لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

لماذا يُعاني الأخيار الصالحون؟!

د. أحمد عبد العال عمر

لماذا يُعاني الأخيار الصالحون؟!

د. أحمد عبدالعال عمر
07:01 م الثلاثاء 09 يوليو 2024

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. أحمد عبد العال عمر

وجود الشر الأخلاقي والطبيعي في العالم مشكلة دينية وفلسفية عميقة الجذور في تاريخ الإنسانية، البحث فيها ومحاولة الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها على العقل البشري باب محفوف بالمخاطر، حيث أدى إلى ضعف إيمان الكثيرين، وفي إلحاد آخرين.

جوهر هذه المشكلة هو التساؤل عن علة وحكمة وجود الشر الأخلاقي والطبيعي في العالم، وعلة وحكمة وجود كل مظاهر قبح النفوس والسلوك والبشر من حولنا، وعلة وحكمة وجود الظلم والفقر والمعاناة وكل الأمراض والكوارث الطبيعة.

كذلك التساؤل حول لماذا يُعاني في هذه الحياة الأخيار الصالحون، وينعم بمتع الحياة وخيراتها العصاة الفاسدون؟

ولماذا يهُزم الحق دائمًا أمام الباطل؟ ولماذا يتألم المرضى عامة والأطفال منهم خاصة لغير ذنب ارتكبوه أو سبب معقول، ولماذا أراد الله الخالق الرحيم الذي يُريد الخير لعباده كل هذا من البداية؟

وعبر تاريخ الأديان السماوية والوضعية المختلفة، وتاريخ الفكر الإنساني، قُدمت إجابات متعددة عن هذه التساؤلات، يضيق هنا المجال عن ذكرها، وإن كان جوهرها جميعًا يكمن في القول بأن هناك حكمة خافية لله خلف وجود كل تلك الشرور في دنيا البشر، وهذه الحكمة قد يعجز عقل الإنسان في أغلب الأحيان عن إدراك خفاياها، وقد يُدركها في مرحلة متأخرة من حياته.

كما قال آخرون إن الشر في العالم غير حقيقي وغير مقصود لذاته، لأنه في جوهره خير يُراد بالبشر، وابتلاء يُثابون بصبرهم عليه أحسن الثواب في الدنيا والآخرة، ومن هذا القبيل قول فرقة "المعتزلة" في التراث الإسلامي بنفي صدور الشر والقبح عن الله.

أما في مجال الأدب، فقد عالج الأديب البرازيلي "باولو كويلو" هذه المشكلة على نحو رائع في رواية "الجبل الخامس" التي تدور حول معاناة نبي الله "إيليا" في حياته مع الشر والظلم وفسدة البشر، وما طرحه أثناء معاناته على الله والعالم من أسئلة وجودية جريئة تتعلق بفقدان المعنى والإحساس بالعبث، وتبحث في علة وحكمة معاناة الأخيار الصالحين في هذه الحياة، وطيب حياة الفاسدين.

لتنتهي الرواية بالتأكيد على أهمية الإيمان بحكمة الله وعدالته المطلقين، وأن كل شرور الحياة الدنيوية تؤدي في النهاية إلى خير الإنسان، وأن نعيم الفاسدين هو ابتلاء وجحيم لهم في الدنيا والآخرة عكس ما يظهر للكثيرين. وبالتالي فإن الشر والمحنة ليسا عقابًا إلهيًا، بل هو اختبار مطروح أمام الإنسان، لكي يعرف ويكتشف حقيقة هذا العالم، وغاية وجوده فيه، ولكي يجعل لحياته معنى، ولوجوده قيمة في عالم لا ثبات فيه ولا ديمومة له.

وفصل المقال أن الإيمان بوجود الله وعدالته ورحمته يمثل جوهر إنسانية الإنسان وأثمن ممتلكاته الروحية، وهو إرث الشرق العظيم الذي قال حكماؤه وأنبياؤه على مر العصور بأن الإنسان ظاهرة متجاوزة لعالم المادة، وأنه لا يكون إنساناً بتمامه، إلا بتجاوز ذاته وعالمه ووجوده المادي، والانفتاح على الإله والكون والبشر، وفعل الخير في هذه الدنيا، ومعرفة مآلات الحياة بعد الموت وارتباطها بسلوك وخيارات الإنسان في حياته السابقة.

وهذا الإيمان هو طوق نجاة الإنسان وملجأه الأخير في عمق المحنة والألم، وفي مواجهة مصاعب وابتلاءات الحياة، وفي مواجهة كل شرور وظلم العالم والبشر. وهو الذي يمنحه قوة وصلابة القلب، والقدرة على تحمل شرور العالم والبشر عندما تعجز الإرادة الإنسانية عن إصلاح وتغيير الأمر الواقع. وهو في النهاية الذي يفتح أمامه أبواب الأمل والحلم بتحقق العدالة في الحياة يومًا ما أو فيما بعدها، وتجاوز حالة انتصار الشر والظلم، لأن دوام الحال من المحال.

وبدون تلك القوة الروحية التي يمنحها الإيمان للإنسان يستسلم لليأس ويفقد الأمل، وينكسر قلبه، وتتماس عنده البدايات بالنهايات، ويفقد الدافع على مواصلة رحلة الحياة، ليغرق بعد ذلك في طوفان العدمية والعبثية وفقدان المعنى، ويقع فريسة للأمراض النفسية وللأمراض الجسدية الناتجة عنها ويموت مهزومًا مكسور القلب.

إعلان

إعلان

إعلان