باحث أمريكي: الخطأ في تقدير الأولويات وراء فشل إدارة أوباما في الشرق الأوسط
واشنطن- أ ش أ:
عزا الباحث الأمريكي روبرت ساتلوف فشل السياسة الأمريكية في سوريا إلى خطأ في تقدير الأولويات وتقديم الملفات العاجلة كـتحجيم ''داعش'' على الملفات المُهمة بحق كـطموحات ''إيران وروسيا''.
وتساءل في مستهل مقال نشرته مجلة الـ (أمريكان إنتريست)، عما إذا كانت إدارة أوباما تدعم هذا الوجود العسكري الروسي الجريء في سوريا أم تعارضه؟ ورأى ساتلوف أن الإجابة على هذا التساؤل صعبة: فمن ناحية، أعرب الرئيس أوباما عن انتقاد خجول لروسيا في خطابه بالأمم المتحدة بقوله ''بعض القوى الكبرى تبرهن على نفسها بطرق تتعارض والقانون الدولي''.. لكن من ناحية أخرى، أشاد وزير الخارجية جون كيري بـ ''المبادئ الأساسية'' التي تجمع بين واشنطن وموسكو في سوريا، كما وقف إلى جانب نظيره الروسي في مؤتمر صحفي بعد ساعات فقط من غارات روسية ضد قوات معارضة لنظام بشار الأسد ولكنها ليست مناصرة لـداعش، فيما يعتبر رسالة واضحة بـأولويات موسكو في تلك الحرب.
والتمس ساتلوف العذر لحلفاء أمريكا في الإقليم إذْ يرون قبول أوباما استمرار نظام الأسد على نحو مفتوح، بمثابة مباركة لاستعراض القوة من جانب محور ''روسيا - إيران'' في الدفاع عن الرئيس السوري المنكوب.
وتساءل الكاتب الأمريكي: كيف وصلنا إلى تلك الحال من الفوضى؟ وكيف تحول الغضب الأمريكي الطبيعي إزاء ظهور وحشية تنظيم داعش وعدميته إلى: رضوخ للتحدي الروسي المباشر والأخطر للهيمنة الأمريكية عالميا على مدى أربعة أعوام، وإلى قبول بلامبالاة لوجود قوات وأسلحة إيرانية على ساحل المتوسط، وإلى استعداد لشرعنة استمرار حكم طاغية محموم مسؤول عن قتل قرابة ربع مليون إنسان وتشريد نحو نصف أبناء بلاده؟.
ورأى ساتلوف أن الجواب يكمن في أن تلك السياسة هي امتداد منطقي لمبدأ طالما كان في القلب من نهْج الرئيس أوباما إزاء الشرق الأوسط على مدار السنوات السبع الماضية.. تلك هي الفكرة التي كان العالم خصصها للتاريخ تحت اسم ''تهديدات القرن العشرين'' للسلام العالمي، وخصوصا: النزوع إلى القوة والتباهي والثراء من جانب دول شرهة.. وقد خلّفت هذه الفكرة في أعقابها ''تحديات القرن الحادي والعشرين'' الخطرة والمختلفة متمثلة في الدول الفاشلة والتغير المناخي وغيرها.
وعلى النحو الذي طبقّتها به إدارة أوباما، استتبعت تلك الفكرة ثلاث نتائج مباشرة: أولها، اتباع نهج إدارة جورج بوش الإبن والرأي العام الذي ساد في أعقاب هجمات 11 سبتمبر والذي يرى أن إرهاب الجهاديين السُنيين الذين مثّلهم تنظيم القاعدة ثم داعش من بعده بمثابة تهديد يموّله فسادُ أنظمة سُنية تتبنى أفكارا متطرفة وتمثل تهديدا وجوديا للغرب، وفي سبيل التصدي لهذا الخطر يحق لأمريكا أن تنشر قواتها العسكرية ولكن بطرق مقننة موّجهة ومحددة.
هذا التقنين متعلق بالنتيجة المباشرة الثانية، وهي أن أمريكا لا تستطيع ولا ينبغي لها أن تمارس القوة في التصدي لتهديدات الفوضى بنفس الطريقة التي استخدمت بها القوة للتصدي للمعتدين التقليديين.
لكن عالم القرن الحادي والعشرين هو أيضا زاخر بالفرص وليس فقط بعمليات التحديد والتقييد، إحدى تلك الفرص كانت النتيجة المباشرة الثالثة وهي فرصة إعادة إيران إلى الحظيرة الدولية حيث يمكن تحويلها من دولة راديكالية مارقة تسعى لامتلاك سلاح نووي إلى أخرى تتبع النظام العالمي وتكون شريكا بحكم الواقع في الحرب على الجهاديين.
وقال الباحث إن كل هذه الأفكار خاطئة.. وفيما يتعلق بإيران، فأيا كانت الحكمة وراء اتفاق يستهدف تعطيل طموحها النووي، فإن مجرد التفكير في مشاركة نظام خامنئي لأمريكا في تحقيق أي هدف مشترك هو في حد ذاته أمر يثير السخرية.
ورأى أن أصعب ما في تلك الأفكار الخاطئة على الأمريكيين هو إدراك الحجم الحقيقي للخطر الإرهابي الذي تضخّم على مدى إدارتي بوش الإبن وأوباما ليشمل كل الهجمات سواء كانت كارثية أم محدودة، وكانت النتيجة التي ترتبت على ذلك هي صعوبة التمييز بين إرهاب يمكن أن يهدد نسيج الدولة الأمريكية على نحو يستلزم معه حشْد الإدارات المتعاقبة لكافة القوى العسكرية والاستخباراتية وغيرها لمواجهته، وإرهاب آخر مهما كان مروعا فهو غير مقبول وهو أيضا ثمن حتمي لقيادة ديمقراطيات العالم الليبرالية.
وتساءل ساتلوف عن موقع تنظيم داعش من هذا الخطر الإرهابي وإلى أي نوع من الاثنين يتنمي؟ ورأى أن قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات ضد أمريكا على غرار 11 سبتمبر لا تزال بعيدة اليوم ولا يبرهن نجاح التنظيم في السيطرة على مساحات شاسعة في غرب العراق وشرق سوريا على قدرته على شن هجمات ضد أمريكا في الوقت الراهن.
وقال إن القضاء على داعش مع ذلك قد يكون هدفا مُلحّا، ولكن ثمة فارق بين أن يكون الشيء مُلحّا وأن يكون ذا أولولوية مهمة.
وشدّد ساتلوف على أن الأولوية المهمة في هذا الصدد تتمثل في منع تحالف ''روسيا - إيران'' من تقويض نظام الأمن الإقليمي عبر تدشين وجود أمني ضخم في سوريا يمكن من خلاله للدولتين منفصلتين أو مجتمعتين أن تسعيا للهيمنة على بلاد الشام على نحو تتفاقم معه أزمة اللاجئين بينما يضمن لهما ولأصدقائهما سلامة مصالحهم.
وعليه، فإن الفرضيات الخاطئة لإدارة أوباما قادت إلى تحليل يخطئ في قراءة الموقف في الشرق الأوسط وانتهاج سياسات تخطيء في تقدير الأولويات إذْ تُقدّم الأمور المُلحة العاجلة (تحجيم داعش) على الأمور المُهمة (منع القوى المناوئة لكل من أمريكا والغرب من إعادة ترتيب النظام الأمني في الشرق الأوسط لصالحها).
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: