بحب النبي

في حب رسول الله، تفيض النفس بالشلالات، تهدر بالماء الطاهر، تغسل أدران القلب، وتزيح غبار الذنب، وتقيم في الحنايا كعبة يدور حولها الفؤاد تائبا، باكيا، يشهق شهقة الاغتسال، ويطرب طرب التطهر، فتعلو الروح، تعلو، تعلو، حتى تلامس يد الرضا، فتهدأ، وترضى، وتتبتل بالذكر... أطيبه أن لا إله إلا الله.... وأن محمدا رسول الله.

حبيبي يا رسول الله.. يا سيدي.. يامولاى.. يا حبيب الله.. نعم حبيب الله؛ فسيدنا ابراهيم هو خليل الله، وسيدنا موسي كليم الله، وسيدنا عيسى كلمة الله. أنت أنت يا رسولنا الكريم المكرم المقدم حبيب الله. هل تدركون، هل تتبصرون المعنى والجوهر؟ أن تعلم أنك حبيب الرحمن. أن الله يحبك. أن الله يعلنها أنه حبيبه. المرء منا يسعى إلى حب شخص في الحياة الدنيا. يحب امرأة ملأت كيانه وشغلت وجدانه وسلبت بصره عن كل المرئيات عداها... هو يفرح إذ تحبه. المرء منا يفرح إذ يرى رضا رئيسه عنه، ويفرح إذ يتمتع برضا والديه... يعيش مطمئنا بأن دعوات أمه وأبيه تحميه... فما بالك بأن يكون الله حبيبك وأنت حبيبه... والله العلي القدير أطلعك علي حبه؟

يا إله السماوات والأرض!

ما أروع هذا الابلاغ !

ما أبدع تلك اللحظة التى علم فيها النبي أن الله يحبه. كم منا، نحن مليارات البشر، ينال ذرة من حب الله. نحن نسعى، ونجتهد، بالصلوات وبالدعوات وبالإلحاح وبالصدقات لإدراك حب الله... ونفعل ذلك ونحن موقنون بأن الله سيتقبل... لكنه لم يخطرنا أننا صرنا بعينيه. نطمئن إلى إشارات وعلامات بأن الله راض عما نفعل... ونستمر، لا نتوقف مخافة غضب الله.

حبيبي يا رسول الله يا شفيعنا بإذن الله. يا من رأيتنا عبر القرون... أحببتنا دون أن ندركك، وأحببناك دون أن نراك. حب المليارات لرجل لم يروه، لكنهم رأوا صدقه وأخلاقه وصبره وتسامحه وتوحيده وتجليات حب الله فيه وفي قومه.

أخلاقك هي القرآن... تمام التمام وكمال الكمال ونور النور ومنتهى الذوب. في يوم مولدك، الكائنات ضياء. القلوب ضياء. العقول نور. الصدور بلا أحقاد.

نحبك يا رسول الله، لأنك كريم طيب متسامح، لم تدع على أهلك بالدمار، لعل من أصلابهم من يخرج مؤمنا، يخشع ويخضع. ينفطر القلب وتدمع العين وأهل الطائف والصبية يلاحقونك بالأذى، وأنت تبكي وتوكل أمرك إلى الله وتناجيه: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك. لك العقبى حتى ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك."

يا قوة حب الله! لا يكترث المحب بما ألم به من هوان وإهانة وضرب ومطاردة... كل همه ألا يكون حبيبه الرحمن غاضبا، ساخطا عليه...!

"إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي..." تأملوا روعة وعذوبة وطهارة التعبير...بل حرارته... وصهير التوسل فيه..

ترانا اليوم يا رسول الله من عليائك في أعلي عليين من الجنان والرضوان... تشفق على أمتك وما أحاق بها... وما رأيته مسبقا، تتكالب عليها الأمم... ونحن في انقسام. ادع لنا ربك... ألا يكون به غضب علينا...فنحن يا رسول الله.. في نار الارض... تنتظرنا نار الآخرة... لولا رحمة من ربك وشفاعة منك لأمتك: أمتى أمتى يالله!

نحبك يا رسول الله ولا تؤاخذنا بما فعل ويفعل سفهاء عصرنا من ذرية خوارج عصركم.