لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

التاريخ الذي يحمله "تويتر" و"فيس بوك"..

د.هشام عطية عبد المقصود

التاريخ الذي يحمله "تويتر" و"فيس بوك"..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 06 أغسطس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ما تضعه من تعبيرات أو كلمات وأيقونات وصور على منصات وسائل التواصل الاجتماعي هو ما تمنحه للعالم عنك راضيًا وقاصدًا، هو "فيس" أو وجه ارتضيت الظهور به، ثم قد تقرر إدامته أو تعديله أو تغييره، كما هي طبيعة تطورات مواقف البشر عبر سلم الحياة وتعرجات طوابقه صعودًا وهبوطًا، هي بعض أثرك وشيء من بقاياك في الكون، وهو تأريخك الذاتي لتجربتك في الحياة كما أردتها تمضي، ثم لتبقي بعدك في مدارات الفضاء السيبراني حية أبدًا.

نعم قد يمضي المرء ويبقي "فيس بوكه" و"إنستجرامه" أحياء لمن أراد إليهما رؤية وسبيلا، تلك الصور في الأماكن ومع الناس ورأي الشخص فيما يعرف وتجاربه في الحياة وفرحه وحزنه وما أدركه واختبره أو فقط سمع عنه، شكواه ومديحه، تقريظه ونقده، صدقه وادعائه، تزلفه ومخاصمته تصاحب السنوات كمذكرات يوميات البشر في سالف الأزمان.

هو سجل عما جرى في أيامهم، ونحن هنا حقًا أمام عشرات الملايين من الروايات المختلفة في دقتها ومرجعياتها وأسباب وتوقيتات طرحها عن أحداث العالم المهمة، وغير ذات الأهمية، فهل حمل التاريخ وحظي البشر بشيء كهذا قط؟!، وحتى صارت مثل تلك الوسائط الاجتماعية وما تتضمنه هي أدلة الوجود وتأريخ للمكان والزمان وحركة البشر داخلهما كما لم تفعل من قبل الأسفار والحواديت والدواوين الكبيرة، التي احتكر روايتها العارفون والمثقفون والمؤرخون المعتمدون، هي هنا فضاء الكافة كما لم يصنع تاريخ الظواهر الاجتماعية من قبل.

وبينما نعرف أن كل كتابة للتاريخ تحمل أثرًا من صاحبها ورؤيته وتحيزاته، فإنه لا تحتاج وسائط التواصل الاجتماعي إلى مثل تلك العبارات البليغة والمقدمات المدهشة هي تفعلها وفقط، حيث كل بروفايل وكل لقطة أو كتابة هي صاحبها، وكل صورة هي ما اختاره ليظهر أو يحضر أو يبقى، كما أن كل تويتة أو بوست أو لقطة هي إحالة لفضاء وسياق ودلالة على موقف وحالة وزمن وحدث ولو شخصي تمامًا، وهي قول في التاريخ الشخصي والجمعي لسكان كوكب الإنترنت الذي يسع مجرات تواصل إنترنتية لا تحتاج سفرًا أو سرعة صوت أو سفائن قادرة على تحمل فقدان الجاذبية الأرضية.

لا يُقصر فضاء تلك الوسائط عن منح ما يفضله الناس من عاطفة ميزت تجربة تاريخ الإنسان، فهو ليس جامد القلب متحجر الشعور، فاللايك هو عطف سيبراني متعارف عليه، تزينه القوب والألوان وما يستجد، حتى ليبدو من بعض صدق القول أنه، من يعش بغير اللايك في مستقبل الأزمان فسوف يمضي في الحياة وكوكبها محرومًا وحيدًا.

والصداقة على "الفيس بوك" صداقة حديثة لها مواصفاتها، تزيل عند البعض -حتى توشك أن تكون اعتيادًا- كل إرهاق وتبعات ضمتها آلاف الأمثلة التي حملها تاريخ الناس عن غدر الأصدقاء، فهي تتحلى بخبرات التاريخ فلا تتيح تورطًا في القول أو في القرب، كما أنها تنتهي وتستعاد بضغطة واحدة، وهكذا يتكون مجتمع الأصدقاء يسيرًا ويمضي متضخمًا مع كل مرة "accept"، ويتم فرزها مع مضي الحياة بلا ثمة مخاطر، إذ تمنحك ضغطة الـ"unfriend" ارتياحًا بإقصاء من كان في قائمة الأصدقاء سهوًا أو غفلة أو خطأ، بل إنها تمنحك ميزة إضافية بإزالة حضوره ومنحه عزلة إجباريًا فلا تراه البتة بضغطة "block".

ومع كل بلوك يمكنك أن تغلق دائرة الضيق والاختلاف من حولك، وتوسع من مساحة تكرار ما تحب أو ترغب في الاستماع له أو باختصار استعادة فيوضات نفسك، إذ يعبر عنها من منحتهم حق البقاء الآمن في ظل فيئك تحت مسمي "الفريندز".

تتفنن الوسائط في الجمع في يسر بين طرفي الرغبات والاحتياجات البشرية، وتيسر ذلك فتصنع العادات وترسخها، ومن ثم يكون الحديث الدائر والدعوات العابرة بالعودة للاستمتاع بعلاقات الحياة الطبيعية والقرب الدافئ وحرارة ملامسة ومصافحة الأيدي والتقاط الكلمات من الأفواه، ليست سوي مزيد من تأكيد على الضعف حيال التخلي عما منحته وسائل التواصل، وعدم القدرة على الاستغناء عن عالم هو يشبه ناسه وزمانه، ويُصنع على أعينهم ويضم ما يعرفون، بل هو يسبقهم طائعًا فيلبي تفضيلاتهم، فمنذ أن تفتح رابطًا أو تشاهد شيئًا ما ستكون خوارزميات الوسيلة قد قرأت خريطة تفضيلاتك وأتاحت ما يشبه ذلك لك؛ لتجدها ظاهرة مع كل تصفح، وكما لا يستطيع أن يفعل ذلك مثلًا عفريت الفانوس السحري، وأيضًا بغير مشقة الاستماع إلى جملة "شبيك لبيك".

يصنع البشر في مسارات الحياة تيسيرات البقاء، أشياء تبدأ بسيطة وربما مفيدة، ثم تنفصل عنهم رويدًا ليكونوا هم داخل دائرتها، هذا هو تاريخ الاعتياد، يبقى أنه لم تتم دراستها ثقافيًا واجتماعيًا، بمعنى دراسة أشكال الحياة وظواهرها كما تسردها برديات الـ"فيس بوك" وحوائط الـ"إنستجرام" ومفردات "تويتر"، دراسة الحياة على تلك الوسائط لا تقل شأنًا أبدًا عن دراسة الواقع، فتلك آثارنا باقية على "فيس، وتويتر" تدل علينا.

إعلان

إعلان

إعلان