لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

جيلي وأفتخر.. مفكر مع مرتبة الشرف "2"

د طارق عباس

جيلي وأفتخر.. مفكر مع مرتبة الشرف "2"

د. طارق عباس
10:50 م الخميس 29 يوليه 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تخرج الكاتب "مصطفى عبيد" في كلية الآثار سنة "1998"، وقد قرر الاستمرار في العمل بجريدة "الوفد"، التي سبق أن تدرب فيها منذ أول سنة التحق فيها بالكلية.

كانت صدمته الحقيقية في مجال عمله أن الكثيرين ممن يمارسون مهنة الصحافة لا يقرأون الكتب، ولا يفكرون في قراءتها؛ الأمر الذي جعل لغتهم ضحلة سطحية ساذجة، وجعلهم يفتقرون للطابع الأدبي الذي يزيدها عمقا وجمالا؛ لذلك قرر كاتبنا أن يرتمي في أحضان الكتب، يرتوي منها، معـتـنـيًا بها قدرَ عنايته بما يُنشَر في الصحف والمجلات، ليمتلك لغة متميزة يجمع فيها بين بلاغة الكلمات والجُمَل، والتعبير الموجز المباشر المستعمل في الأخبار والتحقيقات والحوارات التي يقوم بنشرها في جريدة الوفد.

تمنى "مصطفى عبيد" منذ تعيينه أن يكون صاحب عمود، لكن التقاليد الصحفية لم تكن لتسمح له بذلك؛ فخبرته الفنية لم تنضج بعد، وهو لا يزال على أعتاب الشباب، ولم يحقق الانتصارات الصحفية المدوية التي تجعله ينال جائزة شرف الكتابة، لكن كفاءته المهنية ونبوغه المبكر فَسَحَا له المجال للعمل في جريدة أسبوعية غير مشهورة، وأن يكون مدير تحريرها، فأصبح من مسئولياته متابعة الموضوعات وإعادة صياغة العناوين وتكليف الصحفيين البحث عن كل ما هو جديد.

والأهم من ذلك كله هو إشباع موهبته في الكتابة وقيامه بالتدرُّب على كتابة العمود الصحفي الثابت الذي كان بعنوان "بدل السكوت"، لكن من سوء حظه أن منير فخري عبد النور- سكرتير عام حزب الوفد- اكتشف تلك المسألة مصادفة؛ فاستشاط غضبا؛ فمَنْ يعمل في جريدة الوفد يجب ألا يعمل في غيرها، ومن ثمّ رفع شكوى في هذا الخصوص لرئيس التحرير وقتها المرحوم" سعيد عبد الخالق"، المعروف بدماثة خلقه ومناصرته من يعملون معه، فكان متفهما أنّ عمل "مصطفى" في الجريدة الأخرى لا يزيد على كونه محاولة لزيادة الدخل وتحسين الظروف المعيشية، وليس لقلة الولاء؛ لذلك لم يتخذ موقفا ضد "مصطفى" واكتفى بتحذيره قائلا "الأفضل ألا تنشر اسمك على المقال كيلا يستدل عليك أحد".

الغريب أنه بمرور الوقت لم يستطع "منير فخري عبد النور" أن يخفي إعجابه بأسلوب "مصطفى عبيد" وبأفكاره وموضوعاته، إلى درجة أنه أوعز إلى "سعيد عبد الخالق" أن يستكتب مصطفى أسبوعيا، فلم يتردد الرجل وكلف كاتبنا كتابة عمود أسبوعي.

تلقف مصطفى الأمر بمنتهى الحب والقلق؛ فها هي الفرصة التي طال انتظاره لها، لكن هل سيحظى بتقدير المسئولين في الجريدة؟ لم يجد مصطفى بُدًّا من أن يحبس الخوف في داخله، فتعطيه ثقته بنفسه إشارة البدء كي ينطلق، فإذا بمقاله الأول ينال إعجاب عموم مَنْ قرأ المقال، وليس الوفديين فحسب؛ لما تضمنه من صدق وجرأة ووضوح.

كان المقال بعنوان " تلاميذ في موالسة"، تناول فيه الكاتب أحد أعضاء مجلس النواب، الذي قام بنشر كتابين بطبعتين فاخرتين، الأول بعنوان "مبارك الرئيس الإنسان"، والثاني" جمال مبارك أمل الإصلاح".

وأبدى كاتبنا اندهاشه من أن يتحمس النائب لشخصين، ويتمسك بكليهما في وقت واحد؛ فهو في الكتاب الأول يصف مبارك بـ"الحكمة والعظمة والفطنة، وكونه مصدر السعادة والهناء والرخاء للمصريين"، وفي الكتاب الثاني يصف "جمال مبارك" بأنه "أمل مصر في الإصلاح والتغيير والتنمية الحقيقية" فلأيهما ينتصر سيادة النائب؟ ومن يرضى به حاكما لمصر؟ بالطبع ليس لدى النائب إجابات يقدمها، لقد رآه كاتبنا مجرد تلميذ في مدرسة الموالسة، وإن كان خائبا تافها لم يؤدِّ الدور كما يجب.

كان من أهم عوامل نجاح "مصطفى" مناخ الحرية الممنوح للكتاب وقتها، فكان لهم أن يوافقوا أو يرفضوا أو ينتقدوا أو يؤيدوا، فيعبروا كيفما يحلو لهم، وقد ركب "مصطفى" منحى المعارضة الموضوعية الداعمة للبناء لا للهدم المنطقية لا المتهورة.

ما إن تم تدشين الموقع الإلكتروني لجريدة الوفد في 2011 إبان ثورة يناير حتى انتشرت مقالات الكاتب أكثر وأكثر، ولاقت رواجا كبيرا، ليس في مصر فقط وإنما في العالم كله.

من أشهر تلك المقالات " أنا ربكم الأعلى" وقد كتبه "مصطفى عبيد" في 2013 منتقدا بشدة الإعلان الدستوري الذي أصدره "محمد مرسي" معطيا لنفسه فيه كل الصلاحيات، ومحصنا قراراته من المراجعة ومن اللجوء للمحكمة الدستورية.

ومقال "المثقف والسُّلطة" الذي كتبه عبيد في 2015، دعا فيه إلى تغليب الحوار على العنف، والسماح بالتعددية في وجهات النظر وعدم إقصاء أحد أو تهميشه.

ومقال " أفقر رئيس في العالم" حيث عقد فيه مقارنة بين حياة رئيس أحد بلدان أمريكا اللاتينية وحياة النعيم التي يعيشها الرؤساء والأمراء والملوك العرب.

أما المقال الأهم من وجهة نظري، فكان بعنوان "مجرم 5 أكتوبر الذي صار بطلا" والمقصود هو "سليمان خاطر" الذي أطلق النار من فوق تبة على الحدود المصرية الإسرائيلية على 5 من السياح الإسرائيليين.

ولم يعتبر كاتبنا "سليمان" بطلا مثل عموم المصريين؛ لأنه قتل 5 من العُزّل: 3 أطفال وأبوهم وأمهم، ورفض أي تبرير لما ارتكبه، حتى لو كان الدافع هو كراهيته الشديدة للصهاينة .

يمكننا القول إنه رغم صعود التيار الديني في تلك الفترة،. فإن إيمان "مصطفى عبيد" بموقفه وقناعاته دفعاه ليُعبر بمنتهى الصراحة عن رفضه ممارسات بعض "الدعاة الجدد" المزيِّـفين الحقائق، المتاجرين بالدين، الكارهين الآخر، المعادين المرأة المهوّنين من شأنها.

وقد فضح مدى تكالبهم على الدنيا ومتاعها وبلوغهم حدًّا من الثراء لم يبلغه مثلهم، بل فضح زواجهم من أعداد من النساء تفوق كثيرا ما أحلّه الشرع وأقرّه.

كان الأساس الذي انطلق منه "مصطفى عبيد" في كتاباته هو الغوص في القراءة وإعادة النظر في المفاهيم، وفق مقتضيات المنطق؛ من أجل تصحيح كل ما هو متعارف عليه وتم تداوله من أفكار ومفاهيم خاطئة، إما بمرور الزمن أو عن طريق الموروث، الذي تم ترسيخه بفعل "عدوى ثقافة القطيع"، وما أكثر المؤلفات التي وضعها عبيد في هذا الخصوص! فمنها: التطبيع بالبزنس، ومليارديرات حول الرئيس، والفريق سعد الدين الشاذلي العسكري الأبيض، وأفكار وراء الرصاص.

ألّـف "مصطفى عبيد" العديد من الروايات، منها: انقلاب، وذاكرة الرصاص، ونتروجلسرين، وجاسوس في الكعبة.

كما قام بترجمة كتاب " توماس راسل، حاكم دار القاهرة" الذي حصل مؤخرا على أفضل كتاب مترجم في سنة 2020- 2021.

إن هناك الكثير والكثير مما يمكن التركيز عليه والإشارة إليه في إبداعات "مصطفى عبيد" وكتاباته وتوجهاته، ومدى تمسكه بثوابته واحترامه قيمَه وإيمانه بمصريته، الأمر الذي يثبت أن الكلمة دائما هي" أقوى أسلحة الإنسان في دفاعه عن نفسه وعن الآخرين".

إعلان

إعلان

إعلان