لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

براح الحياة محبة.. وهكذا رمضان

د.هشام عطية عبدالمقصود

براح الحياة محبة.. وهكذا رمضان

د. هشام عطية عبد المقصود
07:24 م الجمعة 08 أبريل 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تصنع أيام شهر رمضان وروائحها فيوضات في النفس لا تنتهي، اختلافا في التفاصيل اليومية المعتادة إذ يضفي عليها طابعه المتفرد نسمات طيبات، وحيث فيه تتنزل الرحمات على العباد سلوكا وسيرة، ويحل ائتلاف الأسر متباعدة الأفراد ليشملها صوم وسحور رمضان ميقاتا واجتماعا وطعاما، ثم بهجة الشوارع وزينتها، ويقين يقر في النفس بأن في الحياة رحابة للبدء من جديد لمن شاء أن يرى ذلك.

كثيرة هي الأشياء والعادات التي عرفناها صغارا في رمضان ولم تبارح قط، ظلت نجمات بها نقتفي أثر الشهر الكريم ونحمله في دواخلنا سيرة للزمان الطيب، ولعل واحدا من أجملها، هو طابور شراء الكنافة، وهو طابور يجمع الأولاد غالبا في ذات المرحلة العمرية بعد العصر، ستلزم مكانك فيه خاصة إذا أردت أن تأتي بها متشبعة برائحة الطزاجة ومستمتعا بحالة فورية صناعتها وطقوس طيها ولفها محملة بعبق المسافة نحو البيت، طوابير مليئة بالضحك والفرجة والمؤانسة، الفرجة على دوائر الكنافة حين تصادف سطح الفرن الصغير أو بالأحرى سطحه الساخن بعد أن تكون ثقوب الوعاء المملوء بعجينها قد أخذت في دفعه متدفقا على شكل دوائر كبيرة تصغر رويدا حتى يتم إغلاقها، ثم المشهد الجميل لاستوائها لحظة أن تمتد يد مساعد الكنفاني لتحملها مفسحة المجال لدوائر جديدة تحمل رائحة الخبز الجميل.

لم يكن عصر كنافة محال الحلويات قد استوى وهيمن وصار تقليدا عاما بعد، أو ربما كان الناس يفضلونها في رمضان "كنافة منزلية"، وطبعا لم تكن آلات التسويق قد صنعت تحولات الهروب من ملل الكنافة المألوفة في اتجاه ما أصبح يعرف بكنافة الأطعمة والحشو والتزيين مختلف الألوان كثير الدسم، لم تكن كل امتدادات الكنافة وتحولاتها الجديدة والتي تمثل تجرأ جسيما على طزاجة عنصرها الأول قد صارت حالة، لتهيئ لك طفلا كنافة بسيطة تماما وسهلة جدا ومتاحة دوما، ساخنة محشوة بما تيسر فى غير تكدس وقد تخلل مسامها عسل رقيق فى حرفة ودون أن يستقر في أسفلها كتلا ثقيلة منفرة، هكذا كانت الكنافة المنزلية تطيب صنعة ومذاقا، مقرمشة السطح بهجة للناظرين.

ويبقى نداء أسري من رمضان تحفظه ذاكرة الصبا عفيا: "اتفضل معانا .. رمضان كريم" نداء لكل من يمر قبل أذان المغرب، حيث كان يحث الكبار صغارهم على دعوة الغريب في الشارع أو الذي ذهب إلى المسجد منقطعا عن أهله، وحيث تتسع البيوت براحا للصائمين، مطمئنة عامرة بالمودة بشكل يسهل للأصدقاء والجيران والأقارب التواجد، وحيث لا حرج ولا تفكير ولا استعدادات مسبقة فالجودة دوما بالموجود، كان هذا سلوكا تراه كثيرا في البيوت المتجاورة التي اتسعت ببراح المحبة ومودة الناس وبركة الطيبين، ولم يكن يرتبط بذلك شرط ثراء أو وفرة كبيرة في سبل المعايش والحياة، ربما لأنه تقريبا كانت بيوت الناس في العائلة والجيرة تشبه بعضها كثيرا وكان نمو الناس اجتماعيا يتخذ نمطا هادئا تراتبيا ومنطقيا معا، بما يشبه قانون عدالة الجهد والدأب، وله ارتباط واضح بتحققات في التعليم أو الوظائف ووفق مفهوم صارم عن "الكسب الحلال".

لم يكن هناك سيل دعوات تبرعات ترافق مواضع حلولك ورواحك، فروح التكافل تسري طوعا واستقرارا فتحل المشكلات بدأب ورقي ودون مجاهرة بالعطاء أو مخاطبة المشاعر لجذب البذل، حيث يتم "ستر" الناس وتلبية النقص والاحتياجات بهدوء "ومن غير شوشرة"، وحيث كل يوم هى مائدة رمضان أو بحق "مائدة الرحمن" العائلية، وحيث مازلت أتذكر تحيتها اليومية أسمعها من جدي ومن أبي تتردد جملة "البركة فى اللمة" .. رمضان كريم.

إعلان

إعلان

إعلان