لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

العدالة باب الخروج من الأزمة

نبيل عمر

العدالة باب الخروج من الأزمة

نبيل عمر
05:01 م الأربعاء 02 نوفمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

سهرة دينية في بيت صديق، بعض الحضور رجال أعمال عصاميون، ورجال أعمال كانوا على علاقة بالسلطة في زمن الرئيس حسني مبارك، وأساتذة جامعات، ورحنا نقلب في كتب التراث والسيرة النبوية، يحدونا سؤال في غاية الأهمية: هل يمكن فعلا تنقية التراث الإسلامي من حكايات كثيرة وتأويلات مستحيل أن تمت للدين بصلة؟

كان الرأي الغالب أن هذه مسألة صعبة جدا، بدليل أن مئة سنة مرت على محاولات الشيخ محمد عبده وغيره لتجديد التراث دون أن نعالج أوراقا ذابلة تراكم عليها العفن والجراثيم.

سأل أحدهم: إذن ما رأيكم في دعوة الرئيس السيسي إلى مؤتمر ديني كبير على غرار المؤتمر الاقتصادي، يبحث هذه القضايا بالتفصيل، وصولا إلى توصيات ومفاهيم متفق عليها؟

فأجاب آخر: فكرة جيدة.. لكن قضايا "الدين" أصعب ألف مرة من قضايا الاقتصاد المرنة، ناهيك عن تعقيدات خلط الدين بتفسيراته وشروحاته عمدا، فاصطبغت هذه التفاسير والشروحات بنفس القداسة التي يتمتع بها النص القرآني، وبات الاقتراب منها يشبه الخروج من الملة، وخذ عندك الأحاديث النبوية التي يدرك رجال الدين أنفسهم أنها مقسمة إلى صحيح، وحسن، وضعيف، ومعلق، ومنقطع، ومعضل، ومرسل، ويمنعون أيضا البحث فيها أو التشكيك في مرويات أبعد ما تكون عن صحيح العقيدة، وبعضها يخالف نصا قرآنيا، الاتفاق مسألة صعبة، لكن علينا أن نحاول.

وتدريجيا انحرف حديثنا من الدين إلى الدنيا، من كتب التراث إلى حياتنا اليومية، وانقلبت السهرة الروحية إلى ما يشبه ندوة خاصة، والندوات بطبيعتها تثير أفكارا متناقضة ورؤى متشابكة.

وبالطبع فرضت الأزمة الاقتصادية قبضتها على الحوار كاملا..

قال موظف رسمي كبير: ذهب وقت اللعب والعمل القطاعي، وحان وقت الجد والقفز للأمام، الأزمة خانقة، وعلى كل مصري أيا كان موقعه أو دوره أن يتحمل ويعمل بكامل طاقته لنخرج منها، بالطبع الأسعار نار مع الأزمة العالمية، وطبيعي أن تتخذ الحكومة قرارات قد تكون مؤلمة، لكنها ضرورية، فالحكومات الجيدة لا تعمل كما يرغب الناس وإنما بما يحتاجه الناس وينفعهم، شيء مرهق جدا أن نتحرك بميزانية عامة فيها عجز كبير، وديون ضاغطة طول الوقت.

قلت: الناس لا تفهم في الأرقام ولا في سياسات صندوق النقد الدولي ولا في الأسباب المطروحة، هم يريدون أن يعيشوا بشكل معقول دون أعباء متزايدة عليهم دون توقف.

رد وزير سابق من أيام مبارك: هل هناك دولة في العالم ناسها "مشغلة" ثلاثة وأربعة تكييفات في أيام الصيف؟، هل يعقل في دولة فقيرة أن أكثر من نصف سكانها يملك الفرد منهم تليفونين (محمول)، ويستخدمون ما يقرب من مئة مليون خط، وملايين البيوت بها أكثر من شاشة تليفزيون، وفتحاه عمال على بطال، هذا عبث يجب وقفه فورا.

سكت ثم سأل: هل تعرفون كم تليفونا محمولا نستورده سنويا؟

لم نرد، فأجاب: أكثر من 15 مليونا!

عقبت: عن أي مصر ومصريين تتحدث؟، 70% من المصريين لا يعرفون الجمعة السوداء، ولا يقفون طوابير في المولات الكبيرة ولا يبيتون أمام محلات الآيفون الجديد، ولا يفهمون معنى الأوفر برايس في أسعار السيارات، وهم يأكلون الفول والطعمية والباذنجان والبطاطس وجبات أساسية.. وحسب أرقام جهاز التعبئة والإحصاء يدور متوسط دخل الفرد في حدود 25 ألف جنيه سنويا، بينما متوسط الدخل المناسب للحياة في مصر يتجاوز 42 ألف جنيه سنويا، بعجز يصل إلى 17 ألف جنيه للفرد، ونحن نتحدث عن متوسط الدخل مجمعا، أي أن كثيرا من المصريين يقل دخلهم عن الـ25 ألفا.

رد أستاذ جامعي: من أجل هذا طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من الحكومة أن ترفع الحد الأدنى للأجور إلى 3 آلاف جنيه شهريا من أول نوفمبر.

قلت: قرار ملزم للدولة والهيئات العامة ويستفيد منه موظفو الدولة (5 ملايين في الحكومة والقطاع العام)، لكن عددا كبيرا من عمال القطاع الخاص يتقاضون ما بين 1500 إلى 2500 جنيه شهريا، ولهذا يفضلون التوكتوك ( 5 ملايين و400 ألف مالك)، وأعرف خريجين حديثا من الجامعة يعملون في مكاتب خاصة بمبالغ أقل، حتى يتجنبوا الجلوس في بيوتهم عاطلين.

قال رجل أعمال له مصانع في العاشر من رمضان: هؤلاء عمالة غير مدربة ولا تجيد عملها، وأعالج عيوب شغلها بتكاليف إضافية، ولا أجد العمالة الماهرة إلا نادرا.

وقال آخر: جاءني شابان جامعيان في غاية الأناقة للتوظيف في مصنعي، سألت كل واحد فيهما أن يكلمني عن نفسه، "يا دوب كلمتين بالعافية".

قلت: هؤلاء نواتج تعليم رديء ومدارس فنية سيئة.

فجأة التفت أستاذ جامعي إلى الوزير السابق، وسأله: لماذا وأنتم خارج السلطة تتحدثون كأنكم تملكون "مفاتيح" المشكلات المصرية، وحين تجلسون على الكراسي، تدورون في نفس الدوائر التي لف فيها مائة وزير سابق، فنظل نسبح في الفراغ.

رد: طبيعة المجتمع أكبر عائق، مجتمع متجمد على أوضاع رافض تغييرها مع أنه يعاني منها، هل نحن نعمل بجد أيا كان عملنا في هيئة أو شركة أو مؤسسة؟، عدد كبير منا يمثل أنه يعمل، فتأتي النتائج ضعيفة أو متوسطة، ووجدت جزءا كبيرا من الذين يشتمون الفساد وأنه سبب الأزمات، يمارسون الفساد ويدعمون وجوده، وعندما حاولت إعادة هيكلة الوزارة وهيئاتها على أسس الكفاءة والإنتاج بعيدا عن الحسابات الخاصة والمجاملات والمحسوبيات، انفجرت الدنيا بالشكاوى والتظلمات والغضب فأوقفت كل شيء.

لازم المجتمع يغير من نفسه، إلى عمل وجدية وانضباط في دولاب الدولة كلها مثل الصينيين.

قلت: التجارب التاريخية تثبت أن الدولة هي صاحبة المبادرة دوما، النقلة الحضارية تصنعها النظم، خذ تجربة محمد على باشا، فَكَرَ ووضع مخططا ونظام عمل صارما، وبعد عشرين سنة بالضبط كانت القوات المصرية على أبواب الإستانة عاصمة الخلافة يحاول غزوها، وخذ تجربة الخطة الخمسية الأولى في عصر عبد الناصر وهي الخطة الوحيدة التي نفذت بكفاءة قبل النكسة، صحيح فشلت التجربتان بعد ذلك، لأنهما افتقدتا عنصرا مهما كان يجب أن يعم وهو العدل. باختصار: تغيير المجتمع ممكن، بشرط أن تراسله على عنوانه الصحيح، وهو العدالة دون استثناءات وامتيازات ومحاباة ومهام خاصة.

وتاهت السهرة الدينية في سراديب السياسة.

إعلان

إعلان

إعلان