لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وحيث الحياة "دقائقٌ وثواني" ..

د.هشام عطية عبدالمقصود

وحيث الحياة "دقائقٌ وثواني" ..

د. هشام عطية عبد المقصود
10:41 م الجمعة 28 أبريل 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


ربما شكل تاريخ البحث عن الطعام أولا ثم تشكلاته الاستهلاكية وما يرتبط به من الحيازات ومختلف مظاهر زينة الدنيا أقدم وأهم حوافز السلوك فى مجال فهم مسيرة تدافع البشر وطبائع علاقاتهم بمن حولهم وبمختلف عناصر الكون، بل وربما كان هذا الحافز ذاته -في نمو وسائله وتحقيق تطلعاته التي نمت مظاهرها وتكلفة تدبيرها- مسؤولا عما تراكم من مدركات وسلوكيات فيما يحمله سفر الكون من تاريخ مرير من نتائج تدافع البشر أفرادا وقبائل ومجتمعات ودول، وربما صنع أيضا بذرة الحزن الأولى التي ما فتئت تنمو على مهل تصنع قلقا وهما ثقيلا يظلل وجوه الساعين هرولة فى اتجاهها هدفا لايحيدون عنه.
حيث اقتضى ذلك السعي عير المحترز نحو توفير مقدرات الحياة ثم زينتها سلوكيات كثيرة بعضها يحمل طابع الاعتداء ويتضمن بعض مظاهر أذى، وحيث تغذى الإنسان في البدء وبكل أريحية على كل ما استطاع أن يجعله طعاما له من الكائنات الحيوانية، وتفرد بتطوير ملكات العقل فى اتجاهات ليست كلها خيرة وبنمو مستطرد عن سائر المخلوقات، وبالعقل تراكمت الخبرات وتراكمت معها – رغم كل تلك الاحتياطات- أيضا مشاهدات الزوال والفناء والضعف وإن أغرته نفسه بعكس ذلك وهما فزاد الحزن واستقر لمن دخل فى الصراع مختارا من كسب ومن خسر.
وهكذا مضت حياة البشر تغالب يقين المؤقت والزائل بمصارعات البقاء لتصنع أملا وهميا يغرى بالستمرار ترافقه مشهيات رغبة وتطلعات، والتي صارت تتطور ليس فقط اتكاءً على غريزة البقاء بحثا عن طعام ومأوى بل والحيازة، حيازة الأشياء التي يظنها باقية والتي اتسعت رويدا لتضم كل شيء بما فيهم البشر ذاتهم، وهو مرتكز تحول وقسوة تاريخية لم يتوقف عندها المؤرخون كثيرا باعتبارها فارقة في مسيرة البشرية، فلم نعرف بتوسع وتفسير كيف نشأت البذور الأولى للعبودية في التاريخ الاجتماعي البشرى فكرًا وممارسة، هو تدافع جم شكل واحدا من أهم مفردات سلوك البشرية عنفا تجاه الآخرين، وحيث الحياة كبد.
وتظل حاضرة بفرادة هنا المقولة المأثورة الفذة والمنسوبة للفاروق عمر بن الخطاب: "اعتزل ما يؤذيك" كطوق نجاة لمن رحمه الله وعيا ويقينا من البشر حين تتداخل مساحات الأبيض والأسود مؤرقة، تظل المقولة تعبيرا عابرا للزمن ومحققا لهدأة التنفس العميق حين تختلط الأمور على الفرد بين متشابهات الأفعال والسلوكيات وألوان البشر المصطنعة، هنا يكون إيثار راحة البال أجدى وأهم وحيث كما يقول أحمد شوقى فى جميل شعره تعبيرا عن جوهر ساعة الزمان الكونية التى تطوى الجميع فى دقاتها المتسارعة: "إن الحياة دقائق وثوانى" ولتظهر على خلفية المقولة كأنها مشاهد متضمنة رسومات وخيالات ما صنعه البشر وحازوه ظنا أنه خلود وانتهاء وإذا به سراب يحسبه الظمآن ماء، ولعل واحدة من أجمل البلاغات الشعرية فى هذا المقصد هو ما كتبه عبد الرحمن الأبنودى كأنه يطل على سعى البشر مفازات: "واللى النهار يكتبه آخر النهار مشطوب .. واللى البشر تحسبه تلاقيه مش محسوب".
إن جوهر اعتزال ما يؤذى هى إعادة تثبيت جليلة لفكرة الرحمة يصنعها الإنسان مختارا لنفسه لكى يقيها ما هو زائل وثقيل الوطأة، وهكذا بين أمل وحزن يلازم رحلة الإنسان كبدا، ثم معه رجاء فى رحمة الله تمضى غربة البشر فى الكون، يسيرون سعيا يراكم خبرات ومقدرات ويتصنع بعضهم السهو عما يعلم ليقتطع مساحات هدأة قد تغريه بفعل ما هو عكس فطرة الله فى صحيح سلوك البشر، يسير يراكم عناصر زينة الحياة، يظن أنه يقطع أطراف الكون تحققا ثم إذا به وفى ذرى ظنه باكتمال حضوره "لايعلم من بعد علم شيئا".

108

إعلان

إعلان

إعلان