هل استخدمت حماس مواطني غزة كدروع بشرية في الصراع الأخير؟
كتبت – سارة عرفة:
قالت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية إنه بعد أسبوعين من انتهاء الحرب في غزة، تتزايد المؤشرات والشواهد على أن حركة حماس المسلحة استخدمت المناطق السكنية في القطاع غطاء لإخفاء إطلاق صواريخ صوب إسرائيل ولو بين حين وآخر، فحماس نفسها تعترف الآن بحدوث "أخطاء".
لكن الحركة تقول إن الخيارات أمامها في القطاع المكتظ بالسكان كانت محدودة، ومن ثم اتخذت تدابير وقائية لإبعاد السكان عن الصراع، وتقول إن العدوان الإسرائيلي الغاشم هو الملوم في سقوط مئات القتلى من المدنيين الفلسطينيين – بحسب الوكالة.
ونقلت الوكالة عن غازي حمد رئيس سلطة المعابر والحدود في قطاع غزة وأحد القيادات البارزة في حماس قال إن أراضي غزة من بيت حانون شمالا وحتى رفح جنوبا بمثابة سلسلة من المناطق السكنية المتصلة حولتها إسرائيل لمنطقة حربية.
المناقشات لا تدور حول إطلاق حماس صواريخ من مناطق مدنية بل عن مدى قرب مواقع الإطلاق من المباني السكنية.
حمد قال للأسوشيتد برس "ظل الإسرائيليون يقولون إن الصواريخ تطلق من مدارس أو مستشفيات،، فيما كانت تطلق في واقع الأمر من بعد 200 أو 300 متر.. رغم ذلك كانت هناك أخطاء وجرى التعامل معها بسرعة".
تصريحات حمد تعد أول إقرار من أحد مسؤولي حماس بأن الحركة أطلقت صواريخ - في بعض الأحيان- من أو بالقرب من مناطق سكنية أو منشآت مدنية.
المواجهة القضائية الدولية التي تختمر تثير عدة أسئلة محورية: هل عمدت حماس وبشكل ممنهج لإطلاق صواريخ صوب إسرائيل من منازل ومستشفيات ومدارس أملا في أن تتراجع عن الرد ، حسبما تزعم إسرائيل؟ أم أن إسرائيل استخدمت قوتها العسكرية بشكل مفرط ما نجم عنه سقوط مئات القتلى من المدنيين ممن لا جريرة لهم في العمليات العسكرية؟".
الإجابات قد تساعد في تحديد ما إذا كانت إسرائيل- أو حماس- أو كلاهما، متهم في النهاية بانتهاك قوانين الحرب الدولية في صراع خلف خسائر هائلة.
التقديرات الفلسطينية تشير إلى سقوط نحو 2200 قتيل فلسطيني- ثلاثة أرباعهم من المدنيين وبينهم ما يزيد على الخمسمائة طفل، بالإضافة إلى ما يزيد على أحد عشر ألف مصاب، ونحو مائة ألف شخص دون مأوى.
على الجانب الإسرائيلي سقط اثنان وسبعون قتيلا بينهم ستة مدنيين.
وقبيل تحقيق أممي في المسألة، نشر الجيش الإسرائيلي قدرا كبيرا من الشواهد والأدلة بينها صور أقمار صناعية وصور التقطت جوا لدعم مزاعمها بأنها تحركت بشكل مسؤول لتقليص الخسائر الفلسطينية البشرية للحد الأدنى.
ولفتت الوكالة إلى أن الجيش الإسرائيلي يؤكد أيضا أن حماس لم تبذل جهدا في المقابل لإخفاء سعيها لزيادة أعداد الضحايا في صفوف المدنيين الإسرائيليين.
خلال الحرب جمعت القوات الجوية الإسرائيلية العشرات من المقاطع المصورة توضح ما ترى إسرائيل أنها اعتداءات من جانب حماس.
تلك المقاطع المصورة - كثير منها منشور عبر موقع يوتيوب - تظهر على ما يبدو صواريخ اطلقت من أحياء سكنية وجبانات وساحات مدارس ومساجد.
هناك صور فوتوغرافية لمخابئ أسلحة تزعم إسرائيل أنها اكتشفت داخل مساجد وكذا أنفاق بين المنازل والمساجد والمنشآت يستخدمها المسلحون في عمليات الفرار.
يقول الناطق باسم الجيش الإسرائيلي ليفتنانت كولونيل بيتر ليرنر:" أعذار حماس شائنة.. ومضللة وتتناقض مع الأدلة التي قدمها جيش الدفاع الإسرائيلي والواقع الذي وثقه الصحفيون الدوليون على الأرض في غزة".
غير أن صورة بالأبيض والأسود التقطتها الأقمار الصناعية ونشرها الجيش الإسرائيلي نفسه، أكدت مدى صعوبة إثبات تلك النقطة.
يقول الجيش إن الصورة التقطت لحي الشيخ رضوان بمدينة غزة وتظهر أربعة مواقع لإطلاق الصواريخ قريبة من مدارس وحي سكني.
الجيش الإسرائيلي يقول إن صورا كهذه تعد دليلا على أن حماس استخدمت مناطق مزدحمة كغطاء معرضة المدنيين لخطر الغارات الإسرائيلية الانتقامية.
غير أن الصورة نفسها تشوبها فراغات كبيرة ولا تظهر أي دلالة واضحة على نشاط صاروخي، علاوة على أن قواعد الصواريخ نفسها تكون مخبأة في الغالب تحت الأرض.
الجيش الإسرائيلي رفض أن يوضح كيف وصل إلى استنتاجاته تلك.
وأسفرت زيارة للمنطقة هذا الأسبوع عن اكتشاف ثلاثة مواقع عسكرية منفصلة، ربما تستخدم كمواقع تدريب - أكبر بقليل من ملاعب كرة القدم وتقع بالقرب من مدارس حكومية.
المواقع الثلاثة محجوبة عن أعين المارة في الشوارع بحواجز حديدية، بيد أن أحدها كانت عليه لافتة الجناح العسكري لحماس "كتائب القسام" فيما وضعت على الثاني لافتة "الجهاد الإسلامي" .
القواعد الثلاثة كانت مهجورة، غير أنه أمكن رؤية مجسمات بشرية من الخارج وحواجز تدريب.
لم تكن هناك دلائل واضحة على وجود قاذفات صواريخ أو حفر في الأرض بالخارج، على الرغم من أن التربة بدت مختلة على نحو واضح إما نتيجة لنوع من الانفجار أو عبور شاحنات ثقيلة من النوع العسكري، فقد كانت هناك قطع من الخرسانة المهترئة متناثرة على الأرض، في الوقت الذي كانت فيه المباني المدرسية سليمة.
وتفرض حماس قيودا مشددة على الوصول إلى هذه المرافق، وكان من المستحيل وصول المصورين إلى هذه المواقع، التي أكدت اسرائيل أنها استهدفتها في الغارات الجوية.
حمد، المسؤول بحركة حماس، قال أن العديد من المباني التي ظهرت في التسجيلات المصورة الإسرائيلية كانت إما على مسافة آمنة من قاذفات الصواريخ أو أن المباني ظلت شاغرة خلال القتال.
خلال 50 يوما من القتال، شاهد الكثير من المراقبين انطلاق الصواريخ مما بدا مناطق حضرية.
أحد التسجيلات المصورة التي وزعتها وكالة أسوشيتد برس، على سبيل المثال، تظهر انطلاق صاروخ من وسط مدينة غزة من منطقة مجاورة لمسجد ومكتب رئيس وزراء حماس. وألحقت الغارات الجوية الإسرائيلية اللاحقة أضرار بالغة في كلا المبنيين.
كان هناك أدلة أخرى على استخدام حماس المنشآت المدنية: ففي بداية الحرب، أعلنت وكالة الأمم المتحدة التي تعنى باللاجئين الفلسطينيين أنها اكتشفت أسلحة مخزنة في مدارسها التي كانت خاوية خلال فصل الصيف".
وقال بيل فان إسفيلد، الباحث البارز في منظمة هيومان رايتس ووتش: "ليس هناك أدنى شك في أن المناطق السكنية استخدمت لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة".
وأضاف "ما نحن بحاجة إلى تحديده هو مدى قرب اطلاق الصواريخ من مبنى مأهول أو منطقة مدنية".
وربما لا يتم حسم هذه القضية بصورة نهائية حيث يقدم الطرفان المتنافسان روايات متعارضة حول سلوكهما في أكثر الحروب قتلا ودمارا من بين ثلاثة حروب نشبت منذ سيطرت حماس على غزة في عام 2007.
ويقول سامي عبدالشافي وهو فلسطيني أمريكي يمثل مركز كارتر في غزة "نعم .. ربما استخدمت حماس وأخرون المدنيين كدروع بشرية، ولكن هل كان هذا ثابتا وواسع النطاق؟. والسؤال هو ما اذا كان رد إسرائيل متناسبا".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: