لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حياتنا "المختلفة" بعد كورونا

أمينة خيري

حياتنا "المختلفة" بعد كورونا

أمينة خيري
07:00 م الإثنين 04 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نحن غارقون تماماً في تفاصيل حياتنا في ظل كورونا. منذ نستيقظ من النوم، وحتى نعاود الإيواء إلى الفراش، وكورونا معنا وحولنا تهيمن على تصرفاتنا، وتسطو على خططنا، وتتخذ لنا ما ينبغي اتخاذه من إجراءات وسياسات. وحتى حين نخلد إلى النوم، لا تفارقنا كورونا. وإن لم تظهر بشخصيتها الحقيقية في أحلامنا، فهي تطل عبر أحداث مقلقة هنا أو حوادث مفجعة هناك. والسبب واضح. إنها تعيش في وعينا ما ظهر منه وما بطن.

تفاصيل تعليم الأبناء شراء ما نحتاجه من الأسواق، تهيئة البيت لساعات الإقامة الطويلة غير المعتادة، تدبير الحياة بعد تسريح من العمل أو تخفيض في الدخل، الزج بالمنظفات والمطهرات ضمن ميزانية البيت بدلاً من رفاهيات أخرى... ببساطة شديدة كورونا تتحكم في حاضرنا من ألفنا إلى يائنا.

وعلى الرغم مما يبدو ظاهرياً بأننا بتنا نمتلك وفرة من الوقت وفائضاً من الجهد تم توفيرهما في ضوء تقلص التحركات خارج البيت، فأذهاننا غارقة تماماً في حاضرنا. ولأن مسيرة كورونا غير متوقعة؛ حيث ما كان بالأمس القريب مؤكداً حيث لا تصيب طفلاً إلا فيما ندر، ولا تلحق أذى بشاب إلا باستثناءات أصبح اليوم غير مؤكد.

ولأن ما كان يصلنا من المصادر الصحية العليا على الكوكب من أنها فيروس كغيره من الفيروسات، أو أنها "دور برد" ثقيل حبتين، ثم أصبحت شبه وباء، ثم تحولت إلى جائحة كبرى وكارثة عظمى جعلتنا مهزوزين قلقين متوترين، فإن قدرتنا على التفكير في الغد وبعد الغد شبه متوقفة.

هذا التوقف المؤقت ربما يكون نعمة من السماء. فالتخطيط المبني على معطيات مستقبلية شبه مؤكدة صعب، فما بالك بالتخطيط المبني على "ولا حاجة"؟! ليس هذا فقط، بل إن الـ"ولا حاجة" لم تعد حكراً علينا على اعتبار أننا دولة نامية أو عالم ثالث أو أن ثقافتنا "مش بتاعة تدبير وتخطيط" أو أن ظروفنا وأوضاعنا تحتم علينا أن نعيش اليوم بيومه؛ بل أصبحت الـ"ولا حاجة" سمة أممية تجمع أرجاء الكوكب الذي لم يجتمع من قبل على كلمة أو موقف، فأصبح اليوم مجتمعاً رغماً عنه على فيروس. صحيح أن الاجتماع فيما يختص بالوباء وانتشاره يتراوح بين دولة وأخرى بحسب قدرة نظامها الصحي ووعي مواطنيها ودرجة صمود اقتصادها وحنكة الإجراءات والسياسات المتخذة، لكننا نظل أمام كورونا سواء، أو أقرب ما يكون إلى السواء.

وسواء أَحَدث التوصل إلى علاج أو لقاح أم لم يحدث هذا، فإن المؤكد أن حياتنا بعد رفع الحظر وتخفيف إجراءات الإغلاق لن تكون كحياتنا قبل هجوم الفيروس. والحياة الجديدة- حلوها ومرها- لا تتعلق فقط بمكتسباتنا الجديدة من قواعد النظافة وأصول التعامل في التجمعات وعناق التجمعات وقبلات الفراق والقوة الرهيبة الكامنة في إمكانية الدراسة والعمل من البيت، ولكنها أكبر وأشمل.

وبينما العالم يناقش الآن أموراً على هوى من يناقشها مثل: هل تخدم كورونا الديكتاتوريات وتيسر وتحلل مراقبة المواطنين؟ أو هل تتجه الأعمال إلى الإبقاء على منظومة العمل من البيت تخفيضاً للنفقات وتعظيماً للأرباح؟ أو هل يعود الإرهاب المنظم مثل داعش إلى سابق نشاطه؟ أو هل تتغير نتائج انتخابات مزمعة في ضوء تعامل الأنظمة مع الأزمة الراهنة؟ أو هل تؤدي الأزمة إلى بزوغ نجم اقتصادات جديدة وخفوت نجوم ظلت مهيمنة طويلاً؟ أو هل يحتفظ ما كان "عادياً" قبل الأزمة بوضعيته بعدها أم يصبح استثنائياً بدءاً بالذهاب إلى الحلاق مروراً بطرق الدرس وانتهاء بصحتنا النفسية والعقلية؟ وغيرها.

هل هناك ما يطرأ على بالنا في شأن حياتنا بعد كورونا، أو بالأحرى ما بعد اعتياد كورونا والتعايش معها ومع غيرها من الطوارئ والكوارث، أم نكتفي بالغوص أكثر والإغراق أعمق في:

هل هذا بلاء للمؤمن؟ وهل كثرة الدعاء كفيلة بالقضاء على الوباء؟ وهل من يموت بكورونا شهيداً حتى لو لم يكن مسلماً؟ وهل نبقي على منهجنا التكاثري في سباق الأرانب المحموم وننجب الملايين ليتم ضخها في مجالات قيادة التوك توك وبيع السلع على الأرصفة وأعمال النظافة المنزلية والشارعية وتزويج الطفلة؟

وهل نعود إلى سابق عهدنا في التعامل مع منظومة التعليم باعتبارها عملية مضنية، الغرض منها الحصول على ورقة يسمونها شهادة مع استمرار تحكم "الماميز" في تسيير دفة تحديث التعليم وتغشيش الأولاد وشراء الأبحاث، أم أننا نستحق حياة مختلفة بأولويات مختلفة بعد أزمة مختلفة؟!!

إعلان

إعلان

إعلان