هل انتهت حقبة "ميركل الحديدية"؟
كتبت- هدى الشيمي:
في زيارة لمدرسة ألمانية بشهر يوليو الماضي، التقت المستشارة الألمانية أو امرأة ألمانيا الحديدة انجيلا ميركل بالطفلة الفلسطينية ريم سحويل، لاجئة فلسطينية جاءت من لبنان، والتي قالت إن عائلتها تخشي أن تٌرفض طلبات اقامتهم، ثم بدأت في البكاء، فردت عليها في أسف شديد وقالت لها إن ألمانيا لا تستطيع استقبال كل الناس، بحسب ما ورد في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وبعد دقائق انتشرت القصة، وانتقلت من مكان لآخر، وأثبتت للكل أن ألمانيا وقادتها قساة القلب، مثلما أثبتت أيضا طريقتهم في التعامل مع الأزمة الاقتصادية اليونانية ذلك، وعلى الرغم من ذلك ما تزال ميركل، بتصرفاتها، وطريقتها الساخرة، ورباطة جأشها المبهمة، والتي تحولت إلى علامة تميزها، أن تكون من أقوى الشخصيات السياسية.
تقول الصحيفة إن ميركل عقدت اجتماعها السنوي بعد أسابيع، وعلم الجميع أن ألمانيا وضباط الهجرة لديهم الاذن بالسماح للاجئين السوريين بالدخول إلى أراضيهم، حيث قالت المستشارة الألمانية "ألمانيا دولة قوية ونحن نستطيع فعل ذلك".
انقلبت الموازين منذ ذلك الوقت، وتحولت ميركل من "ميركل قاسية القلب"، لـ"الأم ميركل"، ويتساءل الألمان الآن هل انتهي عصر قوة وحديدية ميركل؟ ، فلم يتعرف الألمان إلا على ميركل القاسية، العقلانية جدا، الخالية من العواطف، فعلى سبيل المثالث ألقت مؤخرا كلمة في حفل للسيرة الذاتية للمستشار الألماني جيرهارد شوردر، والذي حضره بدوره، وملئت الصحافة والإعلام الغرفة، لتوثيق تلك اللحظة التاريخية التي تلتقي فيها ميركل بشوردر، والذي قابلها من قبل بمنتهى التكبر والتعالي، والذي تفوقت عليها في الانتخابات عام 2005.
تشير الصحيفة إلى أن ميركل لم تغفر، وقررت الانتقام، وتعليقها على شرودر كان الأفضل، ففي جمل محترمة ومهذبة وساخرة، ولكنها كانت جافة جدا استطاعت تلقينه الدرس.
استطاعت ميركل بكل مقوماتها أن تكون "أبو الهول" في السياسة، فهي تستطيع أن تفصل نفسها تماما عن كافة العناصر المحيطة بها في برنامج حزبها الانتخابي، على سبيل المثال الطاقة النووية، وخطة تطوير الجيش الألماني، كما جعلت طريقتها في التعامل مع الأزمة اليونانية منها امرأة حادة وعملية.
لذلك كانت جملة "نحن نستطيع أن نفعلها" – التعامل مع أزمة اللاجئين-غريبة على اذان الألمان، فهي بعيدة كل البعد عن اسلوبها، فلا يوجد فيها أي سخرية أو انفصال، أو برود، ولكنها تشبه الطريقة الأمريكية، وأسلوب الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
تؤكد الصحيفة أن مسألة التحول المفاجئ لميركل مهمة، لأنها وفي خلال عشرة أعوام حكمت فيهم ألمانيا، أصبحت التعويذة الألمانية، والمعيار الجديد، أعجب المواطنين بطريقتها غير الإنسانية في التعامل مع الأمور، والتي تمكنت من خلالها تعزيز قوة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، وفي فصل الصيف عندما تذهب إلى عطلة على جبال الالب، وتنشر صور لها، بشعر غير مرتب وسترة منفوخة، وتبدو كامرأة في منتصف العمر، تصارع للوصول لقمة الجبل برفقة زوجها.
أصبحت ميركل ألمانيا، وألمانيا هي ميركل، مما يعني إن انتهاء الحقبة الحديدية الخاصة بها، فهذا يعني انتهائها كذلك لألمانيا، ولمواطنيها جميعا، وترى الصحيفة أن البلد الآن تعاد سياستها، وأصبحت السخرية والقوة وعدم الاهتمام كالرفاهية التي لا يستطيع الشعب تحملها بعد الآن.
وعلى الرغم من إنها تسير على الخطى الصحيحة لأول مرة، إلا أنها ولأول مرة منذ سنوات تفقد مؤيديها وداعميها، فتنقل الصحيفة عن استطلاعات رأي نٌشرت الأسبوع الماضي، أن حوالي 45% فقط من الشعب يعتقد إنها ستتمكن من التعامل مع أزمة اللاجئين، وفي شهر سبتمبر كانت النسبة حوالي 50%، ففي الوقت الذي تتبع فيه ميركل ما يقوله لها قلبه، تفقد قلوب وعقول المصوتين.
وتختتم الصحيفة قولها بالإشارة إلى أن ما يحدث في ألمانيا قد يكون نهاية مرحلة السخرية أو القوة، ولكنه بالتأكيد نهاية البراغماتية، ويمكن أن تتحول ميركل وتعود كما كانت من قبل، ولكنها وفي كل الأحوال كل ما تحتاج إليه ألمانيا.
فيديو قد يعجبك: