لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سنة أولى معرض كتاب

د. أحمد عمر

سنة أولى معرض كتاب

د. أحمد عبدالعال عمر
07:01 م الأحد 30 يناير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أظن أن جيل التسعينات هو الجيل الأخير في مصر الذي كانت علاقته بالعلم والثقافة والفكر والأدب علاقة روحية ووجودية، وقد تأسست تلك العلاقة على إدراكنا المبكر لقيمة ودور العالم والمفكر والأديب والمثقف في مجتمعه من خلال متابعتنا في صبانا الباكر لمسلسل "الأيام" الذي يحكي قصة حياة وكفاح عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، واستماعنا وحفظنا لأغنياته التى شدا بها علي الحجار، من ألحان الراحل بليغ حمدي، وكلمات الراحل سيد حجاب:

أيام ورا أيام ورا أيام

لا الجرح يهدا ولا الرجا بينام

ماشي في طريق الشوك ماشي .. ماشي

لكن قلبي مطرح ما يمشي يبذر الأحلام

العتمة سور والنور بيتورا

وأش للفقاره في زمان النوح

ميتا تخطي السور يا نواره

ويهل عطرك على الخلا ويفوح

ويشدنا لقدام

من عتمة الليل النهار راجع

ومهما طال الليل بيجي نهار

مهما تكون في عتمة ومواجع

العتمة سور يجي النهار تنهار

وضهرنا ينقام.

تلك الكلمات التي لا تزال لليوم تُثير فينا نفس المشاعر والأحلام القديمة، وتحملنا إلى زمان طفولتنا وصبانا الحميم، ولزمن أحلامنا الكبيرة في أوائل تسعينات القرن العشرين.

وأظن أن سياق النشأة والتكوين هذا، هو الذي جعل علاقة أبناء جيلي بمعرض الكتاب في بداية معرفتنا به، علاقة خاصة جدًا، حُفرت تفاصيلها في جدار الروح والذاكرة، وخاصة تفاصيل الزيارة الأولى.

وقد كانت زيارة معرض الكتاب بالنسبة لنا أبناء الصعيد والدلتا والمحافظات البعيدة عن القاهرة، حلم حياتنا بعد عشقنا القراءة والكتب، وبدأنا نعرف أسماء الكُتاب والأدباء والشعراء الكبار، ونتطلع لرؤيتهم وحضور ندواتهم بمعرض الكتاب.

وأتذكر اليوم أول زيارة قمت بها للمعرض، والتي كانت في مرحلة الدراسة الثانوية في بداية تسعينات القرن الماضي، بعد أن قرأت في برنامج معرض الكتاب المنشور بالصحف، أن الأستاذ الراحل أنيس منصور سوف يكون ضيفًا لإحدى ندوات المعرض.

ولأن الأستاذ أنيس منصور في تلك الفترة من عمري، كان نجمًا لامعًا في سماء الصحافة المصرية، وكاتبي المُفضل الذي أتطلع لرؤيته بأي ثمن، قررت الذهاب للقاهرة وحضور ندوته.

وهذا ما حدث بالفعل بعد أن اتفقت مع صديق مُقرب على السفر معي، والإقامة معًا في بيت شباب المنيل، وقد قلت له تعبيرًا لا أنساه لليوم: "يرضيك يكون أنيس منصور في ندوة بمعرض الكتاب، وأنا هنا في أسيوط، وتضيع عليّ فرصة رؤيته".

وجئنا بالفعل للقاهرة، وحضرت ندوة أنيس منصور، ومكثت بعدها عدة أيام أدخل المعرض في العاشرة صباحًا وأخرج في العاشرة مساءً، وبينهم اتنقل ما بين صالات بيع الكتب ومكتبات سور الأزبكية، وبين قاعات الندوات والأمسيات الشعرية، والمقهى الثقافي.

وفي تلك الدورة، وبعدها في دورات لاحقة لها، رأيت معظم الكتاب والصحفيين والشعراء والأدباء الكبار الذين كانوا نجومًا وقامات حقيقية في سماء الثقافة المصرية والعربية، مثل محمد حسنين هيكل، يوسف إدريس، نزار قباني، حسن حنفي، جلال أمين، نصر حامد أبو زيد، ومحمد خلف الله.

وكانت تلك الرحلة الأولى لمعرض الكتاب، بداية رحلة أخرى للبحث عن الذات وأرض الأحلام لم تنته لليوم، بعد أن أخذتنا "النداهة" واستسلمنا لغواية القاهرة ومدن الشمال، ولغواية حياة الفكر والثقافة، ولغواية السير على دروب مُفكرينا وكُتابنا ومُثقفينا الكبار حقًا في القامة والقيمة.

إعلان

إعلان

إعلان