هل يصبح السيسي "مارتن لوثر المسلم"؟
كتبت – سارة عرفة:
قالت وكالة أسوشيد برس الأمريكية إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استهل العام الجديد بدعوة مثيرة ''لثورة دينية'' في الإسلام لإصلاح مفاهيم الدين الراسخة منذ مئات السنين والتي قال عنها إنها جعلت العالم اسلامي مصدرا ''للدمار'' وحرضت ضده بقية دول وشعوب العالم.
ووصفت الوكالة الخطاب بأنه كان أجرأ طرح للسيسي حتى الآن في تصوير نفسه مجددا للإسلام. هدفه المعلن هو تطهير الدين من الأفكار المتطرفة، من التعصب والعنف، التي أذكت أيديولوجيا الجماعات من أمثال القاعدة والدولة الإسلامية - وهي ذات الأفكار التي تقف وراء هجوم الأربعاء على المجلة الفرنسية الساخرة والذي راح ضحيته 12 شخصا.
وأردفت الوكالة لكن أولئك الذين يتطلعون إلى ''مارتن لوثر'' مسلم لإحداث إصلاح جذري للإسلام قد يخفقون في تحقيق هذه الغاية - منطلقين من مقارنات زائفة. من الواضح إن السيسي يسعى إلى فرض تغيير من خلال الدولة، مستخدما المؤسسات الدينية الحكومية مثل الأزهر، الذي يعد أبرز مراكز الفكر والتعليم الإسلامي السني.
إلا أن رؤية الأزهر للتغيير، مع ذلك، تدريجية ومحافظة وتركز على الرسائل والتواصل، لكنها حذرة في تناول القضايا الأكثر عمقا والمثيرة للخلاف والجدال.
وأشارت الوكالة إلى أن المسؤولون في الأزهر أطلقوا قناة على موقع يوتيوب للتواصل مع الشباب في محاكاة واضحة لوسائل الإعلام المتطرفة التي نجحت في استقطاب الشباب غير المحصن. ويشيرون بفخر الى أن رجال الدين في أشرطة الفيديو يرتدون البدلة الرسمية بدلا من الزي الأزهري التقليدي، الجبة والعمامة، ليكونوا أكثر قبولا.
يقول محي الدين عفيفي، المسؤول في الأزهر إن الشباب ''لديهم تصور سلبي حيال هذا الزي. وما أن يشاهدوه حتى يتوقفون عن الإصغاء.''
وفي مسعى أكثر طموحا تخضع الكتب المدرسية الدينية للمراجعة الآن. وقال عفيفي إن بعض النصوص التي تتحدث عن الرق، على سبيل المثال، تم رفعها.
ولفتت الوكالة إلى أن المشكلة الكبرى في العالم الإسلامي هي إن المؤسسات الدينية الرسمية مثقلة بالركود وبسيطرة كاملة للسلطة عليها.
وأضافت الوكالة أنه على مدى عقود، فقد الأزهر مصداقيته في نظر الكثير من الشبان المسلمين الذين يرون فيه ناطقا رسميا باسم الدولة بدلا من كونه مترجما صادقا للمسائل الدينية. والأكثر جاذبية لبعض الشبان والشابات من المسلمين الباحثين عن هوية وانتماء في عالم سريع التغيير هي الدعوات المطالبة بالعودة الى جذور الدين، ومن بينها تلك الصادرة عن متطرفي القاعدة والدولة الإسلامية.
في خطابه الذي ألقاه في الأول من يناير الجاري في الأزهر مخاطبا رجال الدين المسلمين في يوم الاحتفال بمولد النبي محمد، دعاهم السيسي إلى تشجيع قراءة الكتب الدينية ''المستنيرة بحق'' لتصحيح المفاهيم الخطأ التي ترسخت في أذهان الأمة الإسلامية وتم تقديسها لمئات السنين.
ولكن أفكار كهذه، يشير السيسي، تتسبب في معاداة العالم بأسره ''يعني 1.6 مليار مسلم هيقتل السبعة مليار علشان يعيشوا، مش ممكن، احنا في حاجة إلى ثورة دينية''.
وقالت الوكالة إن الراديكاليون - وخصوم السيسي من تيارات الإسلام السياسي الذين لهم قاعدة واسعة من الأتباع المتدينين - نددوا بغضب بالسيسي، قائلين إنه يحاول إفساد الدين.
وحتى العلمانيين، الذين يدعون عادة إلى تفسير أكثر حداثة للإسلام، أبدوا استياءهم من المقاربة الرسمية للسيسي لمثل هذه القضية المعقدة.
فقد وصفت أمينة خيري، الكاتبة بصحيفة الوطن المؤيدة للدولة، الثورة الدينية التي يدعو إليها السيسي بأنها ''ثورة ختم نسر''.
وقالت في مقالها المنشور بتاريخ الخامس من يناير ''الثورات لا تنجزها القرارات ولا تسيرها الإملاءات ولا تحدد دفتها التوجيهات. والقدرة على التغيير لا تنبع إلا لو توافرت الرغبة، فما بالك لو كانت هناك مقاومة شديدة ومجابهة عنيفة وممانعة عاتية لهذا التغيير الذى يعتبرونه زلزالاً غير محمود العواقب وبركاناً غير محدد المعالم.''
بل إن المسؤولين الدينيين في الدولة يرفضون استخدام كلمة ''ثورة'' أو فكرة التغيير الجذري.
وأبلغ عفيفي، أسوشيتد برس أن السيسي لا يقصد تغيير النصوص، وهو ما سارع حتى السيسي نفسه بتوضيحه في خطابه.
وقال عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية ''ما قصده الرئيس هو أننا بحاجة إلى قراءة معاصرة للنصوص الدينية للتعامل مع واقعنا المعاصر.''
والمركز هو هيئة تابعة للأزهر يناط بها دراسة القضايا الإسلامية وتوفير الوعاظ لشرح الأمور الدينية للشرطة والجيش والمدارس والحكومة والشركات الخاصة. كما إنه مسؤول عن الرقابة.
وقال إن الأزهر يعمل بالفعل منذ أشهر على حملة من هذا القبيل، في أعقاب دعوات لتجديد الخطاب الديني يطلقها السيسي منذ حملته الانتخابية في مايو الماضي. وأضاف أن لجانا تفحص الكتب التي تدرس في المدارس والجامعات التي يديرها الأزهر في أنحاء مصر لإزالة الأشياء التي ''لا مكان لها في الحياة المعاصرة''. وتابع أنه قد أزيلت، على سبيل المثال، النصوص المتعلقة بالرق ورفض تحية المسيحيين واليهود.
وقال عفيفي إن المواقف المتعلقة بقضايا مثل الرق والجهاد والعامل مع غير المسلمين تبناها علماء قبل خمسة قرون في سياق تاريخي معين. وأضاف ''هذه كانت آراء العلماء، وهذه التفسيرات ليست مقدسة.''
وثمة دفعة أيضا لتشجيع النعرة الوطنية التي يراها المسؤولون سبيلا لتخفيف النزعة الدينية. فالسيسي هذا الأسبوع حضر قداس عيد الميلاد للأقباط الأورثوذكس وأعلن أن المصريين يجب ألا ينظروا إلى بعضهم بعضا كمسيحيين ومسلمين، وإنما كمصريين.
ودشن شيخ الأزهر حملة في المدارس والجامعات تروج لرسالة أن ''حب الوطن من الإيمان''، بحسب عفيفي الذي قال إن الأزهر يعتزم استحداث منهج جديد للثقافة الإسلامية في جميع الجامعات المصرية.
وبالنسبة للسيسي، فإن القوة الدافعة لحملته للتحديث لا تنبع فقط من العنف الذي تمارسه الجماعات المتطرفة في أنحاء الشرق الأوسط والعالم، بل تضرب بجذورها في تنافسه السياسي مع الإخوان المسلمين. فقد قاد السيسي، حينما كان وزيرا للدفاع، الإطاحة برئيس منتخب من الإخوان المسلمين في 2013، ومذ ذلك الحين تتخذ مصر إجراءات صارمة ضد الإسلاميين، حيث قتل المئات منهم في اشتباكات الشوارع وسجن المئات.
ولمواجهة مزاعم الإسلاميين بالتدين، قدم السيسي نفسه طوال فترة صعوده كشخصية تقية تدعو إلى الإسلام الوسطي.
وفي الوقت نفسه، لم تظهر حكومته تسامحا يذكر مع المعارضة من أي نوع. ويثير هذا مشكلة رئيسية مع ''الثورة الدينية - وهي أن سيطرة الدولة على الإصلاح الديني قد لا تؤدي إلا إلى خنقه. ودائما ما يزعم الأزهر أن قلعة الإسلام ''الوسطي''، لكنه تحرك لإسكات التفسيرات التقدمية مثلما يفعل الراديكاليون كثيرا.
وقال عمر عزت الباحث الإسلامي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ''أي تحديث ديني سيكون حتما ضد الأزهر، حيث أنه قلعة المحافظة في النظام.'' وأضاف ''سلطة الدين على الحياة المعاصرة والقانون هي ما تجب مراجعته. ما نحتاجه هو حرية أن يكون هناك أكثر من خطاب ديني لإثراء النقاش، لأن التعددية محظورة.''
وتجعل سيطرة الدولة على الأزهر الأشخاص الأكثر ميلا للتشدد الأقل ترجيحا للاستماع.
وقال إتش.إيه هيلير، الزميل بمركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز في واشنطن أنه إذا جاهر شيخ الأزهر بالحديث ضد التشدد - مثلما يفعل كثيرا ''لن يتأثر بذلك أحد ممن لديهم ميل لتفسير عنيف (للأمور). سيقولون : إنما أنت حليف للدولة وليس شخصية مستقلة بحق.''
ويقول، مثلما يقول عزت، إن الأصوات المستقلة هي فحسب التي يمكن أن تقدم رواية مضادة للفكر المتشدد. لكن السيسي لا يظهر أي بادرة على السماح بذلك، بحسب هيلر.
وأضاف أن فكرته عن الإيمان ''هي شيء منصاع لاحتياجات الدولة وليس مستقلا.''
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: