لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تقييمي لمهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة الرابع

د. أمل الجمل

تقييمي لمهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة الرابع

د. أمل الجمل
01:53 م الأحد 16 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

صورة لثلاثة رجال تم تداولها قبل عدة شهور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. صحبها قدر كبير من السخرية والنقد. نُشرت الصورة بعد التعاقد مع الناقد السينمائي الزميل أندرو محسن كمدير فني جديد لمهرجان أسوان لأفلام المرأة.

أما مصدر السخرية والهجوم، فلأن الصورة كانت لثلاثة رجال، ليس بينهم امرأة، قد تولوا مسئولية تنظيم مهرجان عن سينما المرأة. من ثم انهالت التعليقات اللاذعة في سخريتها، وبعضها كان لا يخلو من مزايدات فجة. لا أنكر أنه في أعماقي شعرت بأن هناك شيئاً غير مريح بوضعية الصورة، خصوصاً أنني كنت منحازة للمدير الفني السابق للمهرجان لثقافتها السينمائية وخبرتها المعروفة؛ إذ كنت أراها مكسباً للمهرجان، وشعرت أن أندرو وضع نفسه في مأزق وتحدٍ صعب للغاية. لذلك أكتب الآن، بعد أن حضرت فعاليات هذه الدورة من المهرجان، وشاهدت أفلامها، وحضرت أغلب أنشطتها، وأعجبتني، وإن كان لي بعض الملاحظات.

ثلاثة رجال تولوا مسئولية تنظيم مهرجان عن المرأة، لكنهم نجحوا. بالطبع لم يقتصر الأمر عليهم. هناك نساء يعملن معهم، مثل السيدة عزة كامل، نائبة مجلس الأمناء بالمهرجان، ومديرة منتدى «نوت» والتي- مع شركائها في المنتدى- ساهمت بعدد من الندوات الموازية التي فتحت الباب للنقاش في قضايا المرأة المبدعة، وكذلك صورة المرأة على الشاشة، نقاشات يُمكن لها أن تُشكل إضافة ثرية للمهرجان لو بحثت عن إمكانية للتطوير، للخروج للنور بالمساهمة الفعلية، ولم تتوقف عند حدود النقاش.

بالطبع، هناك بعض الأشياء التي تحتاج إلى تطوير، لكن مقارنة بأنه مهرجان وليد، بلغ عامه الرابع فقط، مقارنة بالإمكانيات المادية المتاحة له، وهي قليلة جداً بالمناسبة، لذلك أيضاً ولأسباب سأشرحها لاحقاً، أعتبره مهرجاناً ناجحاً.

هنا، يهمني التوقف أمام أمرين. أولهما دور الناقد السينمائي الزميل أندرو محسن الذي كان في تحدٍ صعب، بسبب الجندر وأيضاً المقارنة مع المدير الفني السابق. لكنه اجتاز الأمرين بنجاح؛ وشخصياً أُحييه على اختياراته في برمجة الأفلام، على التنوع ما بين الروائي، الوثائقي، التحريك، على جودة المحتوى بمواضيعه الاجتماعية المتباينة المتعلقة بقضايا المرأة، حتى تلك الأفلام التي لم تكن المرأة هي البطل مع ذلك كانت جزءاً أساسياً من قضية الناس المطحونة- كما هو في الواقع- مثلما جاء في الشريط الوثائقي البديع «ذئب بالولي الذهبي»، القادم من بوركينا فاسو، ففي حقيقة الأمر أن قضية المرأة جزء أصيل من قضية المجتمع، إنها متشابكة لأبعد الحدود، من هنا تأتي القيمة المضافة للفيلم. وحتى تلك الموضوعات بالأفلام الأخرى التي كانت السياسة تبدو كأنها متوارية بين طبقاتها الاجتماعية، لكن جميع الأفلام كانت جديرة بالمناقشة، ومرتفعة على المستوى الفني.

العزف على لحن عرق البلح

صحيح هناك بعض الأفلام لم تلقَ الاستحسان من بعض النقاد، اختلفوا حول قيمتها الفنية. أساساً كان الاختلاف بسبب الموضوع، كما بالفيلم الأسترالي الفرنسي «أليس»، والفيلم المغربي «مواسم العطش» للمخرج حميد الزوغبي. والذي يُذكرنا بالفيلم المصري البديع «عرق البلح» للمخرج المبدع الراحل رضوان الكاشف، فهناك تماس واضح وخيوط أساسية تربط بين الاثنين وإن اختلفت التفاصيل في امتدادها.

لكن الغريب في الأمر أن الضيوف من الإخوة المغاربة أنفسهم لم يعجبهم فيلم «مواسم العطش» وانتقدوه بشدة أثناء حواراتي ونقاشي معهم. اعتبروه يُصدر صورة سلبية للمرأة والرجل، فالمرأة قاسية أو منحرفة، والرجل لا وجود له، وإن وجد فهو فاسد منحل، وإن غاب تماماً، فيمكن للكلب أن يحل محله.

مع ذلك، شخصياً أعتبر الفيلمين السابقين يستحقان المشاهدة، وأختلف مع المهاجمين للفيلم المغربي؛ لأن المخرج اشتغل سينمائياً على معاني ودلالات بصرية تُعبر عن قسوة الحياة، في ظل غياب الرجل، وكيف يُمكن للمرأة أن تتصرف لتحطيم أسوار سجنها، ولخلق عوالم أوسع وأرحب من الجدران المحيطة بها.

الفيلم ينحاز لفكرة أن السجن ليس بالجدران، أن الإنسان إذا حطم جدران نفسه يمكنه فعل المستحيل. هنا تكمن أهمية الفيلم. أما إذا نظرنا إلى الفيلم على أنه مجرد فعل خيانة، على أنه مجرد إشباع المرأة لرغباتها بأي وسيلة كانت، هنا يتم تسطيح الفيلم وقصره فقط على جوانبه الحسية والجنسية. في رأيي أن للأفلام أبعاداً وطبقات أعمق من المستوى الأول للصورة. إنه يستحق أن نتخلى عن تحيزاتنا، عن أفكارنا المسبقة، وعن النظرة الأخلاقية المباشرة في الحكم على الإنسان سواء كان رجلا أم امرأة، علينا أن نبحث في الأسباب لماذا يتصرف الرجل والمرأة على هذا النحو؟

الترجمة للعربية

الأمر الثاني الذي يهمني الحديث عنه بهذه الدورة هو إصرار مدير المهرجان حسن أبو العلا على ترجمة جميع الأفلام إلى اللغة العربية.

صحيح أن الترجمة كان بها بعض الأخطاء، في التذكير والتأنيث، والترجمة غير الدقيقة لبعض المفردات، لكن هذا أمر يمكن تفاديه في الدورات التالية.

لكن، بالفعل ما قام به أبو العلا خطوة أُحييه عليها، وطالما ناديت بها في مقالاتي، فهو حلم أتمنى أن يتحقق في جميع المهرجانات السينمائية التي تُقام على أرض مصر، لماذا؟

لأن هذا معناه، أولا؛ عدم التعالي على اللغة العربية التي هي لغتنا الأم، وأيضاً نضمن أن جمهور هذه المدينة الجميلة سيحضر الفيلم، ويفهمه، فمصر ترتفع بها نسبة الأمية، فما بالنا بنسبة تعلم اللغات الأجنبية؟ المنطق يقول: لا تتعالوا على الجمهور البسيط، وإلا لماذا ولمن تنظم وتُقام المهرجانات؟!

ما فعله حسن أبو العلا أتمنى أن يحذو حذوه جميع مسئولي المهرجانات في مصر، بغض النظر عن حجم المهرجان. هذه خطوة مهمة فيها احترام للجمهور واعتراف بوجوده.

تكريس لصورة تقليدية

من بين ملاحظاتي أمر يخص تصميم البوستر، حقيقة شعار العام الماضي أعجبني جداً. كان الأكثر توفيقًا من حيث التكوين الجمالي والمعنى الدلالي. أما شعار هذه الدورة؛ حيث صورة امرأة شابة ترتدي ثوب الزفاف. التكوين الجمالي جيد، متناغم لونيا وخطياً مع الكلمات على البوستر، لكن هذا الشعار أعتبره خطوة للخلف، ومتناقضا مع هوية المهرجان.

إنه تكريس للصورة التقليدية للمرأة والتي يجب أن نحاربها. هذا الشعار بصورته الحالية انعكاس لنظرة المجتمع للمرأة بأن مكانها هو البيت والزواج والإنجاب.

ألم تكن هذه النظرة إحدى شكاوى عدد من النساء المبدعات أثناء الحلقة النقاشية التي أثيرت ظهيرة يوم الختام، فهالة خليل مثلاً والفنانة بشرا والمنتجة ماريان خوري، وكذلك السيدة عزة كامل كانت كلماتهن تُشير بوضوح لذلك، فمثلاً هالة كان والدها يرفض دراستها للسينما حتى تجد عريساً محترماً من أسرة لائقة يقبل بالزواج منها، لأن نهايتها الحتمية الزواج، ولم يكن راضياً عن عملها حتى مماته. كذلك ما ذكرته عزة كامل من واقع لقائها بعدد كبير من النساء تحدثن عن المعوقات.

أما الفنانة بشرا التي شاركت في لجنة تحكيم الفيلم القصير، فأشارت إلى أن والدها المستنير التقدمي تآمر مع المخرج رضوان الكاشف لإقناعها بالدراسة في كلية أخرى، ثم لاحقاً عليها أن تدرس السينما، لأنه وفق إشارتها كان متأثراً بنظرة المجتمع للمرأة.

وكان من بين أبرز النقاط التي أثارتها بشرا تذكرها جملة قالها المهندس نجيب ساويرس ذات يوم بأحد حواراته المتلفزة عندما سأله المحاور: ألا تشعر بالاضطهاد في مصر؟ فقال أنه: «لو شعر بالاضطهاد فهذا يعني أنه يقبل به، وهو ما لم يحدث، ولن يسمح لأحد بأن يضطهده». هنا طالبت بشرا جميع النساء بأن يتمثلن مبدأ ساويرس بألا يسمحن لأحد باضطهادهن، ويقاومن ذلك.

إضافة ضرورية للائحة

يتبقى أمر مهم في تقديري؛ يجب على إدارة المهرجان أن تُضمن لائحتها تنبيهاً أو شرطاً لأي لجنة تحكيم بالمهرجان بأنه لا يجوز منح الفيلم الواحد أكثر من جائزة، حتى لا تتكرر واقعة أمس في توزيع الجوائز، ويحصد فيلم واحد أربع أو خمس جوائز. المهرجانات العالمية تشترط ذلك. فعندما يحصد فيلم واحد جميع أو أغلب الجوائز هذا يعني أن الأفلام الأخرى كانت دون مستوى التسابق، وهذا غير حقيقي، على الأقل من وجهة نظري. كان هناك أفلام أخرى تستحق جوائز من تلك التي نالها «منزل أجا»، كانت هناك ممثلات أخريات تستحق جائزة التمثيل.

صحيح أن فيلم «منزل أجا» فيلم مهم جداً، وصحيح أنني وزملائي في لجنة تحكيم جمعية النقاد المصريين - والتي تحمل جائزتها اسم سمير فريد - منحنا الفيلم ذاته جائزتنا ليلة أمس أيضاً، لكن هذا لأننا لا نملك سوى الحق في منح جائزة واحدة فقط، حتى إننا لا نملك الحق في تقديم تنويه لفيلم آخر.

ختاماً أقول: ما حدث ليلة أمس استسهال من لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية، ويجب ألا يتكرر الأمر. والحل في أيدي المنظمين فاللائحة هي التي تُقنن الأمر، وتفرضه على لجان التحكيم. وطالما أن سعادة محافظ أسوان اللواء أشرف عطية قد وعد بأن يتحول مهرجان أسوان إلى تظاهرة ثقافية لا تقل عن أي مهرجان سينمائي دولي، إذن، فعلى المنظمين مراجعة أبسط الهنات، وأدق التفاصيل التي هي ركيزة أي عمل ناجح، خصوصاً أن المهرجان (بصورته في هذه الدورة، من حيث مضمون الأفلام، واختيار المكرمات للاحتفاء بهن- وإن كان عددهن كثيرا- وكذلك تيمة الندوات والنقاشات الثرية، ومحاولات إقامة ورش العمل لتعليم أبناء هذه المحافظة مبادئ الفن السابع) يحمل مؤشرات ودلالات مستقبلية على مزيد من النجاح، إن ظل العمل بهذا الإخلاص، والرغبة في التطوير، والإنصات للنقد.

إعلان

إعلان

إعلان