لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الأجيال الأمريكية القادمة والعلاقة مع إسرائيل

محمد جمعة

الأجيال الأمريكية القادمة والعلاقة مع إسرائيل

محمد جمعة
10:49 م الخميس 27 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

طيلة نصف القرن الماضي، تقريبًا، بدا من ثوابت التحليل السياسي افتراض أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مرتبطتان بعلاقة فريدة من نوعها؛ أكثر من مجرد شراكة استراتيجية وأقرب إلى العلاقة العضوية.

الآن تشهد الساحة الأمريكية تحولات جيلية - وإن كانت بطيئة – تغذي عدم التعاطف مع إسرائيل في المستقبل. كما تتوافر مؤشرات بأن متانة العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية باتت عرضة للاهتزاز نتيجة التغير المتوقع في طبيعتها، خلال العقد القادم، ونزولها على سلم العلاقات من "علاقة عضوية" قائمة على الشراكة الكاملة غير المنفتحة على النقد أو إعادة النظر في أسسها، إلى مستوى أقل قائم على توافق المصالح، ومن ثم أكثر انفتاحا أمام النقد وعرضة للمراجعات الدورية والنشطة من الإدارات الأمريكية والرأي العام أيضًا.

والسبب في ذلك أن هناك تحولات سياسية وديموجرافية تجري في كلا البلدين وتدفع في هذا الاتجاه. بالتأكيد المساحة هنا لا تسمح بتوضيح مفصل للوقوف على طبيعة وأبعاد هذه المعطيات، ولهذا سأكتفي بالإشارة إلى التحولات الديموجرافية – البطيئة - في الولايات المتحدة، والتي تشير إلى أن إسرائيل في وقت قريب لن يكون بمقدورها الاعتماد على نفس القدر من التعاطف والتأييد الجماهيري، الذي ظلت تحظى به لسنوات طويلة، حتى بين اليهود الأمريكان....

على سبيل المثال؛ يُظهِر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو للأبحاث" PEW في يناير 2018 أن الأمريكيين الأصغر سنًا في الفئة العمرية من 18-49 عامًا لا يتبنون وجهة نظر إسرائيل فيما يتعلق بقضية أساسية مثل القضية الفلسطينية، وأنهم متعاطفون مع القضية الفلسطينية ويدعمون حل الدولتين. ويبدو أن هناك ثلاثة عوامل ثقافية رئيسية تقود هذا التغيير: أولها، أن هؤلاء الشباب لديهم تجربة تاريخية مختلفة حول إسرائيل مقارنة بالأجيال السابقة عليهم. إذ لا توجد لديهم أي صلة مباشرة بأعضاء الجيل الذين عانوا من الهولوكوست. ولم يشهدوا الحروب العربية – الإسرائيلية. ويعتبرون إسرائيل دولة راسخة الأقدام ودائمة في المنطقة، وليست دولة قومية ناشئة يمكن محوها في النزاع التالي، كما كان يقال في فترات سابقة. وهذا يجعلهم أقل عرضة للاشتباك مع الحجج القائلة بأن التغييرات في السياسة الأمريكية قد تعرض وجود إسرائيل ذاته للخطر. بل على العكس، من المرجح أن يكون لهؤلاء الأمريكيين الأصغر سنا تجربة مباشرة مع الآلة العسكرية الإسرائيلية وهي تقتحم الضفة الغربية وتقصف غزة في سنوات الانتفاضة وفي هجماتها الثلاث الشاملة على قطاع غزة. في مواجهة عناصر من الفصائل الفلسطينية ذات تسليح ضعيف، وبما لا يُقارن بالآلة العسكرية الإسرائيلية. هذه التجربة، إجمالا، جعلت الأمريكيين الأصغر سنا أكثر استعدادا لتقبل فكرة إدانة إسرائيل وتحملها المسؤولية عن عدم إحراز تقدم على صعيد عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

ثانيا، تشير الكثير من الدراسات أجريت على الشباب الأمريكي لفترة طويلة أن النسبة الأكبر من هؤلاء الشباب يميلون لأن يكونوا أقل تديناً من الأجيال السابقة. وبما أن الدين عامل رئيسي في تشكيل المواقف تجاه إسرائيل، فهذا معناه تراجعًا في مستوى الدعم لمواقف إسرائيل ومصالحها. والعكس صحيح، حيث إن النسبة الأكبر من الشباب الأمريكيين المتدينين مسلمون. ومن غير المرجح أن تتقبل هذه الشريحة من الناخبين سياسة منحازة لإسرائيل، على حساب الفلسطينيين. وفي السنوات الأخيرة، تمكن المسلمون في الولايات المتحدة من التجمع في مجتمعات كبيرة أو جماعات ضغط بما يكفي لإحداث تأثيرات ملحوظة على العملية السياسية في الولايات المتحدة، بما في ذلك ممارسة النفوذ على الانتخابات التمهيدية للحزبين الديمقراطي والجمهوري وانتخاب المشرعين لعضوية مجلس النواب الأمريكي.

ثالثا، تشير العديد من الدراسات واستطلاعات الرأي العام جرت على امتداد العقود الأخيرة أن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، والتي تضم 2% من السكان، هي الأقلية الأكثر ليبرالية في البلاد، أكثر من 70% من أعضائها يدعمون الحزب الديمقراطي. وتظهر الأبحاث أيضًا أن مسألة دعم إسرائيل، على الأقل حتى الآن، لم تكن عاملاً مهمًا في سلوك تصويت اليهود الأمريكيين. ناهيك عن حقيقة أن نحو 90% من اليهود في الولايات المتحدة لا تعترف الحاخامية الكبرى في إسرائيل بيهوديتهم. ويظهر بعضهم علامات متزايدة على عدم الارتياح تجاه مستوى ليبرالية الحكومات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، ليس فقط فيما يتعلق بـ"عملية السلام"، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالسياسة الداخلية. علاوة على ذلك، ومع تلاشي آثار وذكريات الهولوكوست بمرور الوقت، فإن الارتباط العاطفي مع السبب الرئيسي لوجود إسرائيل يتلاشى أيضا. نتيجة لذلك، قد تشعر الأجيال الشابة من اليهود بأنهم أقل ارتباطًا بإسرائيل وأقل التزاما بها مقارنة بوالديهم أو أجدادهم. وفي السنوات الأخيرة، ارتفعت أصوات يهودية أكثر راديكالية، متمايزة عن الحركات اليسارية المتطرفة وحركات معاداة السامية تشكك في شرعية إسرائيل الأساسية. صحيح أن هذه الأصوات لا تزال هامشية، ولا تقدر بأكثر من حوالي 3٪ من الجالية اليهودية، لكن مع ذلك، أظهر استطلاع حديث أن 51٪ من اليهود الإسرائيليين يشعرون بالفعل أن يهود الولايات المتحدة ليسوا داعمين بدرجة كافية. وبسبب أشياء أخرى، قد تتكثف عزلة اليهود الأمريكيين عن إسرائيل في المستقبل.

هذه التغييرات الديموجرافية والجيلية في الولايات المتحدة ستمنح السياسيين الأمريكيين -بمرور الوقت، ومع كل دورة انتخابية جديدة-، حرية أكبر لفتح ملف طبيعة العلاقة العضوية والاستراتيجية مع إسرائيل، ووزنها النسبي الحقيقي إلى جوار الأوزان النسبية لمصالح الولايات المتحدة وعلاقاتها مع أطراف أخرى في الشرق الأوسط.

إعلان

إعلان

إعلان