لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سعادة الحرب

خليل العوامي

سعادة الحرب

خليل العوامي
07:00 م الإثنين 11 أكتوبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الحرب كلها مآس.. خوف،، قتل، موت، وبكاء، كما تخلف وراءها دمارا، أرامل، أيتاما، عجزة، وحزانى على ذويهم... كل هذا معلوم وحقيقي في آن واحد، ولكن لا بأس، فمن الموت تخرج الحياة، وبعد الدمار يبدأ البناء، ومن الخوف تبرز أفكار الأمل وتتولد "السعادة"، وتتكشف مصادر للفخر، وهذا أيضا حقيقي ومعلوم، لا سيما إن كانت حرب الحق، إن كانت حرب الحقيقة، حرب الضرورة والمصير، حرب الحفاظ على الكيان ومن تتعلق مصائرهم بهذا الكيان، إن كانت حرب السادس من أكتوبر المجيدة.

وفي أكتوبر، ورغم التحديات الكبيرة، والصعاب العظيمة، والتضحيات الجسام، قد محى النصر كل الآلام، وتبدلت المقادير، ليس بمصر وحدها، وإنما بأمة عربية كاملة، شعرت للمرة الأولى في تاريخها الحديث حلاوة "النصر"، وآن لنا أن نطمئن بعدما أصبح لنا "درع وسيف".

لقد كشفت لنا أكتوبر عن "سعادة " ولكن سعادة من نوع مختلف، والمقصود بالسعادة هنا اسم علم، عالم، وطني، فذ، جاء دوره في خدمة الوطن، والعبور مع العابرين للقناة بعلمه، فلبى النداء، دون تأخر، أو تباطؤ.

إنه سعادة الدكتور العالم المصري الراحل محمود يوسف سعادة، أستاذ الكيمياء الصناعية بالمركز القومي للبحوث، الذي حل واحدا من أكبر ألغاز الحرب، وذلل عقبة نقص وقود الصواريخ، الذي بدونه ما كان حائط الصواريخ المصري سيعمل، وهو ما يعني ببساطة، تأجيل موعد المعركة، أو على أقل تقدير بذل مزيد من الجهد والبحث عن وسائل أخرى لتوفير هذا الوقود المصيري.

ففي يوليو 1972 اتخذ الزعيم الراحل أنور السادات قرارا بطرد آلاف الخبراء الروس، الذين كانوا يعملون في مصر لتدعيم قدرات القوات المسلحة المصرية عسكريا، وقد رد السوفييت على هذا القرار بمزيد من التعنت في تسليح مصر، ورفض إمدادها بقطع الغيار الأساسية، وكان ضمن هذا وقود الصواريخ، الذي انتهت مدة صلاحيته، دون وجود واردات جديدة من روسيا، أو بدائل أخرى يمكن الاعتماد عليها.

ونقص وقود الصواريخ يعني أن منظومة الدفاع الجوي لن تعمل، وأن سماء الوطن مكشوفة مستباحة للعدو، وإذا حلّقت مقاتلاتنا ستكون بلا حماية، وأي عبور للقناة يضع قواتنا تحت نيران العدو مباشرة، دون غطاء ساتر يحمي، بالمختصر تصبح الحرب انتحارا.

وبما أن قرار الحرب كان حتميا، لا فصال فيه، وبما أن تحرير الأرض كان مصيريا لا عودة عنه، بدأت القيادة العسكرية تبحث عن حل، عاجل، وناجز، وهنا جاء دور الدكتور "سعادة" الذي ترأس فريقا بحثيا مصريا من المركز القومي للبحوث، لدراسة وقود الصواريخ، ومحاولة إنتاج بديل له.

لقد بدت عبقرية "سعادة" أولا عندما استطاع إعادة الوقود إلى مكوناته الأساسية، ثم توصل لمعيار وكميات كل مكون، لينطلق في الأمل، وتتبدى عبقريته ثانيا في استعادة فعالية كميات من الوقود منتهية الصلاحية كمرحلة أولى، ثم استخدم نفس المكونات لإنتاج كميات أخرى وصلت 45 طن وقود صواريخ، وعندها فقط حلت هذه المعضلة تماما.

وليس الغريب في هذه الواقعة أن ينجح دكتور "سعادة" في الاختبار، وتحقيقه نصرا شخصيا ووطنيا، فمصر مليئة بالعقول النابهة الوطنية، ولكن الغريب ألا نستفيد من نبوغه أكثر، وألا نرى أبحاثه تطور عشرات من الصناعات الوطنية والعلوم مثلا.

الغريب أن يبقى دكتور "سعادة" في الظل، دون شهرة علمية، أو توفير إمكانيات بحثية ومالية تؤهله لمزيد من النجاحات له وللبلد.

الغريب أن يمضي حياته التالية بعد 1973 منكبا على دراساته وأبحاثه، دون الالتفات لها أو الاستفادة منها بصورة كبيرة.

فقد ظل "سعادة" يتدرج في المناصب العلمية التقليدية، نائبا لرئيس أكاديمية البحث العلمي، ثم مديرا لمكتب براءة الاختراع، وأستاذا متفرغا بالمركز القومي للبحوث حتى رحيله في ديسمبر 2011.

إعلان

إعلان

إعلان