لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أغاني رمضان قبل الإنترنت!

د. ياسر ثابت

أغاني رمضان قبل الإنترنت!

د. ياسر ثابت
07:00 م الأربعاء 29 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كيف كان الناس في مصر يسهرون قبل التليفزيون والمحمول والإنترنت والكمبيوتر وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة؟

سؤال وجيه يثيره كتاب د. أسامة القفاش الذي يحمل عنوان «وحوي يا وحوي: نوستالجيا الأغاني والسهر في رمضان» (المحرر، 2023)، ليذكر لنا بعض مظاهر الاحتفال في عصر ما قبل الإنترنت والموبايل، بل وقبل ظهور التليفزيون أيضًا خلال شهر رمضان.

عبر 104 صفحات، يكثف الكاتب الموسوعي أسامة القفاش المعاني والدلالات، ويُقدّم للقارئ وجبة دسمة من المعارف الثقافية والموسيقية التي تبعث على الدهشة وتدفع إلى التأمل.

يتدرج المؤلف في كتابه ليأخذنا في رحلات مختلفة مع شرحٍ مبسط لعدد من المفاهيم الفلسفية والفكرية مثل «الزمن المقدس»، و«النص المجنون»، وأيضًا «النص السلطوي».

الكتاب لا يحكي في المطلق والمعروف، بل يتعمق في كثير من الحكايات، ليرينا -على سبيل المثال لا الحصر- ثلاثة وجوه لأغنية «وحوي يا وحوي» التي تشتهر بأنها نص رمضاني أصيل، ولكنها غُنيت بكلمات أخرى للأطفال، وكلمات مختلفة تمامًا أقرب إلى الخلاعة غنتها عزيزة حلمي.

في النص الأول، وهو الرمضاني الذي نعرفه، تبدأ كلمات الأغنية كالتالي:

«وحوي يا وحوي (إياحه)

وحوي يا وحوي (إياحه)

روحت يا شعبان (إياحه)

وحوينا الدار جيت يا رمضان

وحوي يا وحوي (إياحه)

هل هلالك والبدر أهه بان (يالا الغفار)

شهر مبارك وبقاله زمان (يالا الغفار)

محلا نهارك بالخير مليان»

أما نص أغنية «وحوي يا وحوي» للأطفال، فيبدأ كالتالي:

«وحوي يا وحوي (إياحه)

وكمان وحوي (إياحه)

بنت السلطان (إياحه)

لابسة قفطان (إياحه)

بالأخضري (إياحه)

بالأصفري (إياحه)

يا لموني (إياحه)

يا دوا عيوني (إياحه)

يا رب خليلي سي عثمان

خلي نينته سي عثمان

لولا سي عثمان لولا جينا يالا الغفار

ولا تعبنا رجلينا يالا الغفار

يحل كيسه ويدينا يالا الغفار

ويدينا ياما يدينا يالا الغفار»

ونأتي إلى النص الثالث الخليع، الذي يبدأ كالتالي:

«وحوي يا وحوي (إياحه)

البنت الخفة.. فلاحة

وف إيدها خوخة وتفاحة

ماسكة الفانوس أحمر وأخضر

ماشية بتغني وتتمخطر

بصوت جميل زهزه يسحر

والوجه قمر بينور

أقول لده إيه أنا متحير

لا فاتت وقالتلي إياحه

البنت الخفة.. فلاحة»

رغم أن الجمهور يحفظ أغنيات ترتبط بشهر رمضان منذ ثبوت رؤية هلال الشهر الفضيل، مثل «مرحب شهر الصوم مرحب» لعبدالعزيز محمود، و«هل هلالك شهر مبارك» بأصوات متعددة، وكذلك أغنية محمد عبدالمطلب «رمضان جانا وفرحنا به أهلًا رمضان»، فإن الأغنية المسيطرة هي «وحوي يا وحوي»، أغنية الفانوس والاستقبال الحافل للشهر المبارك.

الأغنية الأصلية من غناء أحمد عبدالقادر وتلحين أحمد الشريف وكلمات حسين حلمي المانسترلي، الذي نغني له في رمضان الأغنية الشهيرة «وحوي يا وحوي»، وفي الأفراح الشعبية تحضر دائمًا أغنية «مبروك عليكي عريسك الخفة.. يا عروسة يا مزينة الزفة مبروك عليكي».

غنت أم كلثوم للمانسترلي بعض الأدوار في بداية مشوارها الفني مثل دور «تبيعيني ليه»، أما محمد عبدالوهاب فقد غنى من كلماته بأغنية «بتتقلي ليه»، وغنت له دور «ليه الغرام»، ومع ذلك استوعبت كلماته أصواتًا كثيرة آنذاك مثل بديعة مصابني، وعبدالغني السيد، ورجاء عبده، وليلى مراد، وفريد الأطرش في بداياتهم.

لكن أشهر أغاني المانسترلي شهرة هي أغنية «وحوي يا وحوي .. إياحا.. روحت يا شعبان.. إياحا.. وحوينا الدار جيت يا رمضان»، والتي أصبحت أيقونة الشهر الفضيل، وقد تغنى بها المطرب أحمد عبدالقادر لأول مرة عام 1937.

أما ثاني الأغنيات فهي أغنية «مبروك عليكي» التي حجزت مكانًا ثابتًا بين أغاني الأفراح في مصر، وقد تغنت بها المطربة سيدة حسن من ألحان أحمد الشريف.

بمعلوماته الغزيرة وكتابته الموسوعية، يفاجئنا د.أسامة القفاش بجولات مختلفة عبر التاريخ، وكذلك الملاحم الشعبية وكيف كانت وسيلة للسهر والسمر. ويقول لنا المؤلف إن القرى المسيحية تنتظر ملحمة السبع بنات أو ملحمة مار جرجس، في حين تنتظر القرى الهلالية ملحمة أبو زيد الهلالي، والغوانمة ينتظرون دور دياب في القضاء على الفارس المغوار الزناتي خليفة!

ملحمة أبو زيد الهلالي هي أحد الملاحم العربية الشهيرة، وهي الملحمة الأساس في ليالي رمضان في الصعيد حتى الآن، ونذكر من رواتها الكبار جابر أبو حسين، وشوقي القناوي وولده عزت، والضوي وغيرهم.

قائمة الملاحم الشعبية تطول، ومنها:

1-الأميرة ذات الهمة، التي تحكي قصة الصراع بين الشرق والغرب عبر تمثل أساطير صراع الأخوة بين الظالم والمظلوم، الذي هو تكرار لقصة قابيل وهابيل.

هناك أيضًا تيمات أسطورية كثيرة، من ضمنها البطلة الأنثى أو إيزيس أو عشتار الإلهة المقاتلة.

2-حمزة البهلوان أو حمزة العرب، التي تحكي قصة الصراع بين العرب والفرس، وتتضمن تيمات الصحراء والبداوة في مقابل التمدين والحضر.

3- سيف بن ذي يزن، التي تحكي قصصًا كثيرة، لكنها تحكي أساسًا فكرة تاريخية عبّر عنها جيمس هنري برستد في كتابه «فجر الضمير»، ألا وهي قدوم السكان الأوائل في مصر من شبه جزيرة العرب وترويضهم للنيل المصري.

4 – ألف ليلة وليلة، التي تتضمن موتيفات أولية كثيرة تجعلها من أهم المصادر التي يرجع إليها أي باحث في علاقة الأساطير بأغوار النفس الإنسانية والتي ظلت دائمًا وأبدًا مصدر إلهام للفنانين في كل زمان ومكان.

5- وأخيرًا الملحمة التي ما زالت تُروى حتى اليوم ولكن في الشام، ألا وهي الظاهرية، التي تحكي قصة الارتباط بين مصر والشام الكبير، والعلاقة بين محروسة مصر أو القاهرة ومحروسة الشام أو دمشق. تدمج هذه الملحمة التاريخ في الواقع وتستدعي شخصيات من الخارج، وتخترع شخصيات وهي تظهر العلاقة بين الدين والسياسة والمجتمع في طبقاتها المختلفة.

تحولت معظم الملاحم الكبرى إلى مجرد كتب، لكن هذا لا يمنع من وجود ملاحم صغرى مثل قصة الولي الصالح السيد البدوي المجاهد الذي جاب اليسرى أو الأسرى، والذي إن صادف مولده شهر رمضان، تزينت طنطا وكل المنطقة حولها، وأيضًا قصة مار جرجس الذي قتل التنين، وكذلك ملحمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع الكافر المسمى رأس الغول.

في كتابه «وحوي يا وحوي»، يطرق المؤلف أيضًا أبواب لعب الأطفال في الشوارع، ليختم كتابه بجرأة أشد عن أم كلثوم وعلى هامش الجدل الذي يثيره حول ألقابها (كوكب الشرق، سيدة مصر الأولى، الهرم الرابع، سيدة الغناء العربي، صاحبة العصمة)، يحكي للقارئ قصة أغنية «يا ليلة العيد آنستينا»، التي لحّنها رياض السنباطي وكتب كلماتها أحمد رامي.

رؤوس عناوين هذا الكتاب وحدها كفيلة بإثارة فضول القارئ ونهمه للمعرفة وتذوق النصوص الغنائية وفهم حكاياتها البديعة.

إعلان

إعلان

إعلان