- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
إن ما يحدث باسم الإسلام من جماعات داعش وبوكو حرام وبقية الجماعات الإرهابية لا يمثل سوى أيديولوجياتهم السياسية.. ثم يلصقونه زورًا وبهتانًا بالإسلام.
فرأيت من واجبي كتابة هذا المقال لأوضح لك عزيزي القارئ بعض الحقائق في هذا الشأن انطلاقا من القرآن والسنة وتاريخ المسلمين النظيف ليستيقن الجميع أن القتل الأهوج والتكفير السياسي والجرائم التي تُرتكب باسم الإسلام لم تكن يومًا بضاعة الإسلام أو ثقافة المسلم الحق.
ومخطئ من ظن أو توهم أن الإسلام مسئول عن كل ممارسات وأفعال الإرهابيين!، ومخطئ من ظن أن الإسلام مسئول عن الممارسات الخاطئة لكثيرٍ من المسلمين.
ذلك بأنه ثمة فارقًا بين الدين المعصوم في صورته النقية (المحجة البيضاء)، وبين ثقافة المسلمين التي كثيرًا ما يختلط فيها الدين بعادات وأيديولوجيات تسيطر على عقولهم وحياتهم، فمجموع أعمال المسلم ومخرجات سلوكه، يمثل الإسلام أحد روافدها وليس كلها أو جلها، وبالتالي من الظلم محاسبة الإسلام على كل ممارسات المسلم، فما بالنا بمحاسبة الإسلام على أعمال الإرهابيين الذين مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ"، حديث صحيح رواه احمد وأبو داود والحاكم في المستدرك.
فالدين والثقافة كل منهما يؤثر في الآخر!!، وكثيرًا ما تم تسويق الثقافة المجتمعية علي أنها دين، ومن ثم لا بد من تناسق وتناغم الخطاب الديني والخطاب الثقافي، بحيث يخدمان نشر الفضائل والقيم الإنسانية؛ لتصحيح المفاهيم المغلوطة في هذا الجو الثقافي والديني الملبد بغيوم التطرف والإرهاب والمبدد للهوية الدينية الوسطية، والهوية الوطنية أيضًا.
والتسامح من المبادئ الدينية التي نرجو أن تشيع كثقافة مجتمعية بيننا مهما كانت هوة الاختلاف بيننا، فرأيت أنه من المناسب اختيار هذا الموضوع للتدليل علي إمكانية التقريب بين الخطاب الديني والخطاب الثقافي وتناغمهما لصالح الدين والثقافة والوطن معًا، وأيضًا وجوب التعاون في هذه الفترة الحرجة التي نخوض فيها حربًا فكرية وثقافية بجانب الحرب العسكرية مع الإرهاب والتطرف.
وسأطرح أفكاري في هذا الشأن من خلال العناصر الآتية:
١- الاختلاف بين البشر سنة إلهيةٌ لا تتبدل ولا تتغير.
٢- تأصيل للمنهج الإسلامي عند الاختلاف، اختلاف، فحوارٌ فتعارفٌ، فتسامح وتعايش.
٣- نماذج للتسامح عند المسلمين نصاً وتطبيقاً.
٤- هل أضر بالمسلمين سماحتُهم؟!
٥- متى يُطبق العدل؟ ومتى يُطبق التسامح والعفو؟
لقد بين الإسلام أن الاختلاف بين الجنس البشري إرادة إلهية وسنة ربانية لا تتبدل ولا تتغير، عبر العصور والدهور من لدن آدم وحواء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذا الاختلاف لم يقدره الله في جانب واحد دون بقية الجوانب ولكن قدره علي كل المستويات والمواهب البشرية، على مستوى اللغات والثقافات والعقول والحضارات والأخلاق والأديان.
قال الله تعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) الروم:٢٢.
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) هود: ١١٨،١١٩.
فالإسلام لا يري في الاختلاف مذمة، ولا يجعل منه مصيبة كما يصوره البعض، بالعكس! يجعله مصدرًا للثراء ومنبعاً للرحمة وسلوكاً لرفع الحرج، ويدفع الناس إلى الحوار الذي يُعمل العقل ويهدف إلى الحق ويصل إلى عقول الآخرين علي قاعدة، أعقل الناس من جمع عقول الناس إلي عقله؛ لأن الحقيقة دائمًا يتوزع نورها علي عقول البشر، ومن أرادها فعليه أن يصل إلى عقول الناس وقلوبهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحكمة ضالة المؤمن، أيما وجدها فهو أحق بها).
وإذا كان البعض يتعامل مع المختلف معه بعقلية الصراع ومن ثم يتصادم معه صدام القتل والحرب والدمار!، فإن الإسلام له منهجٌ واضح يأخذ هذا الإنسان من دائرة الاختلاف في العقيدة واللغة والتفكير والرؤى، إلى دائرة الحوار الهادف الدافع للوصول إلى الحق والحقيقة أينما وجدت، على أساس أن المتفق عليه أكبر بكثير من المختلف فيه، والجوانب الإنسانية هي الوقود والأرضية المشتركة التي ينطلق منها المختلفون نحو الحق المطلق والحقيقة الواضحة، ولقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يذكر من يتجهل عليه من الأعراب أو أهل الكتاب بالقواسم الإنسانية المشتركة، أو الأخوة في العروبة فيقول: يا أخا العرب!، وهذا الأسلوب استخدمه القرآن عندما نادى الإنسان والناس عامة في كثير من سور القرآن الكريم، فأنزل الله في كتابه العزيز سورة كاملة سماها سورة الإنسان، وفي كثير من الآيات يذكر الناس بالقواسم الإنسانية بين البشر كقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات:١٣.
ويمكن تلخيص منهج الإسلام في، جملة واحدة هي: (اختلاف فحوار فتعارف فتسامح فتعايش وسلم اجتماعي)،
أما منهج الصراع فهو (اختلاف فصراع فقتال فظلم واستبداد اجتماعي مع كراهية وحقد اجتماعي، والبقاء للأقوى).
وهذا الحوار الهادف الدافع إلى الحق بتجرد وإخلاص، دعا إليه القرآن صراحة في سورة آل عمران عند حديثه عن أهل الكتاب، فقال جلّ شأنه: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران:٦٤.
ما أعظم هذا القرآن وهو يعلم أتباعه التأدب مع مخالفيهم ومناداتهم بأحب صفاتهم، والتواضع معهم أثناء الحوار، ونبذ الكبر والهوى، وهذا واضح في قوله: يا أهل الكتاب، وكلمة سواء.
وكان تسامح رسول الله صلي الله عليه وسلم مع وفد مسيحيي نجران الذي وفد عليه في مسجده في أهم حوار عقدي بين رسول الله وأحبار المسيحية في الجزيرة العربية قدوة لكل المسلمين وأهل الكتاب إلى يوم القيامة، وأساس سار عليه خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم ومنهج طريقهم إلى يوم الدين.
"قال ابن إسحاق: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران بالمدينة، فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: لما قدم وفد نجران على رسول الله صلي الله عليه وسلم، دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوهم" فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم"، (زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية، ج٣، ص ٦٢٩ طبعة مؤسسة الرسالة).
بهذا التسامح فتح الله لرسول الله قلوب العباد وأبواب البلاد فانتشر الإسلام في كل ربوع الأرض بالدعوة وحدها وليس بالسيف والصراع والاشتباك مع خلق الله بدافع التشفي الأهوج كما يفعل البعض الآن.
· وعلى قدر عظمة الإسلام في ترسيخ هذا المنهج والدعوة إليه، على قدر رفضه لثقافة الصدام والقتل والحروب، على كل المستويات الإنسانية.
إنها شعرة دقيقة هي التي تفصل بين المنهجين في روح وعقل وثقافة المسلم عندما يشعر بالاختلاف مع الآخر، إما أن يقوده ضميره ودينه إلى التسامح والعفو، أو تقوده عصبيته إلى الصدام والقتل حتى وإن زينت له نفسه أنه يقتل ويدمر ويكفر المسلمين لنصرة الإسلام وفي سبيل الله.
الأول: قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إنما بعثت بالحنفية السمحة) رواه أحمد. ويرى التعددية فضيلة قدرها الله لنتعارف ونتعاون.
والثاني: يرى التعددية مذمةً وعليه لا بد من لعن المخالفين له في رأيه حتى وإن كانوا من أهل القبلة آو كان الخلاف على منصب أو ثروة، فهولا يرى الحقيقة إلا في عقله وقناعاته، وتراه موهوباً في تحويل كل أنواع الاختلاف حتي الاختلاف في رأي دنيوي إلى خلاف عقائدي وديني؛ ليكفر ويحرض على القتل والحرق، فإما أن يوافقوه وإما ان يموتوا على يديه كفارًا لا دية لهمّ!.
إن هذه اللوثة، لوثة التعصب الأعمي أصابت مجتمعاتنا منذ زمن بعيد، وانتشرت واحتدت شوكتها فى الفترة الأخيرة، وزادها اشتعالاً بعض العلماء المتحزبين سياسياً عندما حولوا الصراع السياسي علي الحكم إلى صراع ديني، فأفتوا بكفر المخالفين لهم سياسياً أو أيديولوجياً، وأفتوا بوجوب الجهاد المسلح ضد مخالفيهم، وحرضوا أتباعهم على القتل والعنف، ولقد صدق فيهم قول الله تعالى: (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) الكهف: ١٠٣، ١٠٤.
نماذج للتسامح:
لا شك أن التسامح عند المسلمين الأوائل كان تطبيقاً عملياً تنفسوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفساً طبيعياً، وتعلموه من القرآن والسنة محجة بيضاء.
ولم تكن مشكلتهم في الفرق الجوهري والانفصام الكبير بين النص والتطبيق، ولو تحولت النصوص إلى بشر ما زادت أن تكون صورة من أحدهم، وكذلك لو تحول التسامح بشراً ما زاد أن يكون صحابياً جليلاً من الصحابة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مسلماً اقتفى أثرهم.
وقبل أن أذكر بعض نماذج التسامح أود التعريف بهذه الكلمة:
جاء في لسان العرب في مادة (سَمَحَ) السَّماحُ والسَّماحةُ: الجود، وسَمُحَ سَماحةً وسُمُوحةً وسَماحاً: جادَ.
ورجلُ سمْحُ وامرأةُ سمْحةُ من رجال ونساء سِماح وسُمحاء فيهما، والمسامحة: المساهلة، وتسامحوا: تساهلوا، وفي الحديث المشهورالسَّماح رباحٌ، أي المساهلة في الأشياء تُربح صاحبها.
وتقول العرب: عليك بالحق فإن فيه لمَسْمحاً أي لمتسعًا"، (لسان العرب لابن منظور مادة سمح بتصرف يسير).
· فالتسامح كما هو واضح في اللغة بمعني السهولة واليسر، والتاء هنا للطلب، أي على المسلم أن يبحث عن السهولة واليسر في كلام الغير وحياته ويتعامل معه بهذا المعني.
فعلى مستوي الخطاب والحوار، أفضل توضيح لمفهوم التسامح هو قول الإمام الشافعي رضى الله عنه: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
يقول الله تبارك وتعالى: (فقل لهم قولاً ميسوراً) الإسراء: ٢٨.
والقول الميسور هو القول اللين، ومصداق ذلك قوله تعالى:(اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشي) طه:٤٣،٤٤.
· إن الذين ملؤوا الدنيا وفضاءها عبر وسائل الإعلام بالسباب والشتائم وفُحش القول لمخالفيهم للانتصار عليهم، أو ترهيبهم وإبتزازهم، أو إخضاعهم وإسكاتهم، لا يمكن أن يكونوا أتباع حق وإن زعموا أن الحق معهم، ولا يمكن أن ينصروا الإسلام وإن ادعوا أنهم أربابه، لأن الحق أرفع وأسمى من أن يُنصر بباطل، والإسلام كذلك لا يحتاج إلى فحش القول وسيئ الأخلاق.
قال الله تبارك وتعالى: (لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) النساء:١١٤.
وقد قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- (أدع على المشركين)،- وذلك في غزوة أحد وقد نال المشركون منه ومن أصحابه ودمه يسيل- فقال: (أنا لم أُبعث لعّاناً وإنما بُعثت رحمة) رواه مسلم.
وقال أيضاً: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) رواه البخاري.
ومن النماذج العظيمة في التسامح على مستوي القول، الرسائل التي تبادلها الإمامان مالك بن أنس والليث بن سعد.
يقول الإمام مالك في مطلع رسالته:(واعلم -رحمك الله- بلغني أنك تُفتي بأشياء مختلفة لما عليه الناس عندنا -المدينة المنورة- وببلدنا الذي نحن فيه، وأنت في أمانتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك -مصر، حقيقٌ بأن تخاف على نفسك... ثم يقول: فانظر رحمك الله فيما كتبت إليك... واعلم أني أرجو ألا يكون قد دعاني إلى ما كتبت به إليك إلا النصيحة لله وحده والنظر لك، والضن بك فأنزل كتابي منزلته).
ويجيب الإمام الليث عن هذه الكلمات الطيبة بمثلها قائلاً: (قد أصبت بالذي كتبت به من ذلك، ووقع مني الموقع الذي تحب، ثم يقول: وقد بلغنا عنكم شيءٌ من الفتيا، وقد كنت كتبت إليك في بعضها فلم تجبني في كتابي، فتخوفت أن تكون استثقلت ذلك، فتركت الكتاب إليك في شيء مما أنكرت، فيما أوردت فيه على رأيك.
ويمضي الإمام الليث مخالفاً الإمام مالكاً في العديد من آرائه وفتاويه في وضوح وصراحة دون مجاملة علي حساب رأيه، فيختم الرسالة بقوله: وأنا أحب توفيق الله إياك وطول بقائك، لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وما أخاف من الضيعة إلا إذا ذهب مثلك مع استئناسي بمكانك، وإن نأت الديار فهذه منزلتك عندي ورأيي فيك فاستيقنه، ولا تترك الكتابة إليّ بخبرك وحالك وحال ولدك وأهلك وحاجة إن كانت لك أو كانت لأحد يوصل بك فإني أسر بذلك).
هذا هو أدب العلماء في حوارهم وتسامحهم رغم ثباتهم على الحق فيما يوقنون أو يغلب علي ظنهم، ولو أن اختلافاً كهذا ظهر بين اثنين من أصحاب الهوى والعصبية لحركوا الأتباع والناس ضد بعضهم ولأوجدوا فتنة بين المسلمين تذهب بالدين والدنيا معاً.
· ومن الجهالة الواضحة والفسوق أثناء الاختلاف في الرأي، الحكم على الناس بالتكفير والتفسيق،
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (لعن المؤمن كقتله)، وقال أيضًا: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) رواه البخاري.، والتسامح في السلوك مصداقاً لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) آل عمران: ١٥٩
وقوله تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم وما يلقاها إلا الذين صبرواوما يُلقاها إلا ذو حظ عظيم) فصلت:٣٤ .
· وفي مجال العقيدة، يُستعمل لفظ التسامح بمعني إبداء السماحة مع غير المسلمين.
ومما هو معلوم من التاريخ والواقع أن الإسلام جاء في فترة انتشار أتباع ديانتين كبيرتين في قارات الدنيا، خاصة في الجزيرة العربية وهما اليهودية والمسيحية.
فشرع الإسلام للمسلمين أحكاماً خاصة بهم إذا وُجدوا بين المسلمين، هذه الأحكام تنبض بالرحمة والتسامح، ودرج علماؤنا علي تسميتهم بأهل الذمة!، والذمة معناها العهد والأمان والضمان، وهذا يعني أن أهل الكتاب أو أهل الذمة لهم عهد الله وعهد رسوله وعهد المؤمنين بأن يعيشوا في حماية الإسلام وكنف المسلمين مطمئنين آمنين، ليس على أنفسهم فقط بل على دينهم وكنائسهم وأديرتهم وشعائرهم المقدسة.
· وفرض الإسلام لأهل الكتاب حقوقاً ليست قابلة للمساومة أو التغيير مهما اختلف الزمان والمكان، ومنها:
١- حق الحماية:
وهو تمتع أهل الكتاب بحماية الدولة حماية كاملة من أي عدوان داخلي أو خارجي، لينعموا بالأمن والاستقرار.
وفي هذا الإطار ينقل الإمام القرافي المالكي في كتابه الفروق قول الإمام ابن حزم الأندلسي: (أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلدنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دونهم صوناً لمن هم في ذمة الله وذمة رسوله فإن تسليمه دون ذلك -أي القتال- إهمال لعقد الذمة).
وأصل هذا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه: (من آذى ذمياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) رواه الطبراني.
وقال أيضاً: (من ظلم معاهداً أو انتقصه حقاً أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة) رواه أبو داود والبيهقي.
ومن المواقف التطبيقية لهذه النصوص، حرص خلفاء المسلمين على حماية أهل الكتاب والاقتصاص لهم وقضاء مصالحهم.
فقد ذكرت كتب التاريخ أن تسابق ابن عمرو بن العاص وهو والي مصر في عهد الخليفة عمر رضي الله عنهم مع ابن بعض أقباط مصر، فسبق ابن القبطي ابن عمرو بن العاص، فضربه ابن عمرو بن العاص وقال: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين، فأخذه أبوه -القبطي وابنه- ورحل إلى الفاروق عمر في المدينة المنورة شاكيًا والي مصر وابنه، في واقعة لم تحدث قبل ذلك، وهو على يقين من سماحة الإسلام
وعدل حكامه، فأمر الخليفة بإحضار عمرو بن العاص وابنه من مصر لجلسة القصاص العادل بعد أن أكرم القبطي وابنه، ولما حضر عمرو وابنه قال الخليفة عمر لابن القبطي اضرب ابن الأكرمين، فضربه قال أدرها على صلعة عمرو فما ضربك ابنه إلا بسلطانه!.
وتوجه إلى الوالي قائلاً كلمة تُكتب في التاريخ بأحرف من نور، "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، ٢- التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر:
فقد رأي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيخاً يهودياً يسأل الناس، فسأله عن ذلك، فعرف منه أن العجز هو الذي ألجأه إلى التسول، فأمر الخليفة له ولأمثاله من بيت المال ما يكفيهم ويصلح شأنهم.
٣- التفاني في السماحة معهم:
· فهناك العشرات من النصوص القرآنية والنبوية توصي بالصفح والعفو مع أهل الكتاب حتى وإن أخطأوا خطأً ليس فيه إشارة إلى محاربة.
ومن ذلك قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير) البقرة:١٠٩.
· وهذا التسامح مع أهل الكتاب دفع الكثير من أعلام المسيحية يروون شهاداتهم التاريخية عن تسامح المسلمين، وإن انتشار الإسلام في العالم بسبب هذا الخلق.
فقد أورد د. "أ.س. ترتون" في كتابه أهل الذمة في الإسلام: شهادات كثيرة منها شهادة البطريرك "عيشويابه" الذي تولي منصبه في الفترة (٦٤٧هـ-٦٥٧هـ)، كتب يقول: (إن المسلمين الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسوا أعداء للمسيحية بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قديسينا وقسيسينا، ويمدون يد العون إلى كنائسنا وأديرتنا).
· وقد صنف الكثير من الكتاب الغربيين في تسامح المسلمين مع الشعوب تطبيقاً لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ودافعوا عن الإسلام إنصافاً معرفياً وتاريخياً خاصة في مواجهة فرية انتشار الإسلام بحد السيف، ومن هؤلاء (جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب)، والألمانية (زيجريد هونكة في كتابها المشهور شمس الله تسطع على الغرب).
رابعاً: هل أضر المسلمين سماحتُهم؟
هذا السؤال أجاب عنه الكثير من العلماء والكتاب، منهم من رأى أن المسلمين تاريخياً بالغوا في التسامح ما ضيع عليهم حقوقاً وأقام على كاهلهم تبعات جسام.
ويرى "الكونت دي هنري دي كاستري " غير ذلك فيقول: " إبان تسامح المسلمين العظيم مع الإسبان، وكيف حاسنوهم حتى صاروا فيظلهم أهنأ عيشاً
مما كانوا عليه أيام خضوعهم لحكامهم القدماء من "الجرمان"، إن الدولة الإسلامية أبقت المسيحيين على دينهم وقضائهم وقلدوهم بعض الوظائف حتى إن أحدهم تولى قيادة الجيوش مثل القائد "سييد" ونتج عن هذه السياسة الرحيمة إنحياز عقلاء الإسبان إلى المسلمين وحصل بينهم اندماج ظاهر"
ويشير الكونت إلى انتشار الإسلام الطبيعي في الأندلس وقد كان نتيجة طبيعية لسماحة المسلمين ورحمتهم معهم.
خامساً: متى يُطبق العدل؟ ومتى يُطبق التسامح؟:
إن إصابة الحدود ليس فيه تسامح، وإنما فيه العدل المطلق بكل قوة وحسم، ومن ثم من أصاب الناس في أرواحهم أو أعراضهم أو أموالهم ليس من حق حاكم أو أي أحد العفو عنه، إلا بعد عفو أصحاب المظلمة، قال تعالى: (فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعرف وأداءُ إليه بإحسان) البقرة: ١٧٨.
وعندما سرقت امرأة من بني مخزوم ظن قومها أن بإمكانهم الشفاعة لها عند رسول الله لإنقاذها من تطبيق حد الله، والقصة كما أوردها البخاري في صحيحه:
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فخْطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"، متفق عليه.
أما العلاقات الإنسانية في التعامل والتجارة والبيع والشراء فينبغي أن تكون قائماً على التسامح.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى. رواه البخاري.
ما أحوجنا إلى التسامح الآن في علاقتنا على مستوى الحوار وعلى مستوى العقيدة وعلى مستوى السلوك الإنساني، فإنه ضرورة الواقع وضرورة الدين وضرورة العزة والكرامة، وما أحوجنا أن نعلم أبناءنا قيمة التسامح حتى يعيشوا في سلم وأمان.
إعلان