لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تأملات في الجزع الكوروني !

محمد حسن الألفي

تأملات في الجزع الكوروني !

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 10 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

امتلأت عيناي بالدموع غير مصدق، بينما كان صديقي يروي لى ما شاهده بعينيه في مستشفى حميات.

فحص الأطباء حالة رجل جاء ساخنا محموما وبصحبته زوجته. تبين أن فيروس كورونا غزا الجسم وأخذ يضرب في وظائف الرئتين والكلى.

كانت الزوجة تتابع صورة المعلومات المخيفة مرسومة على وجه الطبيب.. اتسعت عيناها رعبا وفزعا وهلعا.. كل مفردات الجزع والحسرة تكثفت في عينيها.

فجأة ألقت بنفسها على زوجها الموبوء، وسط ذهول الطبيب.. ومضت تحتضن زوجها وتقبله وتقبض على كفيه بكفين عاصرتين.. وهى تبكى وتنشج وتصرخ. حاولوا إبعادها عنه؛ لكنها كانت اختارت أن تشاركه الفيروس !

اختارت أن تمرض معه وتشفى وتعيش، أو تمرض كما مرض، وتموت كما سيموت !

في هذه اللحظة، لا بد أن مشاعر أي إنسان سوي سوف تهتز.. وتستحسن ما فعلته هذه الزوجة المصرية .

لكن..

هل هذه هي الصورة النمطية في القرآن الكريم؛ سنفر من أهلنا يوم الفزع الأكبر( (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37].. واليوم، وكوكب الأرض كله تحت رحمة فيروس حقير، فإن كل البشر، قادة وعلماء وصعاليك يترقبون النهاية.

صورة مصغرة من الخوف. وقت الخوف الشديد يقع الجزع. حين نجزع نهرع إلى الفرار. لا يهم من تركت ومن أخذت. أنت أساسا فقدت الإدراك بمعنى الاهتمام. أنت في حالة "نفسي نفسي".

اليوم تتفسخ علاقات دول ببعضها البعض. دول منعت رعايا جيرانها وغير جيرانها من الدخول، ومنعت أيضا الخروج. دول أغلقت حدودها وأجواءها وبحارها.

اليوم تتفسخ علاقات أزواج وزوجات، وعشاق وعشيقات، وأصحاب وصاحبات. حالة الزوجة أعلاه ليست النموذج. هي حالة فريدة، ربما نتجت عن عدم إدراك جماعية الكارثة البشرية.

الجماعية تخلق التبرير والتطهر من الذنب.. كما تخلق سلوك القطيع المندفع الفاقد العقل والقلب. هو مندفع دون بوصلة ملتمسا النجاة. بينما يفعل ذلك ربما يجد نفسه بحافة جبل منحدر فيتساقط أفراده نحو السفوح.. جثة إثر جثة !

قبل ستة عشر يوما رويت صورة من لقائي بمطار القاهرة مع زوجتي. كانت عائدة من الإمارات. أمضت هنالك أسبوعين. كانت مصر وقتها خالية تماما من أية إصابة. وكان المصريون يتهكمون على خلو البلد من المرض الفيروسي المخيف. راودتني مشاعر متضاربة. العاطفة والواجب في كفة والرغبة في البقاء في كفة أخرى.

حسمت أمري، واحتضنتها وقبلت رأسها.. وبداخلي تساؤل عما إذا كانت مصابة وما سيحل بي وبها !

ربما هدوء الوضع الفيروسي قبل ١٦ يوما منحنى الرضا والشجاعة.. وإظهار العاطفة وتغليب الواجب .

أنت في الظروف العادية يمكنك جدا حسم أمرك واختيار التضحية في سبيل من تحب، تمنحه عمرك وروحك بلا تردد. في الظروف العادية أنت في روية وهدوء ومشحون بأجواء من الذكريات والصور التي تمثل ضغطا أدبيا على قرارك فتدفع في اتجاه التضحية.. بفص كبد.. بكلية.. بالنفس كلها .

لكن الظروف غير العادية تجعل الشخص ذاته في الموقف ذاته مختلفا. الظروف غير العادية هي ظروف كارثة. وباء. زلزال. إعصار. رياح مزلزلة. حروب. غرق. حريق. انهيار منزل أو عمارة أو برج. في هذه الظروف يحدث الفرار بالنفس مقدما على الفرار ومعك الحبيب والقريب. الجماعية توفر الملاءة النفسية التي تعفيك لاحقا، وبعد النجاة، من عذاب الذنب ومباكتة النفس !

نعم، سوف تذرف دموعا غزيرة.. وستدرك أنك أنقذت بدنك.. وستدرك أيضا بعد سكون المشهد تماما أنك فقدت روحك.. ونفسك.. وتعريت أمامك. سقطت منك صفة النخوة. فضيلة الشهامة. وتستقر بالأعماق رذيلة النذالة.

الكوارث والأوبئة اختبارات عصيبة كاشفة النفس البشرية.. في أدنى وأعلى تعاملاتها مع غريزة البقاء!

اللهم عافنا منها حتى لا نكره أنفسنا، بعد أن كرهنا من هربنا منهم للنجاة بحياة منقوصة دونهم.

إعلان

إعلان

إعلان