- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يتأمل أبوتمّام الزمان ودوراته الكونية المتعددة، ويخرج من هذا التعدد بمفهوم الوحدة، ومفهوم التكامل، فالرّبيع ليس فصلًا مستقلًا منفصلًا عن غيره من الفصول، الرّبيع امتداد للشتاء، والصيف امتداد للرّبيع، فكل وحدة جزء من كلّ أكبر... كلّ وحدة لا يمكن فهمها بمعزل عن غيرها، فقد "نزلت مقدمة المصيف حميدة" بسبب هذا التّدبير التّدقيق الذي قام به الشّتاء... تستدعي مقدمة المصيف الحميدة مقدمة الجيش التي تبعث في نفس الطمأنينة والثقة، ولا يبتعد حسن تدبير الشتاء عن حسن تدبير الممدوح، ولا تستغرب فأبوتمّام يحسن هذا الجدل ويعلم كيف يصنع منه مركبه الفريد، فهو يقول في نص آخر:
أيامُنا مصقولَةٌ أطرافُها
بكَ واللَّيالِيِ كلُّها أسْحارُ
لا تبتعد الأيام المصقولة عن الدّهر الذي رقَّت حواشيه، ولا يبتعد تمايل الثّرى وتبختره عن الليالي التي غدت كلها أسحار واعدة... وهذه الوحدة الكبيرة التي يدلّك عليها أبوتمّام، يمكن رؤيتها في وحدات أصغر وأدق، يتابع تفاصيل مشهد الربيع:
مَطَرٌ يَذُوبُ الصَّحْوُ منه وبَعْدَه
صَحْوٌ يَكادُ مِنَ الغَضَارة يُمْطِرُ
غَيْثَانِ فالأَنْوَاءُ غَيْثٌ ظاهِرٌ
لكَ وجههُ والصّحوُ غيثٌ مضمرٌ
ما أكثر ما تحدث المتحدثون عن لهو أبي تمّام باللغة، كان هذا مما لم يألفه الشعر من قبل، كان يعرفه، ولكن ليس بمثل هذا الإلحاح، ربما يذكرك هذا التشكيل بما كان يفعله الفنّان مع قطعة الأرابيسك، فالكلمة الواحدة تطالعك في صدر البيت بزاوية وتستقرّ في آخره بزاوية مغايرة:
الاسمية والفعلية: (مطر) (يمطر).
التّضاد: (ظاهر) (مضمر).
يستقطر أبوتمّام من الكلمة كل ممكناتها، ويلعب بتشكيلات التضاد، بين المطر والصَّحو وبين الغيث الظّاهر الجليّ والغيث المضمر، نحن إزاء عقل جدليّ، شغوف بمراقبة الحركة والفعل في الكون، لا تشغله الحركة الحالية عما قبلها ولا يشغلها ما قبلها عن سببها الفاعل والمؤثر، فالمطر ليس نقيضًا للصّحو؛ المطر لا يفهم بمعزل عن الصَّحو، حقيقة المطر تتصل بحقيقة الصّحو، يؤدي أحدهما إلى الآخر ويكمن فيه؛ فالصَّحو الذي أذابه المطر يعود مرة أخرى صحوًا مُمْطرًا بالغضارة والرّي... الصّحو لا يختفي ولكنه يذوب في المطر ليغدو مرّة أخرى غيثًا مضمرًا، ولا يمكنك إدراك الصّحو في الأنواء دون تأمل، ودون خيال.. نحن إزاء جدل جماليّ واسع الثّراء، وكل جدل تركيب وحركة، والحركة تغيُّر، وهذا الجمال الذي قدَّم لك أبوتمّام بعض تجلياته سببه الحركة وليس السكون:
ما كانَتِ الأَيّامُ تُسلَب بَهجَةً
لَو أَنَّ حُسنَ الرَوضِ كانَ يُعَمَّرُ
أَوَلا تَرى الأَشياءَ إِن هِيَ غُيِّرَت
سَمُجَتْ وَحُسْنُ الأَرضِ حينَ تُغَيَّرُ
أرأيت كيف يصوغ أبوتمام حُجَجه الشعرية الفتيّة، يجلبها لك من الواقع المُشاهَد، وليس بعد الواقع المشاهَد من برهان؟ إنه يحيلك على الكون الموّار بالحركة من حولك، الكون لا يعرف السّكون، السّكون موات وسماجة وتوقف...!!
هذا مذهب شعري لا يتعارض فيه العقلُ الجماليّ مع العقل البرهانيّ، ولا الخيالُ الوثّاب مع الإحكام والنَّسج المتأني، فلكلّ ظاهر باطن، ولكلّ نتيجة مقدماتها، ولا شيء بلا سبب... هذا كلّه جزء من تفكير أبي تمّام، وجزء من طموحه، أو قل هذا كلّه جزء من عنفوان عقله وقلق روحه.
يرى أبو تمّام الرّبيع وردًا وحركة وصحوًا، يراه كونًا من البهجة، ما كان لها أن توجد إلا بجهد جهيد من الأرض استمرّ بدأب وصبر طوال الشتاء:
أَضحَتْ تَصوغُ بُطونُها لِظُهورِها
نَــوْرًا تَكادُ لَــهُ القُــلــوبُ تُنَوِّرُ
أرأيت كيف وظّف التقابل بين البطون والظهور، وكيف تصوّر عقله الحركة كلّها في باطن الأرض عبر هذا الاختيار المدهش للفعل "تصوغ" بكل ما ينطوي عليه من دقّة وأناة وإحكام وخبرة؟
ثم انظر إلى الشَّطر الثّاني، وتأمّل موسيقية الجناس بين "نوْرًا" و" تنوِّر"، وتذكر تعاشيق الأرابيسك الدقيقة، وقاعدتها التي تقوم على الوحدة والاختلاف معًا... فالجناس يقدّم لك المختلف في هيئة المتشابه والمتشابه في هيئة المختلف، ويجعل هذا سبيلًا إلى ذاك؛ فـ" نَوَر" الزهر الرّقيق الدّقيق ينير القلب ويملؤه إشراقًا بعد فصلي الخريف والشتاء. الجناس بهجة اللغة ومراحها اللعوب. الجناس بحث عن الائتلاف بين المختلفات. الجناس قيمة كبرى من قيم الوصل والانسجام والعمق.
ثم انظر كيف وضع ذلك كله في شطرين متقابلين متكاملين متعاشقين، حيث يصوغ باطن الأرض هذا الزّهر الجميل كي يتزيّن بها ظهرها ليكون الرَّبيع؟.
لقد وضع أبوتمّام هذا الكلام في صدر قصيدة مديح، رأى فيها ممدوحه ربيعًا، وما رآه النّاس في الربيع حتمًا سيرونه من الإمام:
خُلُقٌ أَطَلَّ مِنَ الرَبيعِ كَأَنَّهُ
خُلُقُ الإِمامِ وَهَديُهُ المُتَيَسِّرُ
يُحبّ القدماء أن يسموا هذ البيت بيت التَّخلّص، وفيه ينتقل الشاعر من المقدّمة إلى الغرض الأصليّ أو إلى الموضوع، والحقيقة أن هذا لا يخلو من خداع، ولا دليل هنا على فكرة التّخلّص هذه إلا هذا الربط الصريح بين الربيع والإمام، والحقيقة - كما تحدثنا - أن أبا تمّام يضمر الممدوح من بيت المطلع، حين قال: "رقَّتْ حواشي الدهر فهي تمرمر"، وأي رِقّة للحواشي يمكن أن تُرْجى بعيدًا عن الممدوح..! وها هو يمزج بين الإمام والنبات المزهر:
في الأَرْضِ مِنْ عَدْلِ الإمام وجُودِه
ومِنَ النّباتِ الغض سُرْجٌ تَزْهَرُ
نَظَمَ البِلادَ فأَصبَحتْ وكأنَّها
عِقْدٌ كأنَّ العدلَ فيهِ جَوْهرُ
انظر كيف استخفّ بعض النقاد بذلك وقالوا: هذا رجل ينافق رجلاً..!!، أبوتمّام يغوص في الأعماق، ويقرأ الحاضر، ويستشرف الآتي، فيقود ممدوحه وأمته جميعًا ويهديهم إلى فضاء رحب وأرض لم تطرق بعد، يهديهم إلى الرّبيع..!
انظر وتأمل هذا السّحر المعجز...!
إعلان