مصور فوتوغرافي برازيلي شهير يبعث الحياة والأمل في منطقة عشوائية بإيطاليا
ريجيو إيميليا - (د ب أ):
أليس أمرا لطيفا أن تستيقظ من نومك ذات صباح لتجد الفنان المفضل لديك يتصل بك هاتفيا ليقول "إنني أعلم أنك تبحث عني، كيف يمكنني أن أقدم لك يد المساعدة ؟"
حسنا هذا بالضبط ما حدث لثلاثة نشطاء إيطاليين يقدمون خدمات مجتمعية لسكان حيهم، فقد نجحوا في إشراك المصور الفوتوغرافي البرازيلي الشهير سباستياو سالجادو - الذي يقوم بحملات من أجل نشر العدالة الاجتماعية - في مشروعهم للتطوير والتجديد الحضري.
وقالت خديجة لامامي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) وهي تسترجع المحادثة التي جرت بينها وبين المصور البرازيلي، "لقد تلقينا مكالمة هاتفية في صباح يوم أحد، وجاءنا على الجانب الآخر من الهاتف صوت يقول أنا سباستياو سالجادو، آسف على الإزعاج، إنني أعلم أنكم تبحثون عني، فأخبروني يا أصدقائي ما الذي يمكنني عمله لكم ؟".
وتدير لامامي بالاشتراك مع كلاوديو ميليولي وأليساندرو باترونشيني "بيناريو 49"، وهو مركز للخدمات المجتمعية يهدف إلى إنعاش وبث الحيوية في منطقة عشوائية ذات سمعة سيئة من مدينة ريجيو إيميليا بالشمال الإيطالي التي يعيشون فيها.
وتم افتتاح مركز الخدمات المجتمعية في سبتمبر من العام الماضي، غير أن التقدم الكبير الذي حدث في نشاطه جاء في شهر شباط/فبراير الحالي ، عندما حضر 1400 شخص افتتاح معرض "أفريقيا" البارز للصور التي التقطها سالجادو والتي لم تعرض من قبل في إيطاليا.
وكان هذا المعرض يعبر عن الوسيلة التي أراد بها هذا الفنان البرازيلي أن يساعد النشطاء الثلاثة، فقد أعارهم بدون مقابل 100 من الصور الفوتوغرافية التي التقطها، وجاءت هذه البادرة لأنه أعجب بفكرتهم الرامية إلى مكافحة التدهور والتردي الحضري عن طريق نشر الجمال والثقافة.
وكان العرض الذي قدمه سالجادو سخيا للغاية، ووجد النشطاء أن مركز "بيناريو 49" لا يمكن أن يستوعب هذا العدد الكبير من الصور الفوتوغرافية، مما اضطرهم إلى تقسيم عدد الصور إلى قسمين في كل منهما 50 صورة، بحيث يستضيف المركز نصف الصور ويستضيف النصف الآخر معرض فني آخر هو "سبازيو جيرا" بوسط مدينة ريجيو إيميليا.
ويعد سالجادو 75 عاما عملاقا في فن التصوير الصحفي ، كما كان في عام 2014موضوعا لفيلم وثائقي للمخرج السينمائي الألماني فيم فيندرز تحت عنوان "ملح الأرض".
كما تأتي الصور الفوتوغرافية التي التقطها الفنان سالجادو بالأبيض والأسود وطبعها بأحجام كبيرة، وتصور مناطق النزاعات حول العالم، من بين أكثر الصور حساسية وارهافا للعواطف في تعبيرها عن المعاناة الإنسانية وقدرة البشر على تخطي الصعاب.
واتصل سالجادو بكل من لامامي وميليولي بعد مرور شهر ونصف الشهر من محاولتهما الاتصال به، حيث خطرت لهما فكرة الاستعانة بالفنان وهما يتحدثان أثناء تناولهما طعام الغداء في مطعم صيني للوجبات السريعة.
ويقول ميليولي الذي لم يرد على الاتصال الأول وغير المتوقع للمصور البرازيلي لأنه جاء من رقم خاص لا يكشف عن هويته، إن العمل مع سالجادو "كان يتسم بالبساطة البالغة والتلقائية والشفافية".
بينما قال سالجادو في مقابلة مع صحيفة لا ريببليكا الإيطالية "ساعدنا صديق على التواصل مع النشطاء الثلاثة، واستمعت لما يقولونه، وأدركت أنهم يعملون شيئا على درجة كبيرة من الأهمية وعلى قدر بالغ من الإنسانية، وكان يتعين على أن أساعدهم".
ويبدو شكل مركز "بيناريو 49" مختلفا عن البيئة الكئيبة المحيطة به بمنطقة "فيا توري"، وهي حي فقير يقع بالقرب من محطة السكك الحديدية لريجيو إيميليا والتي ترتبط عادة بالجريمة والمهاجرين غير الشرعيين.
وتبلغ نسبة المهاجرين في هذا الحي 80% من إجمالي سكانه ويأتون من أكثر من 50 دولة، وعادة ما تصف وسائل الإعلام والأحزاب اليمينة المتطرفة مثل حزبي "الرابطة" و"فورزا نوفا" الحي بشكل مستهجن بأنه منطقة لا يمكن الذهاب إليها لخطورتها".
غير أن مركز الخدمات المجتمعية الذي تم افتتاحه في الحي بداخله بهو يراعي الاتجاهات الحديثة في الأثاث والديكور، مع مقهى وطاولات مصنوعة يدويا وحافل بأرفف الكتب، كما يقدم المركز مجموعة من الحفلات الموسيقية والمحاضرات والمسرحيات وأنشطة للتلاميذ في فترة ما بعد انتهاء اليوم المدرسي مخصصة لأطفال الحي.
ويقول ميليولي "إننا نود أن يصبح بيناريو 49 مكانا يجذب السكان من مناطق أخرى بالمدينة ، ويمكن أن يفخر به أبناء الحي حتى على الرغم من عدم زيارتهم له كثيرا".
وتدير مجموعة من المتطوعين المركز، حيث أن لامامي لديها عمل يومي في أحد المصارف، كما أن ميليولي يعمل أكاديميا في مجال الفيزياء الفلكية، وفي نفس الوقت يمارس هواية فن الخزف، ويعمل باترونشيني عادة في المنظمات الخيرية المخصصة لمساعدة ذوي الإعاقة.
ويقول باترونشيني "إننا نسعى لتغيير المفاهيم، وهذا الحي يشبه أحياء كثيرة في إيطاليا وأوروبا، حيث يتم تصويره على أنه يمثل مشكلة بأكثر من تقديمه على أنه يقدم فرصة".
بينما يقول سالجادو إنه قدم صوره الفوتوغرافية لمعرض "أفريقيا" لمركز بيناريو 49 لمساعدة الإيطاليين على النظر إلى الهجرة بطريقة مختلفة، خاصة وأن الرأي العام في إيطاليا يتجه بشكل متزايد صوب اليمين.
وأضاف سالجادو في مقابلته مع صحيفة لا ريببليكا" تتزايد مشاعر الخوف والعداء في بلدكم تجاه المهاجرين، وآمل أن يتمكن معرضي من أن يظهر للإيطاليين ما يكمن وراء عمليات الهجرة التي يخشونها ".
ويعد الخطاب المناهض للهجرة هو السبب إلى حد كبير في ارتفاع المكاسب السياسية التي حققها وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، والذي حقق حزبه "الرابطة" شعبية حتى في المعاقل اليسارية السابقة مثل ريجيو إيميليا.
غير أن لامامي التي تنحدر من أصل مغربي وانتقلت للعيش في إيطاليا منذ 35 عاما عندما كانت في الثالثة من العمر، مفعمة بالأمل والطاقة والإرادة حيال الحراك السياسي والاجتماعي في بلدها بالتبني.
وتقول إن "إيطاليا يعصف بها الخوف اليوم ، غير أنني أعتقد إن إيطاليا هي في الواقع دولة أفضل من الصورة التي يرسمها البعض لها حتى في الخارج، ويجب علينا أن نتحمل هذه اللحظة التاريخية التي نمر بها وأن نتغلب عليها".
ويستمر معرض سالجادو حتى 24 مارس المقبل.
فيديو قد يعجبك: