لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ذئب من وراء ذئب

سليمان جودة

ذئب من وراء ذئب

سليمان جودة
07:00 م الأحد 05 يناير 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يكاد حادث الدهس الذي وقع في مدينة نيو أورليانز الأمريكية أول أيام السنة، يختلف عن حادث الدهس الذي وقع في مدينة ماجديبورج الألمانية في العشرين من ديسمبر. أما الحادث الأول فنتج عنه مقتل عشرة وإصابة ٣٥، وتبين أن مرتكبه الذي قتله البوليس في مكان الحادث اسمه شمس الدين جبار، وإنه أمريكي من تكساس، وإنه في الثانية والأربعين من العمر. وأما الثاني فأدى إلى مقتل خمسة وإصابة أكثر من مائتين، وتبين أنه طالب سعودي لاجئ إلى ألمانيا من ٢٠٠٦ .

كانت السعودية بادرت إلى إدانة حادث الدهس الألماني، بمثل ما فعلت مع الحادث الأمريكي.. كانت المفاجأة أن الرياض حذرت الحكومة الألمانية من تطرف الجاني أكثر من مرة.

بادرت المملكة إلى الإدانة من خلال الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية السعودية على منصة إكس، وأضافت أنها تنبذ العنف وتؤكد على ذلك، كما تقدمت بخالص التعازي لأسر المتوفين، وتمنت الشفاء العاجل للمصابين.

كان الحادث الألماني قد وقع عندما أقدم سائق على اقتحام سوق لعيد الميلاد، ثم راح يدهس بسيارته كل الذين صادفهم في طريقه. وقد قيل إن السائق فعل ذلك بسيارته الخاصة، وقيل إنه ملحد، وأنه كان يرى أن ألمانيا تتجه إلى أسلمة أوروبا.

قيل عنه كلام كثير وسوف يقال.. ولن يكون هذا الحادث هو الأخير من نوعه لأنه ليس الأول، فمن قبل شهدت ألمانيا وشهدت دول كثيرة معها حوادث دهس مماثلة، وفي كل مرة تقريباً كان يتبين أن الحادث تصرف فردي لا علاقة له بجهة، ولا بدولة، ولا بشيء، سوى علاقته بالشخص نفسه الذي يرتكب ما يرتكبه من تلقاء نفسه ودون تحريض مباشر من أحد. وما يقال عن الطالب اللاجئ يمكن أن يقال عن شمس الدين جبار، لأن البوليس عثر على عَلَم لداعش في الحافلة التي دهس الناس بها.. فهل فعل ما فعله من تلقاء نفسه، أم بتحريض وتكليف من تنظيم داعش؟

هذه نقطة مهمة جداً، حتى لا نفاجأ بأن العالم قد ترك الشخص الذي ارتكب الجريمة لينشغل بأشياء أخرى بدل الانشغال بالبحث عن دوافع الجاني وأسبابه.

والنقطة الأخرى أن العالم كان قد جاء عليه وقت عرف ما يسمى بالذئاب المنفردة، ولم تكن الذئاب المنفردة سوى أشخاص متفرقين كانوا يهاجمون أهدافاً شتى في أنحاء العالم، وبغير أن تكون هناك صلة بينهم، أو أن يكونوا منتسبين لأي تنظيم!

عانى العالم من ذلك لسنوات، ولم يكن يعرف كيف يمكن أن يواجه الموضوع، فالذئب المنفرد شخص لا ينتمي الى أي تنظيم، وينفذ ما ينفذه لحسابه الشخصي، ويتصرف بناء على أفكار في رأسه، وبالتالي، فمن الصعب للغاية إنْ لم يكن من المستحيل ضبطه مسبقاً.. فهو يغادر بيته عازماً على شيء لا يعلمه بشر سواه!

وإلى أن تتضح الصورة أكثر في حادث ماجديبورج، وكذلك الحال في نيو أورليانز، وإلى أن نعرف ما إذا كان مرتكب الحادث ذئباً منفرداً أم لا؟ فإن انتشار حكاية الذئاب المنفردة تدل في جانب من جوانبها على شيوع المظالم العامة الكبيرة في العالم، كما أنه من المهم تجنب التعميم في التعامل مع الحادث حتى يمكن أن نتفهم أبعاده الحقيقية.. وإذا شاء العالم مواجهة حاسمة مع حكاية الذئاب المنفردة، فليتعامل بإنصاف مع قضية فلسطين باعتبارها القضية الأم في المنطقة، وباعتبارها القضية الأشد مظلومية في أنحاء الأرض.

إعلان

إعلان

إعلان