لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في نقد الشرعية الثقافية للمهرجانات

طارق أبو العينين

في نقد الشرعية الثقافية للمهرجانات

طارق أبو العينين
09:00 م الأحد 08 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


أثار قرار نقابة الموسيقيين منع أغاني المهرجانات جدلاً اجتماعياً واسعاً، ما بين مؤيد للقرار ومعارض له، لكن ما يلفت انتباه كاتب هذه السطور هو تشكل خطاب ثقافي يدافع عن أغاني المهرجانات باسم الدفاع عن الحرية وعدم مصادرة حق الجماهير في اختيار الذوق الفني الذي يناسبها.
فالأمر الإشكالي في تلك الشرعية الثقافية للمهرجانات يكمن- من وجهة نظري- في الرهان بشكل مطلق على فكرة أو مبدأ تسليع المنتج الثقافي؛ بمعنى أن يصبح الفن والأدب والشعر مجرد سلعة، لها من يطلبها، ومن ثم فوجود هذا الطلب في حد ذاته يمنح تلك السلعة شرعية حتى وإن كانت رديئة، وهنا نقع في مشكلة المجاراة الشكلية للعرف الثقافي والاجتماعي الغربي، دون مراعاة الفروق الجوهرية بين السياقات السياسية والاجتماعية بيننا وبين الغرب. ....

فاتساع الفجوة بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير كانت- ولا تزال- من الإشكاليات الأساسية التي واجهت الثقافة والحضارة الغربية، ومن ثم الثقافة والحضارة الإنسانية بشكل عام؛ فهناك اتجاه كلاسيكي للثقافة، قاده كبار رجال الفكر والأدب في القرن التاسع عشر في أوروبا، مثل الشاعر والمفكر البريطاني ماثيو أرنولد الذى عرف الثقافة بأنها أفضل ما قاله الناس وأفضل ما فعلوه، ومن ثم فقد نحا هذا الاتجاه نحو رفض ثقافة الجماهير بشعبويتها وفوضويتها لحساب ثقافة النخبة الرصينة المتعقلة، وفي المقابل برز اتجاه آخر معاصر سعى للمصالحة مع ميول الجماهير من أجل إنعاش السوق الثقافية، فمنح الشرعية وحق الوجود للمنتج الثقافي وإن كان رديئاً، تاركاً الحرية للجماهير في تقييمه سلباً أو أيجاباً.
....

ولأن كاتب هذه السطور من أنصار فكرة احترام الطابع السياقي الذي يضفي نسبية على الأفكار والمقولات، فإن هناك معضلتين أساسيتين في مواجهة تلك الشرعية الثقافية لأغاني المهرجانات:
المعضلة الأولى هي تحول الفن وبالتبعية الثقافة إلى سلعة يجرى عليها حكم القانون الاقتصادي البائس الذى يقضي بأن تطرد السلعة الرديئة السلعة الجيدة من السوق، خصوصاً في ظل تراجع وتواري المنتج الثقافي والفني الجيد لحساب المنتج الرديء، ومن ثم احتكار تلك الحالة الشعبوية والفوضوية للمجال العام ومنحها وحدها الحق في تشكيل وعى وذوق الجماهير في مصر.
وهو ما يقودنا إلى المعضلة الثانية؛ فقد عانت أوروبا من هذا الفصام والصراع بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، بعدما كونت مشروعها النهضوي، وبدأت في جني ثماره، ولكن سيادة هذا النمط الشعبوي الثقافة والفنون في مصر، في ظل غياب أية ملامح لمشروع نهضوي جامع، ومع تردي وتراجع الذوق العام، وتحت وطأة تزايد معدلات الجريمة والتفسخ الاجتماعي - يعمق بكل تأكيد من جذور تلك الشعبوية، بل يقتل أيضا فكرة بروز البديل الجيد في مواجهتها، ومن ثم فإنه يحرم الجماهير من حقها الأصيل في الاختيار حتى وإن ادُعي كذباً بأن هذا الموقف يجسد دفاعاً عن حرية الجماهير في الاختيار؛ لأن الشعبوية- ببساطة- كانت وما زالت، وسوف تظل خصماً تاريخياً للديمقراطية والحريات.
ومن ثم فإن الدفاع عنها باسم الحرية سوف يمسخ تلك الحرية، ويحيلها إلى داروينية فاشية تقتل البديل، وتصادر على حق الجماهير الحر والأصيل في الاختيار.

إعلان

إعلان

إعلان