لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ده بجد؟!

أمينة خيري

ده بجد؟!

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 16 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من رحم الفيروس تولد الدروس! ومن قلب الأزمة تتفجر العبر التي ينفجر بعضها في وجوهنا.

ولكل مصيبة سوداء وجه ناصع البياض، لكنه أحياناً يكتسب ألواناً أخرى لم تكن على البال أو الخاطر.

"كورونا" شأنه شأن أي أزمة تلقي الضوء على حقائق عديدة ربما لم نكن نعرفها عن أنفسنا. وتجعلنا، أيضا، نتصرف بطرق ربما كنا نتصور أنها بعيدة عنا كل البعد.

وبعدما انتشرت رسالة صوتية على مواقع التواصل الاجتماعي عن "حظر تجوال في مصر"، كانت آلاف مجموعات "واتس آب" من ذوات الـ"ماميز" والـ"بابيز" وسكان العمارة وزملاء العمل وأصدقاء المقهى، وأقرانها على "فيسبوك"، ناهيك من قوائم المعارف الفردية - قد تناقلت خبر حظر التجوال ملايين المرات.

ودورة الخبر الكاذب معروفة...! يصدر تكذيب رسمي. يهدأ البعض، ويبدأ البحث عن رسالة أخرى وخبر آخر بغرض الـ"لايك" والـ"شير". يطلق البعض الآخر ضحكة صفراء كناية عن العلم ببواطن الأمور واليقين بما لا يوقنه أحد، ويبدأ في التنبيط بأن الخبر كان "جس نبض" من الحكومة قبل اتخاذ القرار، والتلسين بأن الخبر كان حقيقة سرية، لكن بعدما انتشر تم التراجع. فريق ثالث عمل نفسه من بنها، وظل يدق على زر الشير. هذا مع العلم أن احتمال اتخاذ قرارات مثل الحظر تظل قائمة، ما ظل الفيروس قائماً.

وما "حظر التجوال" إلا نموذج ضمن آلاف النماذج في بحر "الأخبار" التي تملأ وقت فراغنا تأليفاً وقراءة و"شيراً". والمطلوب بالطبع ليس التوقف عن القراءة على الإنترنت والتواصل عبر منصاته الاجتماعية، لكن المطلوب قدر- ولو بسيطاً جداً- من التعقل. فمن غير المعقول أن نتلاعب بملايين البشر لمجرد أن نحظى بعشرات أو مئات أو آلاف الـ"لايك"، أو حتى لنذوق طعم أن يتحول الإنسان العادي إلى "خابور" معلوماتي!

وعلى سيرة المعلومات، فبيننا من لا يزال على قناعة تامة بأن كل ما يرد في الإعلام هو حقيقة مطلقة، ما دام أنه إعلام غير مصري!

وقد تجرعنا مرارة الثقة العمياء بالإعلام الغربي مثلاً، وهي الثقة التي كشرت عن أنياب الهوى والميل لتيارات بعينها كانت- وما زالت- تتمنى هيمنتها على مقاليد الأمور في مصر.

وتضاعف حجم المرارة لأسباب كثيرة، منها عقود طويلة من انعدام الثقة الشعبية بالأخبار المصرية، وكذلك الحكومة، وتيه بالغ بكل ما هو غير مصري، مع توافق كبير بين توجهات سياسية ودينية لدى آخرين عبر الحدود وأقرانهم في داخلها، وإفراط زائد في الرغبات الثورية وشهوات الهدم حتى لو كان هناك ما يفسرها بالرغبة في إعادة البناء على مياه بيضاء.

عدد من الصحف الغربية، بينها "جارديان" البريطانية، نشرت مقالات، جميعها يرتكز على دراسة أجرتها جامعة كندية، وخرجت بنتيجة أن "الأعداد المعلنة في مصر بكل تأكيد أقل من الأعداد الحقيقية"!

تقرأ المقال وعنوانه "مصر: معدل حالات الإصابة مرجح أن يكون أعلى مما تشير إليه الأرقام"، فتجده بدأ على الأرجح بنتيجة مفادها أن الأرقام في مصر يجب أن تكون أعلى مما تعلنه الجهات المصرية الرسمية، فتم بناء الموضوع على هذا الأساس.

عنوان الموضوع الفرعي يقول: "إخصائيو الأمراض المعدية في جامعة تورنتو يقدمون صورة قاتمة عن الانتشار المحتمل"، مع صورة فوتوغرافية لعامل مصري يرتدي كمامة وينظف عموداً مواجهاً لمعبد الأقصر. وبعد معلومات تم تجميعها من مصادر رسمية مع قليل من الخلفية عن مدى اعتماد مصر على السياحة في اقتصادها والخراب المتوقع والدمار الذي يلوح في الأفق، يستغرق المقال فيما وصلت إليه الدراسة الكندية عن الصورة المرعبة في مصر.

دقة صغيرة على أزرار الكمبيوتر تقودك إلى الدراسة من مصدرها. والعجب العجاب هو أن الترجمة الحرفية لعنوان الدراسة هو "تقدير عبء "كوفيد – 2019" وإمكانية الانتشار الدولي للعدوى من إيران". آه والله!

صحيح أن الدراسة تطرقت إلى دول مثل مصر؛ حيث إن الأرقام المعلنة لم تصل إلى أعداد كبيرة بعد، وفي ضوء معدلات السفر وغيرها، خرجت بنتيجة مفادها أن الأعداد المصابة في الأغلب أكبر من المعلن.

وبعيداً عن القيمة أو الجدوى أو الأسس العلمية المعتمدة عليها الدراسة، فإن السؤال يعود بنا إلى الموضوع المنشور: ده بجد؟!

عموماً، ما يخفف من حدة العجب هو أن السؤال الذي يظلل الزمن الذي نعيشه هو: ده بجد؟!

إعلان

إعلان

إعلان