لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في أزمة دار الكحلاوي.. مصر حلوة بأهلها

حسين عبدالقادر

في أزمة دار الكحلاوي.. مصر حلوة بأهلها

حسين عبد القادر
09:22 م الجمعة 19 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنت قد تأثرت بشدة بعد استغاثة الدكتورة عبلة الكحلاوي لدعم دار الباقيات الصالحات التي أسستها وتشرف عليها عقب تعرض عدد من نزلاء الدار للإصابة بـ"كورونا"... أشفقت على هؤلاء النزلاء فكلهم من المسنين والمصابين بالزهايمر، وهو الشرط الأساسي لقبول النزلاء ورعايتهم.

كان الموقف قاسيًا على المكان الذي يضم دارين أحدهما للرجال والآخر للنساء.. فرغم اتخاذ كافة الاحتياطات عقب ظهور الفيروس فإن هيئة إدارة الأزمة التي شكلتها دكتورة عبلة الكحلاوي من مديري الدار عانت في إيجاد أماكن للمصابين في المستشفيات، ما اضطرت معه أن تقيم جناحي عزل تحت إشراف طبي من أطباء وممرضات الدار، ولكن تدهور الحالات وظهور اشتباهات أخرى طالت أعدادًا أخرى دفع دكتورة عبلة للاستغاثة حتى تحافظ على ما لديها من أمانة، فالبعض لا يستطيع الحركة، والإدراك لظروف السن أو الأمراض المزمنة علاوة بالطبع على الزهايمر.. وحتى أمس كنت أعتقد أن الأمر تم تجاوزه بمبادرة السيدة الرقيقة هبة السويدي، بإعلانها التبرع بكل ما تحتاجه الدار، ولكن مكالمة مع صديقي المهندس خالد الشال كشفت لي الأزمة التي تعرضت لها الدار، كشفت حقيقةً عن معدن المصريين الأصيل وقت الأزمات، ويؤكد أن مصر كما هي الحاجة الحلوة والجميلة.

فوجئت بالمهندس خالد وقد ارتفعت حالته المزاجية، والذي كان عائدًا لتوه من المقطم حيث دار الباقيات الصالحات وقد قرر المشاركة بالمساهمة بأي تبرع متأثرًا بما سمعه، ولكنه هذه المرة كان سعيدًا عما قبل زيارته للدار، وجاء صوته مجلجلاً، وهو يقول أنا سعيد لأنني اكتشفت أن كل كلمة قلتها عن مصر وأنا خارجها في الغربة طلعت حقيقية.. فمصر، فعلاً أجمل بلد في الدنيا.. قلت له أكيد سعيد بما قدمته السيدة هبة السويدي وأردفت له قائلاً عمومًا هذا ليس جديدًا عليها فقد تعودنا منها الجدعنة وحب الخير.. فباغتني بسرعة بالطبع السيدة هبة لها كل تقدير واحترام، ولكن كان لها منافسون في التسابق لإنقاذ نزلاء الدار من الموت المحقق... لم يتركني صديقي حتى أعقب، ولكنه استرسل في كلامه لي إنه عندما ذهب للدار، وجد مصر كلها هناك... مصر الرسمية وأيضًا مصر الشعبية... الجميع كان يتسابق ليمد يده، ثم قال عايز تعرف ماذا شاهدت ليتك تتحدث للواء أسامة آدم مدير عام الدار، والذي يتعايش مع أمور الدار لحظة بلحظة.... في أول المكالمة مع اللواء أسامة كانت مفاجأة سعيدة لي فالرجل صديق قديم جدًا، عندما التقيته منذ30 عامًا كرئيس نقطة مدبح السيدة زينب، وأنا أجري تحقيقًا صحفيًا هناك.... لباقة اللواء أسامة واستيعابه لكل المعلومات وفرت عليّ كثيرًا من التساؤلات.

يقول الرجل الأزمة أشعرتنا أن مصر كلها انتقلت؛ لتعيش معنا وتخفف عنا الموقف الذي كان دقيقًا بالفعل... فلدينا 40 مسنًا مصابًا بالزهايمر، و60 أخريات من المسنات، كنا عقب بدء ظهور "كورونا" قد أعددنا فريق أزمة لمواجهة ما هو قادم، خاصة أننا بجانب المسنين نستضيف أطفالًا مصابين بالأورام من غير المقيمين بمستشفى 57357 مع أهاليهم، ونتولى إقاماتهم لحين انتهاء فترة ترددهم على المستشفى.. ولكن بعد مرور شهور ثلاثة اكتشفنا ارتفاع درجة حرارة البعض، وعلى الفور أجرينا أشعات مقطعية لهم وتحاليل أكدت إصابة عدد بالفيروس واشتباه حالات أخرى.. وتأزم الموقف بعدم قدرتنا على نقلهم لمستشفيات، فأعددنا أجنحة عزل تام ورعاية طبية فائقة، ولكن ساءت بعض الحالات لظروف السن وأمراضهم المزمنة، فاضطررنا للاستغاثة، وفوجئنا بكل مصر تخاطبنا ليسألونا عن احتياجاتنا: "القوات المسلحة أرسلت فريقًا من الحرب الكيمائية عقَّم كافة منشآت الدار وأبنيتها، ووزارة الصحة أرسلت فريقًا طبيًا من أطباء وممرضات للإقامة بالدار؛ لمتابعة ورعاية المرضى، ومعهم كل الأدوية المطلوبة للمعزولين، في حين تولت سيارات الإسعاف نقل الحالات فوق المتوسطة لبعض المستشفيات، ومعظم الحالات تحسنت وغادروا المستشفى، وتبقى نحو 8 حالات في طريقها للشفاء التام"، ويضيف اللواء أسامة: "صندوق تحيا مصر أرسل مسؤولين له ومعهم إمدادات طبية وغذائية، الأمر لم يقف على الجهات الرسمية فقد توافد نماذج من كل الفئات الاجتماعية والشعبية، فبجانب السيدة الفاضلة هبة السويدي كان هناك عدد من رجال الأعمال معظمهم رفض ذكر اسمه خوفًا من ضياع ثوابه عند ربنا قدموا كل ما يحتاجه النزلاء المرضى والأصحاء".

ويصمت مدير الدار اللواء أسامة قليلاً قبل أن يستطرد كلامه متأثرًا، ما كان له تأثيره العميق فعلاً في نفوسنا جميعًا: "هم هؤلاء البسطاء الذين حضروا؛ لتقديم مساعدتهم في ضوء إمكانياتهم المحدودة للغاية أحدهم اشترى كمامتين وجاء ليقدمهما، وآخرون أحضروا 5 كمامات، وكانوا يقولون على استحياء، هذا كل ما نملكه ونستطيع أن نقدمه"، ولكن أصعب المشاهد كانت: "لتلك السيدات الغلابة اللائي طرقن باب الدار وعندما التقينهن قلن لا نملك أي شيء سوى جهدنا وصحتنا، وهن يعرضن العمل في النظافة أو المطبخ مجانًا دون مقابل سوى التخفيف عن معاناة النزلاء".. انتهي كلام اللواء أسامة، ولكن تفتحت داخلي من جديد شحنة التفاؤل والاعتزاز ببلدي الجميلة... لسه وحتفضلي حلوة يا مصر.

إعلان

إعلان

إعلان