لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 "المستريح" .. و"بطالة رأس المال"!

إبراهيم علي

"المستريح" .. و"بطالة رأس المال"!

إبراهيم علي
07:01 م السبت 10 سبتمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"المسترَيَّح" – لمن لا يعرفه – هو شخص يطفو على السطح من حِينٍ لآخر في إحدى قرى أو مدن أي من محافظات الجمهورية، يَدّعى ُقدرته على تَوَظيف الأموال مقابل منح أصحابها عوائد مالية مُغرية، تساوي أضعاف الفوائد التي يحصلون عليها من البنوك.

بسرعة شديدة يسعى لكسب ثقة الدائرة القريبة منه، وينجح في ذلك معتمداً على الالتزام المؤقت بسداد الفوائد المتفق عليها في مواعيدها المُحددة، وخلال وقت قصير يتحول أفراد تلك الدائرة القريبة إلى أدوات للدعاية له، وجلب أفراد آخرين من دوائر أكثر اتساعاً، فيتسابق إليه الكثيرون، يسحبون ودائعهم من البنوك، بل ويبيعون ما يملكون حتى مشغولاتهم الذهبية، ويضعونها بين يديه بحثا عن المكاسب السريعة.

القصة بمنتهى البساطة تبدأ من عند عدد من المواطنين لديهم أموال ومبالغ نقدية "تحويشة العمر" تبدأ من 50 الف جنيه وتتدرج حتى 100 ألف وقد تصل إلى مليون جنيه ... إما جمعوها بعد رحلة عمل بالخارج أو مشوار كفاح بالداخل أو نتيجة ميراث... جميعهم يربط بينهم قاسم مشترك وهو أن المبالغ التي بحوزتهم في حُكم الأموال المُعطّلة ... فهم لا يجيدون استثمارها أو تشغيلها في أي مشروع حتى تُدرّ عليهم عائداً مُجزياً ... كما أنهم لا يفضلون وضعها بالبنوك في شكل ودائع أو شهادات استثمار، وهذا لأن سعر الفائدة "ضعيف" وتنخفض القيمة الشرائية لأموالهم مع مرور الوقت... جميعهم يبحثون عن فرص أفضل لتوظيف أموالهم.

وعلى الجانب الآخر يظهر المستريح، ويعلن أنه مستعد لتوظيف تلك الأموال بعائد يصل لـ 100% من العائد الذي سيحصلون عليه من البنوك ويزيد.

على الفور يتوجه هؤلاء المواطنون لمُدَعّى توظيف الأموال- "المستريح " - ويضعون بين يديه ما يملكون، ليصحوا جميعاً وبعد فترة قصيرة على صدمة وكابوس ...مُلخصها أن "تحويشة العمر" قد ضاعت وأنهم أصبحوا ضحايا جدد لعمليات نصب من أشخاص تاجروا بأحلامهم البسيطة.

الحقيقة فإن هذا" المستريح " الذي أصبح ظاهرة ... لم تفلح في مواجهتها التحذيرات والمناشدات المتتالية - حتي إنه ما إن يسقط "مستريح" في قبضة رجال الأمن هنا حتي يتم الإعلان عن مستريح جديد هناك – هذا "المستريح" ما هو إلا مجرد وجه جديد لشركات توظيف الأموال – امبراطوريات اقتصاد الظل - التي انتشرت في مصر خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، والتي كان أبرزها شركات الريان والهلال والأنوار والشريف والهدى مصر وغيرها.

هذا "المستريح" ومن قبله شركات توظيف الأموال أثبتوا جميعا وعلى مدار أكثر من نصف قرن أن هناك "أموالاً مُعطلة"، يبحث أصحابها عن فرص استثمارية لكنهم لم يجدوها، أو على أقل تقدير تقف أمامهم معوقات وتحديات كبيرة، أو لا يملكون الخبرات الكافية، وهو الأمر الذى تؤكده التقارير الصادرة عن البنك المركزي المصري الذي أعلن عن وجود أكثر من أربعة تريليونات جنيه، تمثل الودائع والمدخرات بالبنوك ... وهو الأمر الذي تؤكده ايضاً خزائن وأرصدة الصندوق الإجتماعي للتنمية، وأجهزة تشغيل شباب الخرجين بالمحافظات، وغيرها من جهات التمويل، التي لم يصدر عنها كلمة واحده تفيد عدم قدرتها على الوفاء بطلبات التمويل المقدمة إليها.

إن استمرار "ظاهرة بطالة رأس المال" التي كشف عنها "المستريح"، وأخرون !! أمر يستحق التوقف عنده وإيجاد الحلول اللازمة له في أسرع وقت ممكن.

حسناً ما تفعله الحكومة من العمل على جذب رؤس الأموال الأجنبية للاستثمار في مصر ... لكن يجب أن يتم ذلك بالتوازي مع العمل على تهيئة مناخ الاستثمار لرؤوس الأمول الوطنية، حتى ينتعش الاقتصاد الوطني وترتفع معدلات التنمية وتقل معدلات البطالة.

لابد من إعادة النظر في المنظومة التشريعية لقوانين الاستثمار، وحل مشكلات الضرائب والجمارك، وتيسير إجراءات تخصيص الأرض، ورفع كفاءة البنية التحتية، ووضع خرائط للفرص الاستثمارية المتاحة، تكون مدعمة بالمعلومات الدقيقة والأرقام الكافية، والقضاء تماما علي البيروقراطية وجعل منظومة التقاضي وحل نزاعات الأستثمار أكثر يسرا، ورفع كفاءة الأيدي العاملة، وتطوير البنية التحتية، وفتح منافذ لتدريب وتعليم أصحاب رؤوس الأموال على كيفية عمل دراسات الجدوى وإقامة وادارة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.

نعم الحكومة قطعت أشواطاً كثيرةً في تلك القطاعات لكن لايزال أمامها الكثير لتقدمه .... هذه رسالة "المستريح" وكل "مستريح"!!

إعلان

إعلان

إعلان