- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يبدو الاكتئاب زائرًا ثقيل الظل، يدعو نفسه إلى صدر فريسته، ويستولي على تفكيره بالأوهام والهواجس.
في كتابه «ظلام مرئي: مذكرات الجنون»، يفتح الكاتب الأمريكي البارز وليام ستايرون صندوق باندورا، ويحاول تشريح الاكتئاب بقلم يلتهم الكثير من اللّغة والوقائع، حتى يستقر المعنى في نفوس القراء، وخاصة مرضى الاكتئاب منهم، الذين تضيق صدورهم بهذه المعاناة النفسية والذهنية، حتى تتحوّل أقدامهم إلى قطارات سريعة تعجّ بمسافرين لا يحملون تذاكر سفر ولا يتذكّرون عناوينهم.
هناك دائمًا خيط رفيع يربط بين الاكتئاب والانتحار.
يقول ستايرون:
«كان أمرًا طبيعيًا للغاية أن يسارع هؤلاء المقربون من ضحايا الانتحار مرة تلو مرة وبطريقة محمومة إلى إنكار الحقيقة. وهم ربما لا يجدون مناصًا من الإحساس بالتورط والشعور بالذنب على المستوى الشخصي، وهو أمر ينبع من فكرة أن هذا الشخص أو ذاك ربما كان بمقدوره الحيلولة من دون وقوع الانتحار لو أنه قد اتخذ بعض الاحتياطات وتصرف بطريقة مغايرة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الضحية- سواء كان قد قتل نفسه بالفعل أو حاول ذلك أو أطلق بعض التهديدات وحسب- غالبـًا ما يتم إظهاره ظلمـًا باعتباره مقترفًا لإثم، وذلك عبر حالة الإنكار التي يتبناها الآخرون» (ص 45).
ساهمت مذكرات وليام ستايرون في نشر التوعية حول مرض الاكتئاب. تُرجمت المذكرات إلى اللغة العربية عبر المترجم أنور الشامي، ونُشرت في القاهرة (دار الكرمة، 2019).
وإذا كان الكتاب تشريحًا لحالة شخصية بحتة عانى منها ستايرون، وصولًا إلى مرحلة التعافي، كأنها وثيقة اعتراف كتبها لكل الأجيال، فإن الكاتب يثير سؤالًا جوهريًا وهو: هل تستحق الحياة أن تُعاش؟ إنه صراع ضد ولأجل إرادة الحياة، وهو يجيب على هذا السؤال عبر فصول مؤلمة وقاتمة، وأخرى تتوهّج ببصيص خافت.
يشير الكاتب إلى أن «الاكتئاب هو اضطراب في المزاج يصاحبه ألم بالغ الغموض وشديد المراوغة في طريقة ظهوره للذات ويكاد يستعصي على الوصف. بالتالي فإنه يظل مستغلقًا تقريبًا على فهم أولئك الذين لم يختبروه في أقسى أشكاله». (ص 16).
تحلّى ستايرون بالكرم والشجاعة الكافيين لكي يمنح صوتًا لفئة بلا صوت، وأسقط عن المريض قشرة العار التي تحجب طريق التعافي.
«كنت أشعر داخل ذهني بإحساس يشبه الألم الحقيقي ولكنه يختلف عنه على نحو يتعذر وصفه... وأنا هنا لا أستخدم تعبير (يتعذر وصفه) اعتباطًا لأنه لو كان ألمًا يمكن وصفه لكان معظم هؤلاء الذين لا حصر لهم ممن تعرضوا لهذا الكرب القديم قد استطاعوا أن يصوروا بثقة لأصدقائهم وأحبائهم وبل حتى لأطبائهم بعض الجوانب الحقيقية لعذاباتهم. وربما استطاعوا أن يستخلصوا فهمًا مفتقدًا بشكل عام لا يعزى انعدام الفهم هذا إلى انعدام التعاطف في العادة، لكن إلى عجز الأصحاء أساسًا عن تخيل معاناة يجهلونها تمامًا في حياتهم اليومية» (ص 27).
في هذه المذكرات المبهرة، يصف الروائي الكبير هبوطه المدمِّر في الكآبة، فيأخذنا في رحلة غير مسبوقة إلى عالم الجنون، مليئة بتأملات كاشفة لمرضٍ يصيب الملايين، لكن ما زال يُساء فهمه على نطاق واسع. هذا النص المؤثر والشجاع، هو صورة حميمة لعذاب «ستايرون» في محنته وفي سبيله إلى التعافي.
يصف ستايرون غياهب الإحباط التي يصل إليها مريض الاكتئاب. من خلال عدة قصصٍ واقعية، يبدأ ستايرون بتوضيحه فترة بداية مرضه، ظنّـًا منه أن السبب هو تعاطيه عقاقير منوّمة معينة خلال فترة إقلاعه عن شرب الكحول. يقوم بعدها بوصف الأيام التي استوعب فيها أنه ينزلق في حالة ذهنية مشوشة فريدةٍ من نوعها.
«استيقظت وقت الضحى... كانت حالتي المعنوية جيدة. ولكن هذه البهجة الهشة لم تكن سوى مظهر زائف معتاد، ولم تكن تعني عندي شيئًا ذا بال لأني كنت واثقًا أن مشاعر التعاسة سوف تدهمني قبل حلول المساء» (ص 17).
في ظلّ اضطراب عاطفي، يشرح الكاتب أن اكتئابه كان قد بدأ فعلًا بالتحوّر إلى أسوأ أشكاله في وقتٍ كان يجب أن يكون أسعد ما يكون عليه الإنسان. نطالع في الكتاب:
«إن حالات الاكتئاب الشديدة لا تختفي بين عشية وضحاها، وهذا كله يؤكد حقيقة جوهرية وإن كانت صعبة والتي أرى أني بحاجة إلى إيضاحها في بداية سيرتي هذه وهي أن مرض الاكتئاب لا يزال لغزًا كبيرًا، وقد كان في بوحه بأسراره للعلم أكثر استعصاءً من الأمراض الخطيرة الأخرى التي تحدق بنا» (ص 20).
يضيف ستايرون في عدة مواقف أفكارًا وأقوالًا لأدباء معروفين كانوا يعيشون صراعـًا مع هذا المرض، ويقدّم أمثلةً للعديد من الأدباء والفنانين الذين عاشوا أو رحلوا ضحيّةً للحزن المرضيّ الذي يجتاح حياتهم ويعطّل كيانهم بأكمله.
يلفت الانتباه استعراض ستايرون للعقاقير المختلفة التي تناولها وفاعليتها وآثارها الجانبية- علمًا بأن أغلبها أصبح من التاريخ- تجعلك تدرك حجم التطور الذي حدث في مجال الطب النفسي على مدار العقود الماضية، ورغم هذا فإن محدوديته ما زالت في كثير من الأوقات تخبرنا أن أمامنا الكثير.
يرى ستايرون أن «الاكتئاب مرض شديد التعقيد في أسبابه وأعراضه وعلاجه، ويتعذَّر معه الخروج بخلاصات قاطعة استنادًا إلى تجربة فرد واحد» (ص 50).
في نقطةٍ ما، يشرح ستايرون في كتاب «ظلام مرئي» تفاصيل وقوفه على حافّة الجرف المألوف لدى جميع مرضى الاكتئاب، فقد وصلت به المراحل المتقدمة- التي بدت وكأنها الأخيرة- إلى انعدام أي رؤية للمستقبل، أو أي متعة في الحاضر. بل وإن القدرة على تكوين الذكريات تصبح ضئيلة جدًا لدى مرضى الاكتئاب، بحيث يعيشون كل يوم بمفرده، منفصلًا عن سابقه وتاليه.
يُسهب المؤلف في شرح اللحظة التي كان فيها على وشك إنهاء حياته، ويتحدث عن الأفكار البشعة التي كانت تراوده مرارًا وتكرارًا، فتحوّل كل أداةٍ في منزله إلى طريقة محتملة للموت.
«أصبح للموت الآن حضور يومي في حیاتي، وأصبح يھبّ نحوي محمّلًا بدفقات ھواء باردة. لم أكن أتصور على وجه الدقة كیف ستكون نھايتي. وباختصار، كنت لا أزال أبقي فكرة الانتحار بعیدًا. ولكن كان واضحًا أن الانتحار قد بات قاب قوسین أو أدنى بالنسبة إليّ، وأنني عمّا قريب سوف ألتقیه وجھـًا لوجه» (ص 70).
وفي الساعات الأخيرة التي حددها لإنهاء كل شيء، سمع ستايرون صوتـًا من التلفاز، فجّر ذكريات ومشاعر لم يكن يجد أي أثر لها منذ وقت طويل. لقد شعر بمذاق الحياة. في صبيحة اليوم التالي، أيقظ ستايرون زوجته، وحزم أمتعته ليتم إدخاله إلى المستشفى.
إعلان