- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
لا أذكر تحديدًا متى بدأت أستمع لمنير، أظن وقتها كنت طالبة في الثانوية العامة، أضطر للسفر للمنصورة مرة أسبوعيًا لعمل تقويم أسنان، ذلك في عام 2004 -بعد صدور الألبوم بسنة، لم يكن هناك في مدينتنا أطباء للتقويم، وداخل السيارة وجدت شريط كاسيت يحمل اسم "أحمر شفايف" عليه، وضعته للاستماع إليه، وأصبح هو الخلفية الموسيقية التي تحملني على الطريق الزراعي من المنزلة إلى المنصورة.
حفظت كل أغاني الألبوم، ولم أستمع إلى غيره طيلة سنوات الثانوية العامة، كنت أقع في غرام أغنية بنات، كانت أول مرة أسمع فيها أغنية تتحدث عن البنات بتلك الرقة والعذوبة، في بلد يتم كبت فيها البنت أكثر من أي شيء آخر، ورُبما زرعت كلمات الأغنية بداخلي أنا الحُلم "في بلد البنات بتحلم تضوّي زي النجوم، بتحلم ترفرف زي الرايات، بنات بتقدر تعاند وتقدر تثور"، والفضل يرجع في الكلمات للشاعرة الرائعة كوثر مصطفى.
وقعت في غرام أغنية بحر الحياة، فتاة في عمر الرابعة عشر تستمع لأغنية تقول كلماتها "الطير بيهاجر وبيرجع.. الشمس بترحل وبترجع.. الدنيا بتاخد وبتدي.. الليل لو طوّل هيعدّي"، فيكبر الحُلم أكثر وأكثر داخلي، وبجواره تنبُت معاني مثل الصمود والإصرار والوقوف في وجه اليأس، فحلُمت بدخول كلية الإعلام، ورغم اعتراض أهلي بسبب بعد القاهرة عن مدينتي، ولم يكن من المعتاد بين بنات بلدي في ذلك الوقت السفر إلى القاهرة، فالمعتاد هو الدراسة في جامعة المنصورة، لكنني أصرّرت على ذلك الحلم البريء، وحققته بالفعل.
حتى في أغاني الحُب كان منير مُختلفًا عما كنت أعتاد سماعه في تلك الفترة، أحببت أغنية "ابكي"، تلك التي يتحدث فيها إلى حبيبته "تبقي صوتي لما أغني، تبقي عيني لما أشوف، تبقي إحساس الأمان اللي عمره ما يبقى خوف"، رُبما أحببت منير؛ لأنه كان مُختلفًا عما أسمعه حولي في ذلك الوقت، كان ما يُقدّمه مغايرًا للمعاني السطحية للحب ومفهوم الحبيبة.
حتى بداية سنوات الجامعة لم أكن قد سمعت له سوى ألبومين هما "أحمر شفايف، وإمبارح كان عمري عشرين"، الصادر عام 2005، وفي العام الأول لي بالجامعة كنت أردد كثيرًا أغاني مثل: "قلب فاضي، وإيديا في جيوبي"، كنت أشعر بالاقتراب من تلك الأغاني، أفكر في الحُب فأدندن: "حد عايز قلب فاضي"، وأشعر حينًا بالغربة المحيطة بي، كطالبة جامعية تسكن القاهرة لأول مرة فأقول: "وحدي لكن ونسان وماشي كدا".
كنت في عامي الثاني بإعلام القاهرة حين صدر ألبوم "طعم البيوت"، كنا في عام 2008، صار الألبوم رفيقًا لي، أسمعه في طرقات الكلية، وداخل المدينة الجامعية، وكانت أغانيه تتردد في القاهرة كلها، حتى أن صديقي قال لي إن سائقي الميكروباصات كانوا يُشّغلونه، كما أن أغنية "يابو الطاقية" كانت تتردد داخل ملاهي دريم بارك في ذلك الوقت، من كان يغني للبيوت فيقول: "اللمة لما تحلى ساعة العصاري تفتح مزاد ع الحب تلقى ألف شاري"، كان منير يُربّي داخلي معاني تورطني في حب البيت واللمّة وفي حب مصر كلها.
ثم يحزنني حين يُغنّي: "لو كان لزامًا علينا الرحيل.. كارهك يا وداع ولا بديل"، فالفتاة التي أحبّت سنوات حياتها الجامعية كانت تحمل عبء الافتراق عن الكلية والأصدقاء، وحين أقف أمام خيارين كلاهما صعب أجده يُغني لي فيقول: "وما بين كدا أو كدا.. مش مرتاح أنا.. خليني بقى كدا.. يمكن الهنا متداري في صبري عليك"، كانت دومًا الموسيقى والكلمات التي يُقدمها منير قريبة من الأسئلة التي تدور بداخلي، داخل نفس فتاة في عمر العشرين.
لكن مع الوقت تعرّفت إلى جانب آخر من منير لم أكن أعرفه من قبل، كنا طلبة إعلام القاهرة جُزءًا من مشهد كبير يحدث في مصر كلها، كانت مصر تغلي في تلك السنوات ما قبل ثورة يناير، وبفضل أصدقاء تعرفت على معنى الثورة التي غنى لها منير، كلماته التي حرّكت وجداننا، أنشأ منير أجيالًا كاملة على الثورة والتغيير والحرية، ودون وعي منا كنا نستدعي تلك الأغاني في فترة تموج كلها بالغضب، إضراب 6 إبريل 2008 و2009، ووقفة خالد سعيد 2010، كنا نجلس على سلم الكلية نسمع وندندن تلك الأغاني؛ "يا عروسة النيل، اتكلمي، حدوتة مصرية، وعَلِّ صوتك بالغنا"، ولأن إيماننا بالقضايا الكبرى لم يقتصر على مصر فقط، فكان جُزءًا من الوجدان هو إيماننا بقضايا الوطن العربي كله، فكنا نجد عند منير المعاناة نفسها، مثل أغانيه "أتحدى لياليكي يا غروب، شجر اللمون، والعمارة العمارة" وغيرها الكثير.
ولما قامت الثورة كنا قد لبستنا تلك الروح الغاضبة على كل الأشخاص الذين أفسدوا الحياة السياسية في مصر، وكانت المظاهرات هي السمة الغالبة لمصر وقتها، ومن بينها الجامعة التي اجتاحتها المظاهرات أيضًا، وعلى سلم كُليتنا كنا نرفع صوتنا بالغنا: "ولا انهزام ولا انكسار.. ولا خوف ولا.. ولا حلم نابت في الخلا"، وأيضًا: "لا يهمني اسمك، لا يهمني عنوانك، لا يهمني لونك، ولا ميلادك مكانك، يهمني الإنسان ولو مالوش عنوان".
لم يعلم منير أنه تنبّأ بذلك المشهد ذات يومٍ، ففي حواره مع محمود سعد عام 2001، في برنامج "على ورق" تحدث عن الأغاني الموجودة على الساحة الفنية وقتها، وفي ذلك الوقت تصدّرت ثلاث أغنيات المشهد هي؛ "كامننا" لمحمد فؤاد، وأغنية لشعبان عبدالرحيم يقول فيها: "عايز ألبس نضيف"، وأغنية منير "عَلِّ صوتك بالغنا". لمّا سأله محمود سعد عن رأيه في تلك الأغاني، قال له إن الأغاني الثلاثة مُتشابهة، فهي تتحدث عن الحُلم، وبعدها أكمل قائلًا: "لكن امتى الحلم يبقى شيء مُستمر ومؤثر؟ لو حصلت أزمة للوطن هتلاقي إن عَلِّ صوتك بالغنا هي الأقرب".
لكن حينما تحقق الحلم لم أسمع أغاني جديدة لمنير عن نفس المعاني القديمة، وكأنه بتحقيقه لم يعد ثمّة مجال للغناء، رغم احتياجي الشديد لأن يكون موجودًا بصوته، وكان ذلك غريبًا؛ لأنه بالعودة لحواراته القديمة كان مُنير مؤمنًا بقيمة التحريض، ففي نفس الحوار مع محمود سعد قال: "الفنان لازم يبقى مُحرّض، السياسة هي همي وإلهامي"، كما قال نفس المعنى في حوار آخر مع محمود سعد في برنامج: "البيت بيتك"، بعد صدور ألبوم طعم البيوت: "دوري إني أحرّض بين السطور"، وقد سألت نفسي وقتها هل خدعني منير؟، وبسبب ذلك خاصمت منير لسنوات طويلة، لم أعد أسمع أغانيه بتاتًا؛ لأنها كانت تجر عليّ خيبة وخُذلانًا، لكنه كان خصامًا وليس عداء.
فمنير لم يرتبط معي بمعنى الثورة فقط، بل بمفاهيم أخرى أيضًا، من غنى عن الصداقة بأفضل منه كما في "بعد الطوفان": "بعد الطوفان نلقى الصديق الزين.. نتسندوا على بعض بالكتفين"، وعن نضج الحلم كما غنى في "قبل ما تحلم": "قبل ما تحلم فوق، احلم وأنت فايق، قبل ما تطلع فوق، انزل للحقايق"، وعن حب الحياة في "الحياة للحياة": "لو تدق الدنيا بابك بالمحبة افتحلها، وانسى كل اللي جرالك منها يوم واضحكلها".
هناك معانٍ أخرى غنى لها منير لن يُوفي حقها ألف مقال وألف حكاية، لكنني أرى أنه أفضل من غنى للمرأة والبنت والحب، في أغانٍ مثل: "يا بنت ياللي بتغزلي فقطانه، وليلة واحدة"، وعن البنات في أغنية: "بلد البنات"، وحتى في جمل بسيطة داخل أغاني مثل أغنية: "النيل"، فقال في أحد الكوبليهات: "وغنا البنات بالليل بيكره الحراس لما تدوس بالخيل".
وفي 29 مايو 2020 قدّم منير حفلًا بالبث المباشر على موقع اليوتيوب، خلال أزمة فيروس كورونا المستمرة، وفي افتتاحيته للحفل قال: "هَنِصْتِلحْ على العالم بالغنا"، رُبما لم يكن يعلم أنه بذلك الحفل يُصالح مُحبيه القدامى الذين خاصموه طويلًا، وكنت أنا واحدة منهم، كان من المُستحيل أن أظل على غضبي من منير؛ لأنه استطاع التغلغل داخل تكويني الشخصي، صارت المعاني في أغانيه أكبر من أي شيء آخر؛ ولأنه كان مُخلصًا وصادقًا للغناء والفن الذي يُقدمه، حتى وإن تغيّر هو شخصيًا، أو رُبما نحن من حمّلناه مسئولية أكبر منه، لكن رصيد محبته ظلّ راسخًا بداخلي أو كما يقول في أغنية: "النيل": "تفوت أيام، تموت أحلام، تعدي الشهور، تدور الأرض والدنيا وهو يدور"، فبعد سنوات من الخصام وجدتني ما زلت أحبه، لم أكرهه أبدًا.
إعلان