إعلان

رسالة عن الحروب الحديثة الموجهة ضدنا!

الشيخ أحمد تركي

رسالة عن الحروب الحديثة الموجهة ضدنا!

الشيخ أحمد تركي
07:19 م الأربعاء 27 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنت أدرس في الأزهر الشريف الغزوات والمعارك خاصة التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كبدر وأحد والأحزاب... إلخ.

وكانت هذه الحروب كلها للدفاع عن المجتمع كما قال جابر بن عبدالله: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَغزو إلا أن يُغزي وما كان يُحارِب إلا أن يُحارَب".

وهذا هو مفهوم القتال!، وهو يختلف عن مفهوم القتل!، والكثير لا يستطيع التفرقة بينهما، مع أن الفرق بينهما هو نفس الفرق بين الجندي الشهيد المدافع عن وطنه وبين الإرهابي القتيل الذي يدافع عن جماعته أو أفكاره!.

والقتال يكون بإذن ولي الأمر والقتل يكون بقرار شخص أو بقرار جماعة غيلة وتشفيا في القتيل.

والقتال يبذل الجندي المقاتل فيه روحه لتحيا الأمة من بعده والقتل يزهق القاتل فيه أرواح الأبرياء؛ ليعيش هو أو تعيش أفكاره وجماعته!.

والقتال يعني أن هناك اعتداء على الوطن فيأمر ولي الأمر بتجييش العدة والجنود للدفاع عن الأرض ومصالح الأمة.

والأمر القرآني جاء بوجوب القتال إذا حدث اعتداء على الدولة، قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190)"، سورة البقرة.

أما القتل فهو إزهاق للروح من غير أن تتوافر شروط القتال في سبيل الله، وهو من أكبر الكبائر ولا يباح إلا على سبيل القصاص بيد الدولة، قال تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)"، البقرة.

وقال أيضًا: "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ (33)"، الإسراء.

وكانت المعارك قديمًا بالسيف وتتسم بالوضوح التام سواء في أهدافها أو في توافر المعلومات عن العدو.

وكان المسلم يخرج؛ ليدافع عن عرضه وأرضه وداره وهو مطمئنٌ تمامًا أنه على الحق وعدوه على الباطل فضلاً أن قرار الحرب كان بيد النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره ولي الأمر وليس ككونه نبي فقط!؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وهذه الحروب يسمونها حروب الجيل الأول، تطورت الحروب في عصرنا الحاضر حتي وصلت إلى الجيل الرابع: (Fourth-Generation Warfare)، الحرب غير المتماثلة، ويُرمز لها 4GW

وهذه الحرب الجديدة أول من أطلق تعريفها في محاضرة علنية البروفيسور الأمريكي "ماكس مايوراينك"، في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، فعرفها بنقاط مختصرة كالآتي على حد تعبيره:

الحرب بالإكراه، إفشال الدولة، زعزعة استقرار الدولة ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية!.

وكما يتضح في التعريف الذي تم إطلاقه من إسرائيل!.

إن هدف هذا النوع من الحروب هو تحويل الدول المستهدفة إلى دول فاشلة حتى تتم السيطرة عليها تمامًا وعلى مقدراتها، ويتم استخدام الخونة والمرتزقة والعملاء وكثيرًا ما يتم تسليط الأضواء العالمية عليهم ومنحهم جوائز عالمية بقصد إيجاد ثقة بينهم وبين الشباب وقد حدث هذا على سبيل المثال لا الحصر مع توكل كرمان التي منحت جائزة نوبل، وكان لها دور كبير في تحويل اليمن على أيدي الشباب اليمني الغافل المتحمس إلى دولة كما نراها اليوم وتنفطر قلوبنا عليها ألماً، ولقد أدرك أعداؤنا دور الدين كأحد المصادر الهائلة للقوة الناعمة لشن حرب الجيل الرابع علينا بخداع شديد عبر عنه بعض المتطرفين بقوله "بما لا يخالف شرع الله" ؟!.

والقوة الناعمة هي (Soft power) وهو مفهوم صاغه جوزيف ناي -في جامعة هارفارد الأمريكية، وكان وكيل وزارة الدفاع الامريكية في عهد بيل كلينتون- لوصف القدرة على أن تأخذ ما تريد بالجذب وليس بالحرب، ومن هذا المنطلق تم استخدام الجماعات المتطرفة والإرهابية أو صناعتها والتحالف معها سرًا، تمويلاً وتوجيهًا، ومحاربتها جهرة!، والابتزاز بها على المستوى السياسي والحقوقي، لكونها تحقق أهداف العدو بـ:"قال الله، وقال الرسول"، مستخدمة التفاسير الملتوية للنصوص مع مسحات من جانب الرقائق في الإسلام لجذب الشباب وتجنيده وتوجيهه نحو القتل في بلده!، ويمكن تلخيص عناصر حروب الجيل الرابع التي وُجهت ضد بلادنا في الآتي:

1- الإرهاب.

2- محاولة إيجاد قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات كما حدث في العراق وسوريا على يد داعش.

3- التشكيك في الدين والثوابت الثقافية والهوية الوطنية والتاريخ.

4- حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والسوشيال ميديا، والتلاعب النفسي والعقلي بالشباب.

5- استخدام كل الضغوط المتاحة -السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية على الدول المستهدفة.

6- استخدام تكتيكات حروب العصابات.

هناك دول للأسف الشديد لم تستطع الصمود أمام هذه الموجة الطاغية من الحروب، فسقطت في مستنقع الفوضى والحروب الداخلية والطائفية، واستطاعت مصر مواجهة هذه الموجة الكبيرة من حروب الجيل الرابع من 2011، وحتى تاريخه بما يُسمي القوة الذكية Smart Power؛ والقوة الذكية -وفق ما جاء بمقال للدكتور سمير مرقص بجريدة الأهرام بتاريخ 24 يونيو 2017- ذكرها جوزيف ناي تطويرًا للقوة الناعمة في كتابه "مستقبل القوة " الصادر في عام 2010، وعرفها بأنها محصلة التكامل بين القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية؛ أي القوة الصلبة وبين القدرة على التأثير من خلال وسائل الجذب والإقناع المتنوعة أي القوة الناعمة، وبهذه القوة الذكية يمكن مواجهة التحديات الكونية المعقدة المتزايدة.

وباحتراف شديد استطاع الرئيس السيسي وصقور مصر مواجهة هذه التحديات الهائلة بالموازنة بين تمتين القوة العسكرية المصرية بتقوية الجيش المصري، وكذلك تقوية القوة الاقتصادية، وبين استخدام القوة الناعمة بكل أشكالها وآلياتها.

وإذا كنّا ندرس في تاريخنا وفي مقررات الأزهر أن مواجهة العدو -عسكريًا- هي صورة من صور الجهاد في سبيل الله!.

فأنا أقول: إن ما صنعته مصر في مواجهة حروب الجيل الرابع باستخدام ما يسمي القوة الذكية بكل آلياتها هي صورة للجهاد في سبيل الله ولونُ من ألوان الرباط في سبيل الله الذي نبأنا النبي صلى الله عليه وسلم به في أن مصر وجندها في رباط إلى يوم القيامة -وعلى هذا- إذا كانت الحروب الموجهة إلينا بهذه الكيفية تستخدم الفكر والدين بهذه الآليات الخبيثة، فهل من دراسة جديدة للسيرة النبوية للربط بين النص والحروب الحديثة حتى يتعرف الشباب على أساليب المواجهة المناسبة دينيًا وثقافيًا في العصر الحاضر والعصر القادم؟!، أرجو من الله أن يعينني لعمل هذا المشروع، ذلك بأن الجماعة الإرهابية زورت تفسير القرآن والسنة للتخديم على مشروعها السياسي، وهذا جزء من الحروب الموجهة ضدنا في هذا العصر!.

فهل من مواجهة فكرية شاملة عميقة تحصن أجيالنا من الوقوع في براثن الحروب الحديثة؟!، ونشر الوعي الكامل لتحديات الأمة؟ بجانب المواجهة العسكرية؟، أتمنى ذلك، والله الموفق والمستعان.

#إن_الله_معنا

إعلان

إعلان

إعلان