلب البيولوجية مع المخ وكافة أعضاء الجسم التي تصلها نبضاته، يمتلك القلب تأثيراً كبيراً على وظائف المخ، وجميع وظائف وأجهزة الجسم، ما جعل العلماء يكتشفون أن قلوبنا قد تكون في الواقع "القوة الذكية" أو أساس "العقل" الذي يقف وراء تلك الأفكار البديهية، أو الإلهام الذي يعترينا، والمصدر الأساسي للمشاعر التي تنتابنا ونشعر بها تجاه الآخرين، أي أن القلب هو رئيس مجلس الإدارة والمخ هو العضو المنتدب الذي ينفذ سياساته وأوامره.

وقد ثبتت هذه النظرية من خلال العديد من الأبحاث قامت بها د."أنديس برت" أستاذة علم الكيمياء الحيوية التي ركزت أبحاثها على كيفية تفسير مثل هذه الظاهرة علميًا، وقد توصلت د."برت" إلى أن هناك بعض الوظائف المنوط بالعقل القيام بها، تقوم بها أيضاً خلايا الأعضاء المختلفة من الجسم وأن هناك رسائل متبادلة بين المخ وهذه الخلايا عن طريق سلسلة قصيرة من الأحماض الأمينية العصبية "نيوروبيبتايد" التي كنا نعتقد أنها لا توجد إلا في خلايا المخ والجهاز العصبي فقط، ولكن تبين وجودها في أعضاء الجسم الرئيسية مثل: القلب، وبالتالي فالقلب يحمل خلايا ذاكرة تحب وتكره، وتؤمن وتكفر، وتخاف وتوجل، وتتقي وتفجر.

ولطالما ارتبطت كلمة "العاطفة" بالقلب لدى كل البشر وفى كل الثقافات وعند كل الشعوب، وربما كانت الأعراض التي تنتاب المحبين من دقات القلب، وتغير لون الوجه، وسرعة التنفس والأرق، واضطراب الهضم، والتي تنتج عن تنبيه العصب "السمبتاوي" هي التي أعطت هذا الانطباع عن دور القلب في الحب، وكذلك دور العصب "الباراسمبتاوي"، وهرمونات النورأدرينالين، والأدرينالين، والدوبامين، والأوكسيتوسين وغيرها التي تشعرنا بالسعادة واللهفة والارتياح عندما نرى من نحب ونشعر بتلك الأعراض، إلا أن التقدم العلمي والأبحاث التي تلت ذلك أظهرت دور المخ في التأثير على القلب والجهاز العصبي في ظهور تلك الأعراض، وأصبح الفكر السائد حتى وقت قريب أن المخ هو الذي يعطي القلب الأوامر لكي نحب ونكره، ونغضب ونفرح، ونحزن ونؤمن ونكفر... إلخ.

ومع ثورة البيوتكنولوجي والتقدم العلمي الرهيب على مستوى البيولوجيا الجزيئية وفيزياء الكم، ظهرت عدة حقائق علمية أعادت للقلب السيادة، وأظهرت علاقة وثيقة لم نكن نعرفها بين القلب والمخ والعقل والروح تكون محصلتها ما نتخذه من قرارات، وما يعترينا من مشاعر وأحاسيس، فالقلب لديه جهازه العصبي الذى يستقبل الحدث، ثم يرسل رسائل ذات معنى ومغزى إلى المخ؛ لكي يتولى تنفيذ معاني هذه الرسائل، وتبع ذلك اكتشاف أن للقلب القدرة على تنشيط أو تحفيز نشاط المخ الكهربائي من خلال قنوات عصبية بحيث يجعل المخ يتفاعل إما بالسلب أو بالإيجاب لما يشعر به القلب.

وبعد العديد من الأبحاث توصل د. "أرمور" Armour عام 1994 إلى مصطلح أطلق عليه "مخ القلبHeart brain، وذلك من خلال ما توصل إليه من نتائج أبحاثه التي أظهرت أن للقلب شبكة عصبية معقدة يمكن أن نطلق عليها "المخ الصغير" حيث تحتوي هذه الشبكة العصبية على خلايا عصبية عددها حوالي 40 ألف خلية عصبية، وكذلك موصلات عصبية، وهرمونات وبروتينات تماما مثل التي يحتويها المخ والدماغ، وأنه من خلال هذه الشبكة يستقبل القلب المعلومة الخاصة بالأحاسيس ويرسلها من خلال عدة قنوات إلى منطقة جذع المخ، ثم تصعد إلى الجهاز الحرفي (الوجداني) Limbic System المسؤول عن العواطف والأحاسيس، ثم إلى المراكز العليا في المخ والقشرة المخية، التي تستقبلها وتتخذ القرار بشأنها بناءً على ما ورد إليها من معلومات من القلب، وبناءً على ما تحتويه من خبرات ووظائف معرفية. ومن خلال ذلك يتضح لنا أن للقلب جهازه العصبي الخاص الذي يستقبل المعلومة أو الإحساس في البداية دون الاعتماد على المخ أو الجهاز العصبي المركزي.

إضافة إلى هذا الاتصال المباشر بين ما سمي بـ"مخ القلب" في القلب، والمخ والدماغ، فهناك اتصال آخر بين القلب والمخ من خلال الموجات الكهرومغناطيسية المتبادلة بينهما، فالقلب يولد قدر من الطاقة المغناطيسية أكبر من التي يولدها المخ بمقدار 500 مرة، ويمكن استقبالها على بعد خمسة أقدام من الجسم، وكذلك الطاقة الكهربائية التي ينتجها القلب تفوق تلك التي ينتجها المخ بمقدار 60 مرة.

ومن خلال هذه التفوق الموجي للقلب وهذا المجال الكهرومغناطيسي، فإن المعلومات تنتقل من خلاله - تماما كما تنتقل موجات الصوت في الراديو والصورة في التليفزيون - إلى المخ؛ لتحدث حالة من التناغم بين القلب والمخ، Heart Coherence بل أيضا بين القلب وكل أعضاء الجسم التي تصلها نبضات القلب.

وبناءً على ما سبق استطاع العلماء التوصل إلى أن هناك اتصالات وتفاعلات بين قلوب البشر من خلال تبادل الطاقة من خلال هذه المجالات الكهرومغناطيسية على مستوى اللا وعي، وهذا ما يجعلنا عند التحدث إلى بعض الأشخاص نشعر بالألفة والود معهم بمجرد الجلوس إليهم، بل ونشعر أننا نعرفهم منذ زمن بعيد، وننفر ونمل من البعض الآخر الذي نشعر في وجوده أنه شفط الأكسجين الموجود في المكان بمجرد وجوده في المكان الذي نجلس فيه دون معرفة أي سبب لهذا التنافر ودون حتى أي لقاء أو انطباع سابق، وهو ما يتوافق مع حديث الرسول صبى الله عليه وسلم القائل "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وننتقل إلى عامل آخر من عوامل الاتصال والتواصل بين القلب والمخ، ألا وهو الهرمونات، ففي عام 1983 تم اكتشاف هرمون يفرزه القلب يسمى Atrial neuropeptide factor ويسمى اختصار ا ANF، ويعمل على الأوعية الدموية، والكلى، والغدة الجار كلوية وهرمون الكورتيزول، ويؤثر على مناطق محددة في المخ، كما تم اكتشاف نوع من الخلايا تعرف باسم (Intrinsic Cardiac Adrenergic Cells) (ICA) تفرز هرمونات النورادرينالين، وكذلك الدوبامين، والتي كان يعتقد أنها موصلات عصبية خاصة بالجهاز العصبي وتفرزها الغدة الكظرية والجهاز العصبي فقط، وهي في غاية الأهمية كنواقل عصبية أساسية من أجل عمل ووظائف المخ الإرادية واللا إرادية، ومن أجل الحفاظ على الحالة النفسية والعصبية للإنسان، وكذلك الذاكرة، إضافة إلى هذا فقد تم اكتشاف وجود هرمون "الأوكسيتوسين" الذي يطلق عليه "هرمون الحب "Love Hormone، وله علاقة وثيقة بارتباط الأم بوليدها حيث يفرز مع الحمل والولادة والرضاعة، إضافة إلى دوره الوثيق في العلاقة الحميمة بين الزوجين، وشعورهما بالاستمتاع من خلال إفرازه، كما أن له علاقة بالتواصل الاجتماعي وارتباط الأشخاص بعلاقات الحب بينهم، وقد تبين أن هرمون الحب "الأوكسيتوسين" يفرز بتركيز عالٍ في القلب لا يقل عن تركيزه في المخ.

ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن الاتصال القلبي وما يحمله من المعلومات ترسل إلى القشرة المخية، فينشط عمل القشرة المخية، ويزيد من قدرة الصفاء الذهني والقدرة على اتخاذ القرار والإبداع والإلهام، كما أن الرسائل الإيجابية من القلب إلى المخ تساعد على تنشيط الموصلات العصبية الخاصة بالمزاج والحالة النفسية، وربما كان هذا أحد التفسيرات التي تربط إحساسنا بالسعادة عندما نلتقى بمن نحب ونقترب منهم، أو التي تصاحب الشعور الإيجابي عندما يكون الإنسان مطمئن النفس وفي حالة حب أياً كان نوعية هذا الحب، فربما تجد هذا الشعور مع الشخص المتعمق في حب الله ورسوله؛ لأن هذا الحب هو أعلى أنواع الحب الثابت الذي لا يتغير والمتوافق مع الخلق والفطرة، فالارتباط والتوافق بين القلب والمخ والكون من حولنا Coherence يحدث من خلال فيزياء الكم، وذلك من خلال المادة المظلمة و الترابط الكمّي – Quantum Entanglement وهذا موضوع سوف نشرحه بالتفصيل لاحقاُ بإذن الله.

إعلان

إعلان

إعلان