إعلان

مجدي الجلاد يكتب: فتنة الدراما.. بين سامح حسين والمؤامرة السعودية..!

الكاتب الصحفي مجدي الجلاد

مجدي الجلاد يكتب: فتنة الدراما.. بين سامح حسين والمؤامرة السعودية..!

مجدي الجلاد
12:04 م الإثنين 24 مارس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أحياناً.. يكشف موقفٌ بسيط، وكلماتٌ قليلة، ما هو أعمق من الموقف، وأخطر من الكلمات..!

بمجرّد أن تحدث الرئيس السيسي عن الدراما المصرية، وأدار حواراً مُقتضباً مع الفنان سامح حسين، خلال حفل إفطار القوات المسلحة.. قامت الدنيا ولم تقعُد.. وهذا طبيعي، لأن رأسَ الدولة لم يتحدث من فراغ، وإنما عبّر عن أزمة، تضرب في أعماق وتكوين الشخصية المصرية والعربية..!

وإذا كان الرئيس أبدى إعجابه بالمحتوى الذي يقدمه سامح في برنامجه "قطايف"، فإن ردّ الفنان، كان كاشفاً لما وراء الحديث ذاته.. وأعتقد أن الكثيرين فهموا الرسالة..!

القصة، بمنتهى البساطة، أن سامح حسين كشف الإعلام المصري ببرامجه و"درامته" في عدة دقائق، بـ"صفر تكلفة" تقريباً.. وبفكرة بسيطة للغاية، ولكنها ذكية: "تكلّم بصدق، فوصل للجميع من أقصر طريق".. وإن كان هذا لا يعني إهالة التراب على كل الأعمال الدرامية، التي ظهر بعضها بمستوى ومحتوى جيد..!!

ورغم وضوح الأزمة للجميع، ومنذ سنوات.. فإن الجدل الدائر الآن، أخذ القضية بعيداً عن جذورها وساقِها وفروعِها.. إذ ركز على تبادل الاتهامات، بين الجهات المعنية، وبالتبعية، تنازع الأدوار في تنفيذ توجيهات الرئيس: الكل يحاول غسْل يده من المسؤولية، والكل يتسابقُ في تشكيل اللجان لبحث وضبط الدراما المصرية..!

حسناً.. فليعمل الجميع، وليكن الهدف، ليس إرضاء سيادة الرئيس فحسب، وإنما إنقاذ صناعة كبيرة، وإعادة إحياء "التأثير الإيجابي" للقوة الناعمة المصرية.. غير أن الأخطر في هذا الجدل والنقاش، محاولة البعض -كالعادة- الاستخفاف بالدولة، إلى درجة الربط الخبيث بين اعتزال المُخرج محمد سامي، وتعليق الرئيس.. وفي ذلك تأويلٌ مُخلّ وتسطيحٌ ساذج لإجراءات دولة كبيرة، نحو إصلاح الدراما التي تدخل كل البيوت.. فلا الدولة، بأجهزتها المُختلفة، ترى أن اعتزال مُخرج هو الحل.. ولا محمد سامي، وكل المُخرجين، مسؤولون وحدهم عن فشل الدراما المصرية في التعبير عن المواطن المصري الحقيقي..!

أما الفريق الأكثر خُبثاً، فقد حاول دقّ "إسفين" في العلاقات المصرية السعودية، عبر اتهام شبكة قنوات MBC بعرض مسلسلات لا تُعبر عن الواقع المصري الحقيقي، بل محاولة إظهار الأمر، وكأنه مُخطط سعودي مُتعمّد ومقصُود..!

هنا الهزلُ بعينه يتكلم، والشرّ يتقاطع مع جدّية القضية.. إذ نسِى أو تناسَى هؤلاء أن المحتوى الدرامي المعروض، على كافة المحطات العربية، صناعة مصرية من الألف إلى الياء: مؤلفون ومخرجون وممثلون وفنيون.. ثم إن محاولة التنصّل من المسؤولية، وإلقائها على الآخرين، تصطدم بحقيقة ثابتة، وسؤالٍ مُخجل: وهل تختلف الأعمال الدرامية في رمضان هذا العام، والأعوام السابقة على الشاشات المصرية، عن تلك التي تُبثّ على MBC أو غيرها من المحطات العربية الشقيقة؟!!

إن أعظم ما يصل إليه المرء، أن ينظر لورقة إجابته هو.. بدلاً من النظر في "أوراق" الآخرين!!.. فالمملكة الشقيقة تُثبت كل يوم، أنها تضخّ دماء الحيوية في صناعة الإعلام والدراما التليفزيونية والسينما والموسيقى والغناء المصرية.. فضلاً عن شراكاتها المُتعددة، عبر الهيئة العامة للترفيه، برئاسة المستشار تركي آل الشيخ، مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، برئاسة طارق نور، الخبير الإعلامي الكبير.. فهل تتآمر الدولة المصرية مع الدولة السعودية في تدمير الدراما والشخصية المصرية؟!.. وما قولكم في أن نفس الأعمال يُشاهدها السعوديون، وكل العرب، ويتأثرون بها، تماماً كالمصريين؟!

هل حاولنا فهم الرسالة الحقيقية مما حدث بين الرئيس وسامح حسين في حفل الإفطار؟!.. في ظنّي أن الأمر أعمق بكثير من محاولات التسطيح والاصطياد.. الرئيس تحدث عن المحتوى والقيم والتأثير، واستشهد بما قدمه سامح.. وسامح ردّ بما يتسق مع رؤية الرئيس.. والمقصود أن "قطايف سامح" كشفت، دون تكلفة، الإعلام الذي تربّيه الدولة منذ سنوات، وأنفقت عليه المليارات.. لأن سامح احترم عقل المشاهد، وأدرك أن قيمة المحتوى، ومصداقيته، أهم من إنفاق الأموال على "تسمين" إعلام يعاني من اختلالات خطيرة، من مَنبتِه، إلى بِنْيته، مروراً بوجوهه، ورموزه، وإطلالاته..!

هل استدعى أحدنا عقله، ليفهم أن نجاح "سامح حسين" لا يرجع إلى عبقريته "مع تقديري الشديد لموهبته وصدقه، وكفاءة فريق العمل“، وإنما إلى شغف الناس والمجتمع واحتياجهم إلى محتوى "نضيف"، صادق، يرقى بذوق المُشاهد، دون تكلف أو إفراط..؟!

لا أحد فهم بعد، أن الإعلام الحديث خرج عن "طوع" السلطة قسْراً.. إذ لم تعد الدول تمتلك وحدها وسائل الإعلام، فثمة شبكة عنكبوتية عملاقة، تُحلّق عالياً، بعيداً عن قبضة السلطة.. والدليل أن سامح حسين، لو كان ذهب ببرنامجه "قطايف"، ومعه "صينية كنافة" هدية لشركة إنتاج، أو قناة فضائية، لكان نسْياً منسيّاً.. بينما وفّر له الإعلام البديل، عشرات المنصّات، التي جعلته يتفوق على شبكات تليفزيونية ضخمة، بمسلسلاتها ونجومها وبرامجها.. وملياراتها..!

ربما لم يتفوق "سامح" على المحطات في عدد المشاهدات والإعلانات، غير أنه تخطى الجميع، في الأهم والأصعب: القيمة.. التأثير.. والاحترام.. وإلا لما أشاد به علناً رئيس الدولة..!

قواعد اللعبة تغيّرت.. ومع ذلك نتشبّث بمعالجات قديمة ثابتة، لحالة جديدة مُتغيرة.. كأننا نأتي بفنّي إصلاح تليفزيون "نصر" قديم، لضبط "سوفت وير" كمبيوتر..!.. والكارثة الحقيقية، أننا نجلس بجانبه دائماً، انتظاراً لنتائج مُختلفة..!

إعلان

إعلان