لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الأشقياء الستة في معرض الكتاب!

علاء الغطريفي

الأشقياء الستة في معرض الكتاب!

علاء الغطريفي
02:17 م الأحد 29 يناير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل تأليف الكتب أصبح مسألة سهلة؟ هل يمكن لأي شخص أن يؤلف في 10 خطوات كتاباً أو رواية، كما تشير بعض النتائج المضحكة على محركات البحث؟ وهل بإمكان أيٍّ منَّا أن يجمع بوستات أو آراء متفرقة في كتاب للجمهور بعنوان ملتوٍ صاخب أو ساخر أو مُثير للجدل؟ وهل الاستعراض اللّغوي كافٍ لكي يُنتج المرء مؤلفاً معتبراً أو قصة دونما سرد يبثّ الحياة في الشخصيات؟

تلاحقني هذه الأسئلة كل عام كلما هلّت مناسبة معرض الكتاب، ومعها فكرة الجرأة على التأليف، أو نسميها، بشكل أدق، جريمة الجرأة على التأليف، كمناسبة سنوية للرداءة، وموضة من البعض كأنها حتمية يجب أن تستمر وتستقر، مطلوبة لمزيد من النفاذ في مجتمع كرنفالي تحتكر "اللقطة" بإسراف سياقاته اليومية.

هل يمكن أن يكون الهُراء بين دفّتي كتاب؟ نعم.. بل للهُراء قانون صنعته نغمة تراجع مستقرة منذ سنوات في المجال العام، وجملة تحولات صغُر معها كل شيء، والمعيار تضاءل ليتناسب مع اللحظة وزمانها.

لم يعُد مطلوباً في عالم الهُراء؛ عالم الجرأة على تأليف الكتب، أن تطرح فكرة لامعة أو تشتبك مع الواقع بنظرية معتبرة، أو تضع جهداً حقيقياً على الورق لتصنع شيئاً ممتعا، أو تخلق تقصياً منضبطاً لتثبت أمراً أو تقدم تفسيراً جديداً لظاهرة أو إشكالية ما، أو تقدم طرحاً مغايراً على بينة ودليلاً لتغيير وجهة أو مسار أو فكرة بالية.

يسير أشقياء الهراء السنوي على طرق ويتبعون طرائق عدة، ملتوية كأقلامهم، ومراوغة كذواتهم، وواضحة كانتهازيتهم، ومحتالة مثل مساعيهم. الأشقياء صنوف، وهم:

الشقي "1"

يُنتج كتباً كل عام بلا عدد أو حساب، "فشار" التأليف يغسل السيرة ويصنع المسيرة، لا يهم؛ فالغلاف يداري فضائح الطرح والسطو على النصوص والمقالات، وتصاوير الندوات الكاذبة كافية لتنبئ عن الاستحقاق وإخفاء السرقات، ثم تهاني مواقع التواصل الاجتماعي فرصة عظيمة لجلب الجدارة الوهمية.

الشقي "2"

يكتب، ثم يكتب مقالات متفرقات في مجالات مختلفة، ينقصها التحقق والتدقيق، تعلوها السطحية، ثم يبحث عنوة عن رابط لكي تجتمع في أحد مؤلفات تفانين الهراء، وتنخلق كتاباً مع بعض التشويق والتسريب، لصياغة هالات الاهتمام ولفت الانتباه العام، لكي يصطفَّ مع الكبار على أرفف مكتبة أو فضاء افتراضي ثقافي كاذب، بلا معنى أو عُمق.

الشقي "3"

مُستعرض لغوي يرى في الكتابة حرفة، يكتب بتلاوين الكلام ورقص للحروف عن مخادع العاهرات والغزوات العابثة للأجساد الغضة، والعبور المقتحم لشفاه مكتنزة، أو الغواية للصدر الناهد الذي يُسقط القديسين في براثن الرذيلة، الكتابة المهووسة بالأخدود الغائر بين النهدين، أو ذلك الهوى أو ذلكم الجوى الذي يسحقك كما يفعل حيوان أسطوري بفريسة سهلة!!

وينفرط العقد في كتوبة ثم كتوبة، ونصل إلى لا شيء، فهل قرأنا شعراً أم نثراً؟ وما هي المقاصد التي نستلهمها من هذا التلوين وهذه "الكتوبة" وليس الكتابة، فتسقط الكلمة في أفنية الذائقة الخلفية، وينتهي الكتاب إلى بائع متجوّل تتصدر بضاعته بعض كتب المراهقين.

الشقي "4"

مخالف مختلف للأبد، هكذا يريد أن يراه الناس، يستهدف رمزاً أو رموزاً مستقرة في أذهان الناس، خاصة العامة وقليلي الثقافة، ليصطدم بها وبهم، من أجل الشهرة، لا يحمل مشروعاً أو قضية حقيقية، بل يبحث عن لافتة نبيلة للهراء، لكي يصدق البعض مسعاه ويلتفوا حول طرحه، محتمياً خلف حرية التعبير وقبّعة المجدّد، بوصفه المبتعث لإنهاء الجمود وتغيير أنماط التفكير، وعندما تقرأ تجد استعادة لقديم زال من فرط التهافت أو محاولة ساذجة لا تستند إلى حجة تناسب مجدداً أو صاحب قضية، وتنتهي ومضته المثيرة إلى ظلام دامس، يصير صخبه مثل ضجيج الشارع، لا يؤثر على مسيرك، بل تعتاد عليه ولا تستطيع تفرقته عن نداء الباعة أو أبواق السيارات.

الشقي "5"

كتابة مغروسة في أرض النفاق من أجل حصد المكاسب والترقّي، ترقص على هموم الناس وأوجاعهم، غارقة في الانتهازية، خالية من أي إحساس بالذنب أو خجل من الرأي العام، تمثل تقريراً صارخاً عن تدنٍّ قيمي وأخلاقي، وإكراه لتزييف وعي الجمهور بتلفيق ينضح بمبالغات التزلّف وصناعة مواكب المباخر والتهليل لشرعيات تآكلت وأصوليات هوت.

الشقي "6"

يظهر بهيئة "حرامي غسيل التايم لاين"، يقصّ الكلا- أي الكلام حسب تعبير محمد رضا الشهير في فيلم "30 يوم في السجن"- يقصه ويقتنصه من بوستات وأفكار الغير السارحة في فضاء الإنترنت، يجمعها في مؤلفات عجولة. هراء حداثي يشبه تسرع الصغار على استوري إنستجرام أو رحلات التصفح القلق أو الجولات التيكتاوية المسائية العبثية.

للكتابة شروط لا ينبغي الحياد عنها، لا يمكن جلبها من مجارير الاستهانة العفنة، ولا تستقيم مع شبهات الادعاء وخداع الناس.. "أتدري ما معنى الكلمة؛ الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور" كما قال عبد الرحمن الشرقاوي، هل يمكن أن تكون الكلمة منقوصة منتقصة مدعية سطحية مختطفة؟ الكلمة نور ومع هراء الأشقياء تصير شروراً!!

عندما سُئلت إيزابيل الليندي عن ماركيز، قالت ما يعبر عن الكتابة الصادقة، التي جعلته يغزو العالم؛ لأنه صوّر بيئة أمريكا اللاتينية القاسية "حكى للعالم عن أبنائها وحكى لهم عمن يكونون" كتابة نقلت الواقع فصنعت القيمة، ولو لم يكن نجيب محفوظ عاش وعايش ما يكتب فهل كنا سنجد هذه الروعة الباقية للأبد، ولو لم يكن إبراهيم عبد المجيد بهذه البراعة، هل كنا سنشعر بهذه المدينة المغوية "الإسكندرية" بهذا القدر من الإحساس وهذا القدر من الرغبة؟!

لا أهلاً ولا سهلاً بكتابات الأشقياء السنوية، وألف لعنة ولعنة على كل دار نشر أوصلتهم للجمهور. وتحية لكل كاتب ودار، تمسّك بالمعيارية والجدّية والقيمة، وقرر أن يمنح الناس شيئاً نافعاً أو ممتعاً.

إعلان

إعلان

إعلان