لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ترنيمة ما بعد الترنيمة

د. غادة موسى

ترنيمة ما بعد الترنيمة

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 10 أبريل 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


ترنيمة المهابة لإيزيس، ولحن "غولغوثا" ذو الموسيقى الفرعونية الذي أخذ من مراسم تجنيز الملوك في مصر القديمة ألقيا في قلوبنا وأرواحنا شعورا من الصعب وصفه، شعورا ممتزجا بالرهبة والفخر والشجون. أشياء متداخلة ومربكة عند كل مصري ومصرية، وعند الآخرين الذين استمعوا للحن والأنشودة وشاهدوا الموكب.
وما يلفت الأنظار هو تساؤل المصريين عن اللغة التي يسمعونها، ومحاولة ربطها باللغة العربية، ولكن دون جدوى. وقلة قليلة تمكنت من فك رموزها، وهو أمر يضعنا أمام إشكالية كبيرة، عنوانها من نحن؟ أو بعبارة أخرى "ما هي هويتنا؟

هذه الإشكالية حاضرة معنا منذ أواخر القرن العشرين، أي منذ اتصالنا المكثف بالحضارة الغربية، وبعد عمل البعثات الأثرية بوقت ليس بقليل. وتزامن هذا الاتصال أيضاً مع محاولات إحياء الخلافة الإسلامية لمقاومة المد الغربي للحضارة الأوروبية، ومنذ ذلك الوقت ونحن في حيرة وخلاف حول هويتنا.

وهذا الخلاف أراه إيجابيا لأسباب حقيقية، فلا توجد حضارة لم تحتك بحضارات وثقافات أخرى، حتى المصريون القدماء احتكوا بحضارات أفريقيا وآشور وفينيقيا، وأخذوا منها وأضافوا لها، لكن الأهم هو الحفاظ على الأصل أو النواة الصلبة. ونواتنا الصلبة هي حضارة المصريين القدماء.

هذه الحضارة التي شهدت أول حركة فكرية سلطوية، وهي حركة لاحتجاج ديني قاده الملك أخناتون بتحويل العبادة مكاناً ورمزا من آمون إلى آتون (إله الشمس) وبنقل العاصمة المصرية القديمة إلى تل العمارنة، وهو الأمر الذي تسبب في احتجاجات عنيفة وواسعة.

كما أسهمت هذه الحضارة في إمداد العالم بعلوم الفلك والرياضيات والهندسة والطب وغيرها، فهي حضارة تأسست على العلم إلى جانب الدين.
وعليه، فيجب ألا نقف عند ترنيمة التجنيز، لأننا لم نودع تلك الحضارة أو نشيعها لمثواها الأخير، بل من الأهمية بمكان أن تلهمنا هذه الحضارة بترنيمة "للبعث"، بعث كل مكونات تلك الحضارة، وفي مقدمتها الاهتمام بالعلم وبالفكر، والأخذ بأسباب القوة.

فلا يكفي أن يتم تدريس اللغة الهيروغليفية في المدارس، وإنما يجب أن يتعلم الطلاب كيفية التفكير والابتكار والإبداع.
كما أن التشبث بحضارتنا المصرية القديمة كنواة صلبة لا يعني القطيعة الفكرية والمعرفية مع روافد أثرت حضارتنا القديمة، بل يجب البحث في تلك الروافد وإحياؤها وإحياء رموزها، وخاصة رموز تجديد الفكر المصري - العربي .

وأخيرًا، وليس آخرًا فإن المصري قبطي وعربي، فالعروبة لا تتناقض مع مصريتنا، بل هي رافد من روافدنا الفكرية والحضارية، فكل قبطي (مصري) عربي اللسان أو عربي الهوى، كما أن الحضارة الإسلامية هي نتاج إسهام المسلمين والمسيحيين معاً.

إعلان

إعلان

إعلان