لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

التواصل الاجتماعي في العالم السفلي !

أحمد الشيخ

التواصل الاجتماعي في العالم السفلي !

أحمد الشيخ *
07:00 م السبت 04 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عندما أعلنت الأمم المتحدة أنها رصدت 9 آلاف موقع إباحي جديد، كانت تلفت النظر إلى أن شبكة الإنترنت أصبحت المقصد الرئيسي لمهووسي المشاهد الإباحية في ظل الإغلاق الناجم عن إجراءات مواجهة فيروس "كورونا"، وأن كثيرين من الضحايا من بينهم أطفال يقعون فريسة لتجار الجنس.

تخيل البعض أن الرقم صادم وأن كشفه يعني إنجازًا أمنيًا، بينما الحقيقة أن الرقم محدود، فالآلاف التسعة تم رصدها حول العالم خلال أربعة أشهر، بينما الصين وحدها كانت أعلنت العام الماضي إغلاق 43 ألف موقع إباحي، كما أن سلطات كوريا الجنوبية أعلنت العام الماضي القبض على مدير موقع إباحي كان يشمل 200 ألف مقطع فيديو، وأشارت إلى أن الموقع شهد في عام واحد عمليات مالية تتجاوز قيمتها 700 ألف دولار. هذا يعني أن الجنس عبر الإنترنت تجارة رائجة للأسف.

وتحذير الأمم المتحدة يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من الإجابات، فالإحصائية جاءت في شهر يونيو، وذلك بعد شهرين من صدور في الهند وتحذيرات من الإنتربول، قالت الهند إن الطلب على المواقع الإباحية زاد بنسبة 90%، خلال فترة الحظر كما زاد الطلب على المشاهد الإباحية المتعلقة بالأطفال بنسبة 200%.

اكتفت الأمم المتحدة بالدعوة لرفع حالة الوعي والتنسيق بين الدول ولكن لم نسمع عن سياسات أو خطط أو قرارات جديدة.

والوعي مهم طبعًا، خصوصًا أن يعرف المستخدمون والباحثون أن الإنترنت الذي نستخدمه ونعرفه لا يمثل إلا جزءًا صغيرًا من الشبكة العنكبوتية، وأن هناك عالمًا سفليًا في الإنترنت، يُسمى بـ"الشبكة العميقة"، حيث تجري فيه عمليات بيع وشراء الأسلحة والمخدرات والكثير من الأنشطة غير الشرعية.

خلال فترة الحظر زاد الاعتماد على الإنترنت للترفيه والتواصل، فصعد تطبيق "تيك توك"، عززت منصة "واتساب" تربعها على عرش وسائل التواصل، وتم تسليط الضوء على نسخة العالم السفلي من واتساب وهو نظام "Encrochat".

وهذا النظام لا يعمل على الهواتف العادية، وإنما يتطلب هاتفًا خاصًا يعمل بنظام الأندرويد، وطرأت تغييرات خاصة على هذا الهاتف أهمها نزع الكاميرا ونظام الخرائط، وتأمينه بوسائل السرية ومنع الاختراق والتتبع. يشمل الهاتف نظامين للتشغيل أحدهما النظام الذي نعرفه، والآخر مخصص للأعمال غير القانونية، مثل: تجارة المخدرات والأسلحة وتنسيق عمليات القتل.

ويحمل هذا النظام عدة مزايا للمجرمين، فهناك رمز لفتح الهاتف، ورمز آخر من أربعة أرقام يؤدي إلى تخلص الهاتف من كل المعلومات التي يحملها، ولا يمكن استعادتها مرة أخرى، وبالتالي في حالة التحقيق مع صاحب الهاتف، وعند سؤاله عن رمز فتح الشاشة يمكنه أن يقدم الرمز الآخر، فيضلل المحقق، ويدفعه إلى محو آثار الجرائم بيده.

اكتشفت السلطات الفرنسية هذا الهاتف ونظامه السري عندما وجدته خلال أكثر من عملية مداهمة، ثم علمت أن بعض أجهزة الخوادم الخاصة بهذا النظام توجد على الأراضي الفرنسية، ونجحت من خلال عملية فنية معقدة في اختراق هذه الخوادم، وباتت قادرة على رصد المحادثات التي تجري عن طريق منصة التواصل السري.

يقول الخبراء الذين شاركوا في المهمة أنهم اطلعوا على جانب من أكثر المحادثات قتامة وخطورة، واكتشفوا أن هناك 60 ألف مستخدم لذلك النظام السري من بينهم عشرة آلاف في بريطانيا، وإن هؤلاء المستخدمين يمثلون أكبر شبكة للجريمة المنظمة في أوروبا.

وجدت أجهزة الأمن الأوروبية كنزًا معلوماتيًا بين أيديها، وخلال عملية التعقب تمكنت السلطات البريطانية من إجهاض عملية قتل وفك ألغاز جنائية، وألقت السلطات الإسبانية القبض على أحد أخطر المجرمين البريطانيين وسلمته إلى لندن، وفي مطلع يوليو نفذت سلطات في أنحاء مختلفة من أوروبا عملية واسعة شملت بريطانيا وحدها اعتقال حوالي ٨٠٠ مشتبه به ومصادرة ما يقارب 70 مليون دولار من الأموال و3 أطنان من المخدرات.

تقول متحدثة باسم شرطة لندن إن مهمة القبض على المشتبه بهم كانت سهلة؛ لأنهم جميعًا كانوا في منازلهم ملتزمين بإجراءات الإغلاق ونصائح البعد عن التجمعات بسبب فيروس كورونا !

أغلقت الشركة المسؤولة عن نظام التواصل مقرها في هولندا، ولكن هذا لا يحميها من المساءلة، وحققت السلطات في أوروبا إنجازًا كبيرًا في مواجهة الجريمة المنظمة، وجردت العصابات من أهم وسائل تواصلها، ولكن هذا لا يطوي صفحة الجريمة المنظمة، ولن يمنع التواصل عبر الإنترنت في العالم السفلي. فهناك وسائل أخرى متاحة كما أن العصابات ستطور بالطبع أدوات جديدة.

الجانب المظلم موجود في الإنترنت بشكل عام ووسائل التواصل بشكل خاص، ورأينا نموذجين للتعامل معهما، سواء من الأمم المتحدة أو السلطات الأوروبية، وفي الحالتين هناك مسؤولية على مستخدمي الإنترنت والحكومات.

الأمم المتحدة اكتفت بدق ناقوس الخطر، وهذا يشير إلى أهمية توعية الأطفال والمدرسين والعائلات بالطرق الآمنة لاستخدام الإنترنت بعيدًا عن المحتوى الإباحي، فالمدارس الحكومية في بريطانيا تنظم تدريبات للآباء والأمهات عن مراقبة استخدام التلاميذ لأجهزة الكمبيوتر، والتأكد من عدم تجاوزهم الخطوط الحمراء.

والحملة الأمنية الأوروبية الأخيرة توضح أهمية تأهيل الباحثين والمحققين ورجال الشرطة بشأن الأنواع المختلفة من تكنولوجيا التواصل في العالمين العلوي والسفلي وأدوات تعقبها وإجهاض مخططات الجرائم.

إعلان

إعلان

إعلان