إعلان

أفلوطين السكندري والسياسة

د. أحمد عبد العال عمر

أفلوطين السكندري والسياسة

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 20 أكتوبر 2024

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم يجعل الفيلسوف الصعيدي المصري أفلوطين السكندري (المولود في مدينة أسيوط عام 205 ميلاديًا، والمتوفي في مدينة روما عام 270 ميلاديًا) للأمور السياسية أو الاجتماعية أدنى أهمية في سعي الإنسان نحو تحقيق هدف الفرار من شرور هذا العالم وتحقيق الخلاص الروحي. كما لم يجعل للإنسان المُستنير الذي حقق الخلاص في ذاته واقترب ورأى وعرف أي دور اجتماعي أو سياسي في المجتمع.

مرجع ذلك أن أفلوطين كان يرى أن الاهتمام بالنشاطات الاجتماعية والسياسية مثل تربية الأولاد، والحرص على الزواج، وممارسة السياسة، والرغبة في تولي المناصب هي أمور نابعة من ضغط من الطبيعة الحيوانية في الإنسان. وأنها أمور تربطنا بالحياة على نحو عميق، وتمنع أن يكون الإنسان حرًا في ذاته مع ذاته، وأن يبدأ رحلة بحثه عن الواحد (الإله). كما أنها أمور لا تليق بالإنسان الحكيم الذي تحرر وكثرة مشاهداته.

وبهذا يختلف موقف أفلوطين عن موقف أبيه الروحي الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون (المتوفى عام 347 قبل الميلاد) فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية والسياسية للحكيم الفيلسوف؛ ففي حين جعل أفلاطون التزامًا أخلاقيًا على الفيلسوف الذي ينشد الرؤية أن يعود ليرفع من شأن أولئك الذين لا يزالون يكافحون في المستويات الأدنى من المعرفة والحياة، نجد أن أفلوطين يحث الجميع على الكفاح إلى الداخل فقط باتجاه المشاركة الصوفية مع الواحد.

وهذا يعنى أن أفلوطين لم يكن مخلصًا في هذا الصدد لفلسفة وخيارات الفيلسوف اليوناني أفلاطون، الذي اهتم بتحسين حياتنا الحاضرة، ووضع من أجل تحقيق هذا الغرض فلسفة سياسية كاملة في محاورة الجمهورية ومحاورة القوانين.

لكننا يمكن أن نفهم موقف أفلوطين السلبي من المجتمع والسياسية، إذا وضعنا في اعتبارنا الظروف المضطربة ومظاهر الانحطاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التي كانت تمر بها الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث الميلادي، وهو القرن الذي شهد أزمة سياسية واجتماعية قاسية، عُرفت باسم أزمة القرن الثالث؛ ففي مثل هذا المناخ ليس مستغربًا أن يشعر أفلوطين أو أي إنسان حكيم باليأس من الإصلاح. وأن يعتقد في لا جدوى المشاركة الاجتماعية والسياسية، وأن يلجأ إلى التماس العزاء في التصوف وفي عالم آخر.

وإن كان هذا اليأس بشأن إصلاح الواقع الاجتماعي والسياسي والدعوة إلى عدم الاكتراث به، يعكس في الوقت ذاته اهتمامًا غير مصرح بشأنه، وهروبًا من الشعور بثقل خيبة أمل سابق في إصلاحه، وهو موقف يُذكرنا بموقف الشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري عندما قال:

كَم وَعَظَ الواعِظونَ مِنّا

وَقامَ في الأَرضِ أَنبِياءُ

فَاِنصَرَفوا وَالبَلاءُ باقٍ

وَلَم يَزُل داؤُكِ العَياءُ.

حُكمٌ جَرى لِلمَليكِ فينا

وَنَحنُ في الأَصلِ أَغبِياءُ.

إعلان