لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تنويهات عن المطبخ والرجال وتلك المحاولات.. أيام رمضان

د.هشام عطية عبدالمقصود

تنويهات عن المطبخ والرجال وتلك المحاولات.. أيام رمضان

د. هشام عطية عبد المقصود
08:31 م الجمعة 24 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

استطاعت كتب الطهي قديمًا أن تنقل مبادئ تجربة الطهي لكثير من الفتيات اللواتي تزوجن دون معرفة كبيرة بذلك، حيث كن موضع رعايةٍ زائدٍ بل ربما دلع جم من الأسرة والأمهات وفق مقولات شاعت في تلك العقود، فلم تسعفها تجربة البيت وحب وإشفاق الأمهات وأيضا الآباء "وحيث البنت دوما حبيبة أبيها" علي أن تخوض تجربة دخول المطبخ تكرارًا، والتعرض للسعات بوتاجازاته القديمة ذات اللهيب العالي، ولا لفحات نيران الطهي وأبخرتها الساخنة السادرة في أجواء وأركان المطبخ، حتى أنه اعتدنا في كثير من اللقاءات والحوارات الإعلامية القديمة بل وفي بعض الحديث منها أن تحتفظ بأثر من ذلك، وما بدلت تبديلا، بأن يتم وضع سؤال لمختلف الشخصيات النسائية الرائدة في مجال العلم والمعرفة والثقافة والفن وغيرهن عن مهارة الطهي: "وبتعرفي تعملي أكلة إيه؟!"، حيث كان وفق منطق وأدبيات تلك الحوارات وما زال أثر منها باقيًا أن تحسن المرأة بعض مهارات الطهي، وذلك بالطبع بعد أن يسبقه سؤال آخر "يا ترى بتحبي المطبخ وبتدخليه؟َ!"، فتكون الإجابة في الغالب: أكيد بس أنت عارفة ظروف الوقت.

عموما تكفلت كتب الطهي في ذلك الزمان والتي كانت توزعها المدارس وتكون قسما مهما من "مقتنيات وعفش العروسة" بالحل فضلا عن الخط الساخن المفتوح على تليفون الأم طلبًا ونصحًا واستشارة حتى تتم المهمة النبيلة، ويكتمل توثيق الرباط المقدس عبر الشهور والسنوات.

أما الآن فقد تكفلت برامج الطهي المتعددة علي مدار العام بعمل آخر هو نقل التجربة للرجال والأزواج، وطبعًا يمتنع الأبناء الذكور منهم والفتيات فهم مشغولون علي ما يبدو بما هو أهم بالنظر والمتابعة لما تحمله شاشات الكمبيوتر والموبايل، حتى أنه ليتخيل بعض الآباء والأمهات الطيبين أنهم وفي ضوء هذا الاهتمام والجدية يسعون حتمًا لحل مشاكل عالقة في الكون، ويسهمون في رسم استراتيجيات الكون في المائة عام القادمة، وحيث لا يقطع تجليات إلهامهم الطويلة تلك سوى فترات تعبر كالخاطرة بإشارات دون كثير من كلمات تؤكد الرغبة في تناول ساندوتشات سريعة، ومهما رأوا مائدة الطعام معدة والأب والأم جالسان و"مشرفان" على أطرافها في انتظار قدومهم الكريم، ستكون تلك الإشارات كافية مع تعبيرات الوجه العارفة بأصول مخاطبة الأم عطفا وحنانًا بجلب عاجلٍ وسريعٍ لإغاثة هذا الإنسان المشغول بحل مشكلات الحياة.

هكذا دخل الرجال بسلاسة وعبر تشجيع صامت وأحيانًا ناعمٍ مجال التعلم والرغبة في مشاركة بعض مراحل الطهي من خلال مخايلات وإغواء برامج المطبخ العديدة، ومنحت ساعات البقاء في البيت تلافيًا لمخاطر التواجد في الشوارع فيما فرضته احترازات "كورونا" فرصة التأمل والتنظير للرجل بعد أن غادر بعضًا من ذلك زمنًا، بمعني أنه لا يكتفي هنا الرجل هنا بالمساعدة والدعم اللوجيستي في المنزل كما يقول هو الكلام المهم عن حقيقة دوره "اللا مرئي"، بل صار يرغب في أدوار فعلية من أرضية معرفة تتراكم، ثم صارت له ملاحظات عدة، وبدلا من الرجوع للبيت باحثًا عن أي متاح يسد به فجوات ما يحمله ممتدًا ومكورًا أمامه في أحجام متنوعة، صارت تمنحه مواقيت الانقطاع والمكوث بالبيت فرصة للتأمل والتوجيه والملاحظات عن طريقة الأداء المطبخي التي كانت تمضي سلسلة ناعمة بلا محاذير.

ثم تدخلت طريقة مقارنة ما يراه على الشاشة بما يحدث في الواقع تحديًا، فتعامل مع كل ما تقدمه مطابخ الشاشات على أنه، وكما يقول محمد منير "أماني ممكنة"، رغم أنه لم يتذوق منها شيئًا واكتفى فقط بتهليل الشيف لطبقه، وهو يخرج من الفرن معلقًا عليه بجمل من جمل معلقي كرة القدم –طبعا على رأي سعيد صالح في العيال كبرت متورم العينين "أيام لما كان في كوره"– يقول طاهي التليفزيون منتصرًا محتشدًا بأدرينالين سخونة أجواء المطبخ: أهي دي الحلاوة.. شوف شوف.. بص علينا وطل.. هوا في حاجه أحلى من كده"، فيعتقد الرجل المشاهد قليل التجربة الذي يراكم خبرته من المشاهدة حظرًا أن خطاب الطهاة على الشاشة موجهًا له دون أن يدري أنه موجه لمنافس الطاهي أو منافسته على قناة أخرى، يعني هوا مش في الحكاية أصلا وفصلا.

وهكذا تجرأ الرجال، الذين "دلعتهم" سابقًا أمهاتهم وتركتهم لا يعرفون شيئًا عن "يعني إيه مطبخ وبوتاجاز؟َ!" دون أن يجهل طبعًا يعني إيه تلاجة، حيث يغزوها ويدمرها اكتساحًا شاملاً يتضح من صوت الأمهات النهاري كل صباح مع أول مرور وتتميم لها على مكونات وتخوم مملكتها.

وليتحول الرجل فجأة إلى فيلسوف في فنون المطبخ، ومنقح ومعلق تطويلاً على ما يتم أمامه، لا يعجبه شيء ولا يرضيه متاح، حتى ألهمت قريحة الرجال الفطرية –وانظر في تاريخ حروب العالم الكونية وكوارثه ستجدها بدأت من أفكار كتلك– أن يتدخلوا ويفرضوا نمطهم، وهنا تظهر نظرية "زن النحلة"، والتي تتحول بعد تجربة أليمة إلى نظرية عقاب الغراب الذي تجرأ وتمطع وتلكع وأصر فناله ما نال الغراب على زنه من تأنيب بالتصريح قبل التلميح، فضلاً عن مطالبات تعويض أهمها: "إنه يسكت بعد كده خالص" أو فليتفضل فالمطبخ براح مداح سداح أمام حضرته"، ولكن شريطة أن يأكل ما صنع وتفنن ولا يبتلي به من حوله.

لن تفلح بالطبع أبدًا كل محاولات عزل الرجل عن الملاحظة والتدخل في شؤون تلك المساحة الأهم –بعد مساحات أخرى ووفق وجهة النظر بالطبع- وهي المطبخ، فطالما هو في البيت سيجد عوضًا طيبًا عن افتعال الخناقات وعلو الصوت والشكوى بالتدخل الناعم المزعج معًا، ولنا في صريخ الست شويكار في تدخل عمنا فؤاد المهندس دليل "الراجل ده هيجننى"، ورغم كل ما حدث لكن لم يثبت في علمنا -حتى الآن ووفق ما ورد إلينا- أن استطاع أحدهم أن يجنن إحداهن جراء محاولات تدخله المستمرة في المطبخ، بينما تترى الإشارات عن غير ذلك.

إعلان

إعلان

إعلان