لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

فوراً.. وبالإجماع!

الكاتب الصحفي سليمان جودة

فوراً.. وبالإجماع!

سليمان جودة
07:00 م الأحد 23 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قرار بالإجماع يدعو إلى خروج القوات الإريترية من إقليم تيجراي الإثيوبي بشكل تام وعلى الفور!

مشروع القرار جرى تمريره في العشرين من هذا الشهر، ولم يكن توقيت تمريره هو الموضوع طبعاً، ولكن كان تمريره بالإجماع هو الموضوع ولا موضوع سواه، كما أن النص فيه على خروج القوات بشكل تام وعلى الفور لا بد أن يكون قد استوقف كل مراقب وكل متابع لما يجري في الإقليم منذ فترة.

إن تمرير مشروع القرار بالإجماع معناه أن أعضاء الشيوخ المائة قد وافقوا عليه دون استثناء، وهذا شيء نادر الحدوث في الولايات المتحدة، خصوصاً إذا عرفنا أن الأغلبية في المجلس هذه الأيام هي للحزب الديمقراطي الذي يجلس في مقاعد الحكم، وأن هذا قد حدث بالكاد في يناير الماضي، عندما جاءت إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض، فمن قبل مجيئها كانت الأغلبية منعقدة للحزب الجمهوري الذي حكم ترامب من خلاله أربع سنوات، ثم جاءت الانتخابات الماضية لتنقل الأغلبية من حزب إلى حزب!

ولأن بين الحزبين ما بينهما منذ الشهور الأخيرة لترامب في البيت الأبيض، فلقد كان المتوقع ألا يتفق الحزبان على أي قضية، وأن يكون لكل حزب منهما رأيه المخالف حتى ولو كانت هذه القضية هي قضية تيجراي بكل ما يقال عما جرى فيها.

ليس هذا فحسب، ولكن المجلس أدان بشدة انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في تيجراي، وبالذات عمليات النهب والسلب والاغتصاب التي قيل إنها وقعت على يد قوات إثيوبية أرسل بها رئيس الوزراء آبي أحمد، وأيضاً على يد قوات أخرى- حسبما جاء في بيان الإدانة!

ومن المفهوم أن القوات الإريترية المدعوة إلى الخروج على الفور وبشكل تام هي المقصودة بالقوات الأخرى التي ارتكبت الانتهاكات!

وبالطبع، فهذا شيء جيد للغاية أن يهتم مجلس الشيوخ على الشاطئ الآخر من المحيط الأطلنطي بانتهاكات تقع في إقليم إثيوبي لا يكاد صانع القرار في واشنطن يعرف أين يقع بالضبط على الخريطة.

جيد للغاية وجميل جداً هذا الاهتمام، وهذا الانتفاض الأمريكي من أجل حقوق إنسان تيجراي، الذي هو في النهاية إقليم من بين أقاليم في إثيوبيا.

ولكن السؤال عن الاهتمام الذي يبديه مجلس الشيوخ نفسه من أجل الأمن في إقليم القرن الأفريقي على بعضه، أو بمعنى أدق في شرق أفريقيا كله الذي تتهدده مخاطر كثيرة بفعل ممارسات الحكومة الإثيوبية في ملف سد النهضة؛ فالتّعنت الإثيوبي في الملف يبدو واضحاً لكل ذي عينين، ولا تبدو حكومة آبي أحمد مهتمة بمصالح مصر والسودان المائية التي يتهددها السد، ولا تبدو حتى مبالية بالمخاوف المشروعة التي لا تتوقف القاهرة ولا الخرطوم عن إثارتها والحديث عنها في كل وقت!

أي الخطرين أكبر وأعظم وأبعد مدى في تأثيره وتداعياته: خطر في حدود إقليم داخل دولة واحدة هي إثيوبيا، أم خطر يطال دولتين من أكبر دول القارة وشرقها معاً؟!

خطر يتهدد المصالح المائية لمائة وخمسين مليوناً من البشر هُم سكان مصر والسودان، أم خطر لا يتجاوز حدود إقليم واحد من بين أقاليم إثيوبيا؟!

تشعر وأنت تتابع أنباء هذه الانتفاضة داخل مجلس الشيوخ أن المجلس يتطلع إلى المنطقة التي انتفض من أجلها بعين واحدة، وأنه لو نظر إلى المنطقة كلها بعينين اثنين وبزاوية أعرض، لرأى الخطر الأوسع قبل الأضيق، ولرتّب أولوياته حتى لا يُفاجأ بنوع من عدم الاستقرار في الإقليم الأوسع، يهدد المصالح الأمريكية ذاتها ضمن ما يهدد.

الولايات المتحدة الأمريكية مدعوة إلى التعامل مع موضوع السد بشيء من الإنصاف، وشيء من الموضوعية وشيء من النزاهة السياسية!

شيء من النزاهة التي لا تستطيع دولة عظمى في حجم أمريكا أن تتحلل منها.

شيء من النزاهة يقول إن الولايات المتحدة دولة تمارس مسؤوليتها تجاه العالم، ولا تتهرب منها أو تغض عنها البصر.

إعلان

إعلان

إعلان