لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ردود أفعال على مقال

د. سامي عبد العزيز

ردود أفعال على مقال

د.سامي عبد العزيز
07:00 م السبت 22 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حقيقة لم أكن أتخيل أن تكون ردود الأفعال على مقالي، الأسبوع الماضي، الذي تناولت فيه تاريخ وحاضر ومستقبل الدراسات الإعلامية بهذا الاتساع والكم والاهتمام من العديد من الأطراف.

ردود أفعال سأحاول تلخيصها، وأرد عليها قدر استطاعتي؛ احتراماً لأصحاب هذه الردود والتي منها مطالبتي بعمل سلسلة متواصلة من المقالات، وفي هذا المقال أقول:

أولاً- هناك من طالبني بأن أؤكد البدايات القوية والمتميزة للدراسات الإعلامية في مصر من خلال أعرق الكليات وهي إعلام القاهرة، وأن أوضح أن هناك أساتذة وقيادات وأجيالا جعلوا من هذه الكلية النبع الأول لضخ دماء جديدة في صناعة الإعلام لاقت ترحيباً واحتضاناً من عمالقة الصحافة والإذاعة والتليفزيون، وفي مجال الإعلان والعلاقات العامة، مما أتاح لهم فرصة تولي مناصب قيادية في مصر والعالم العربي.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى طالبوني بأن أؤكد أن مستوى الدراسات العلا على مستوى الماجستير والدكتوراه والدبلومات أسهمت في تطوير صناعة الإعلام، وتناولت قضايا كانت مطلوبة آنذاك، ثم إنها كانت وراء أغلب أساتذة الإعلام من الدول العربية كلها، والذين أسسوا كليات وأقسام إعلام في الجامعات العربية.

وفي آخر هذا المطلب يأتي التراث العلمي من كتب تم تأليفها وترجمتها بأقلام أساتذتنا وزملائنا من أجيال مختلفة، بحكم بعض البعثات والمنح، والاجتهاد الذاتي من بعض الأجيال التي تربت على يدي الجيل الأول.

وردي على أول مطلب جاء دون ذكر أسماء؛ لكثرتهم بحق وتجنب أي شبهة تحيز، خاصة أن بعض الرصيد كان من كتابة وصناعة من هم من خارج كلية الإعلام بالمعنى التقليدي والمباشر.

ثانياً- فلسفة الاستسهال والتسيب والتقليد وغيبة الرقابة والتقييم الموضوعي مع غياب الطموح والحرص على التجديد - تشابهت معها المناهج والأقسام وتماثلت، بل تراجعت، الأمر الذي انعكس بالسلب طبعاً على الدراسات الإعلامية، ومن باب الصدق مع الله ومع النفس أن بعضا منا- نعم منا- شارك في ذلك. وإن أردت أن أشير بأصبعي للمسؤول الأول أقول إنهم بعض رؤساء الجامعات السابقين الذين اعتقدوا أن تأسيس كلية إعلام أو قسم إعلام أو شعبة إعلام موضة، ومصدر لتلميع الجامعة وقياداتها!

فوصل الأمر إلى إنشاء شعبة للإعلام بالقسم العلمي، تولى قيادتها شخوص أبعد ما تكون عن علوم الاتصال وتدخل في إطار دراسات تربوية أو نوعية أو طفولية، وهي تخصصات علمية لها مكانتها وأهميتها ولكن مكوناتها الأساسية لا تناظر علوم وفنون الاتصال الحديثة، حيث سمحت لهم معايير الترقية القديمة بدخول ساحة فنون الاتصال والإعلام والتي بطبيعتها غاية في الديناميكية والتطور المتلاحق.

والكارثة أن هذه المنافذ لم تكن تملك حتى مجرد مطبعة لتدريب طلابها على ألف باء الإعلام. وكانت النتيجة تراجعا بل انهيارا في مستوى خريجي هذه المنافذ وتشويه صورة الدراسات الإعلامية.

والطبيعي جداً أن تتكدس الدنيا بخريجين بلا قدرات ولا مهارات أمام مؤسسات إعلامية هي بطبيعتها متكدسة تحت منطق- أرجوكم لا تعتبروه سخرية؛ منطق لا يوجد إلا في بلدنا- اسمه أبناء العاملين! سواء كانوا إعلاميين أو غير ذلك.

ثالثاً- ظهرت كليات إعلام في جامعات خاصة بعضها حرص على التميز، وهي قلة وبعضها استنسخ من كلية الإعلام الأم وهي الكثيرة. ثم جاء فيضان المعاهد العليا الخاصة فكانت الطامة الكبرى؛ أعداد هائلة مسكينة، منها ما تمنت دراسة الإعلام عن حق، ومنها ما بحث عن مسكن له بريقه. عدد محدود للغاية من هذه المعاهد كانت بدايتها جادة وأفادت من خبرة بعض أساتذة الإعلام، ولكنها لم تواصل التطوير.

ومع إنشاء لجنة مستقلة للدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات، لأول مرة، ساهمت في البداية في وضع قواعد عامة في محاولة منها تقدر في حدودها لتأكيد استقلالية وتفرد الدراسات الإعلامية، غير أن الأطر التقليدية كانت هي المسيطرة وكذلك إصلاح وترميم الأوضاع.

ويأتي رجال مدوا أيديهم بقوة لهذه اللجنة، ولكن الفجوة الهائلة بين واقعنا واحتياجاتنا وما يحدث في العالم من تطوير في مفهوم الاتصال والإعلام كانت من السعة التي يصعب سدها في فترة قصيرة أو بإجراءات محدودة.

ويأتي وزير التعليم العالي والبحث العلمي، خالد عبد الغفار الشجاع، ومعه مجلس أعلى للجامعات يديره أمين عام، أمين في خلقه وأدائه لوظيفته. الدكتور محمد لطيف. ليخرج للنور منذ 3 أعوام أول وأحدث أطر مرجعية استهدفت نقلة حقيقية في الدراسات الإعلامية على كل مستوياتها. تبلورت، وتمت، وتطورت، وتعدلت على أيدي شخصيات علمية أكاديمية غاية في الجدية وخبراء أيديهم في التعليم عميقة. أطر عرضت على كل الأطراف المرتبطة بالدراسات الإعلامية من أساتذة وخبراء من كل الأجيال، ومن واقع دراسات لاتجاهات الطلاب ويداً بيد مع الفاضلة رئيس هيئة الجودة والاعتماد.

وبالطبع كل جديد يلقي معارضة والتفافا حول المفاهيم، إما لعدم القدرة على الاستيعاب، أو لتمسك البعض بما تربى عليه، ولم يعد قادراً على أن يرى أن العالم تغير، والطالب تغير والاتصال تغير، ولم يعد هناك في العالم ومن واقع البحث المدقق صحافة أو إذاعة أو علاقات عامة بالمفاهيم التي كانت سائدة ومقبولة في فترة ما. والسوق لم تعد في حاجة لذلك، وإنما في احتياج لخريج متعدد المهارات وأستاذ إعلام يترقى بامتلاكه أدوات عصره من معرفة ومهارات.

فمثلاً هل يعقل أن يدرس أستاذ مواد في مهارات الاتصال أو الكتابة وهو لا يملك الحد الأدنى من هذه المتطلبات، فالتنظير شيء والممارسة شيء آخر.

تواصلت جهود هذه اللجنة ومن ورائها وزير ومجلس أعلى يحولون التوصيات والمقترحات إلى قرارات من الصعب أن أقول تم استيعابها من الجميع ولكنها بين أيدي الجميع وعلى مكاتب الجميع ولكي أكون محقاً هناك من استجاب وفتح الأبواب لتبدأ بشائر التطوير تطل. ورياح التغيير متواصلة. وبدأ مشوار التطوير ينطلق.

رابعا- وأخيراً ماذا تبقى؟ وما المطلوب؟ ما أبسط الإجابة.

تبقّى رؤساء جامعات يفتحون ملفات كليات الإعلام أو أقسامها وقد فعلها البعض بالفعل مثل أ. د. عادل مبارك، رئيس جامعة المنوفية. ويسألون القائمين عليها:

أين هم من الأطر المرجعية؟

أين هم من الدراسات المتطورة المتميزة؟

أين نقاط تميزهم في مناهجهم بحكم طبيعة البيئة المحلية التي تكون فيها هذه الكليات والأقسام والشعب؟

تبقّى أن تسرع كليات الإعلام في الجامعات الخاصة، وهي تمتلك موارد مادية بالدخول في مجالات الاتصال والإعلام التطبيقي، وتزيد من المنح الدولية.. وأن تركض المعاهد ركضا، وتستجيب لتحذيرات الوزير خالد عبد الغفار الشديدة، والأخيرة، في اعتقادي.. وأن تقوم بغربلة وانتفاضة ولا تصبح إدارة المعاهد ذات طابع أسري وأهل الثقة.

وكم أتمنى أن يربأ بعض الأساتذة بأنفسهم عن المشاركة في بقاء هذه الأوضاع.. وثقتي بالفاضل أ. د. عبد الغفار كبيرة وأعضاء لجنة المعاهد للإعلام واللغات.

وتبقّى أن تقوم المجالس العليا والتنظيمات المهنية بدراسات من جانبها أو طلب الجهات العلمية لمعاونتها لندرس الواقع بعمق أكثر، ونحدد الاحتياجات بشكل أدق، ونمول كل ما يسهم في التطوير من تدريب متطور، ومنح وبعثات علمية في الخارج وعقد شراكات مع مؤسسات علمية بحثية في مجال علوم وفنون الاتصال.

ويرتبط كل ذلك برؤية الدولة واحتياجاتها من الاتصال والإعلام.

لا أستطيع أن أنهي هذا المقال دون أن أقول إن هذا المقال سيثير ردود أفعال أوسع من المقال الأول.

ومن هنا أدعو "مصراوي" لتبني جلسة حوار أو فتح صفحاته لمقالات لأساتذتي وزملائي، وطلابي أيضا؛ لنسهم معاً في الدفع بالدراسات الإعلامية وممارسته إلى الأمام.

إعلان

إعلان

إعلان