لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الملك فيصل لاعبًا أساسيًا وقائدًا للتحرك العربي في ملحمة أكتوبر73

12:31 م الثلاثاء 06 أكتوبر 2015

الملك فيصل

كتبت- أماني بهجت: 

لم تكن حرب أكتوبر 1973 م انتصارًا لمصر وحدها، وإنما كانت انتصارًا للعرب جميعًا، ووقوف الأشقاء العرب إلى جانب مصر، ومن الدول المحورية في المنطقة والتي لعبت دورًا كبيرًا في انتصار أكتوبر كانت السعودية، فبمجرد أن عَلِم الملك فيصل بساعة الصفر وبدأت الحرب أضحى شريكًا أساسيًا في المعركة، ما بين دعم لوجستي ودعم معنوي، حتى كان الانتصار.

قرر الملك فيصل –رحمه الله- استخدام أحد أهم الأسلحة في هذه المعركة، وهو سلاح البترول وذلك في الـ17 من أكتوبر، حيث دعا لاجتماع لمجموعة "الأوبك"، وزراء البترول العرب، في الكويت واتخذوا قرارًا بتخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5% على الفور، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر وحتى انسحاب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1976م، وقررت ستة من الدول البترولية من الأوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70%، بالإضافة إلى حظر تصدير البترول كليًة إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل متضمنة الولايات المتحدة الأمريكية.

بالإضافة إلى استخدام سلاح البترول، لوّحت السعودية بتهديدات دبلوماسية حلو مستقبل العلاقات السعودية-الأمريكية وذلك حينما استدعى الملك فيصل بن عبد العزيز السفير الأمريكي في السعودية –آنذاك- وأبلغه رسالة شديدة اللهجة لتوجيهها للرئيس الأمريكي مفادها: أنه إذا استمرت الولايات المتحدة على نفس النهج في مساندتها لإسرائيل، فإن مستقبل العلاقات السعودية-الأمريكية سيتم إعادة النظر فيه، ثانيًا ستقوم السعودية بتخفيض إنتاجها بنسبة 10% وليس فقط 5% كما قرر وزراء البترول العرب، ثالثًا لمّح الملك فيصل –رحمه الله- إلى احتمال وقف شحن البترول السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في حال لم يتم التوصل إلى نتائج حاسمة وملموسة للحرب المشتعلة.

وقد اعتبر هنري كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة، أن القرارات الصادرة من الملك فيصل ماسة بكرامة وهيبة الولايات المتحدة كقائدة للعالم، فقد أثاره أن العرب أعطوا أنفسهم الحق في استخدام البترول كسلاح، ورغبتهم في السيطرة على الغرب، كما أن هذه المرة الأولى في التاريخ أن يعطي منتجي البترول لأنفسهم حق تحديد سعر البترول.

وجاء الرد من الولايات المتحدة الأمريكية في 20 أكتوبر، حيث أعلنت أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة، وجاء الرد العرب مزلزلًا حيث أعلنت الدول العربية في اليوم نفسه حظر تصدير تمامًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي رد حاسم للملك فيصل بن عبد العزيز، وبعد إعلان قرار حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة، أعلن أن الحظر لن يرفع حتى تنسحب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي تم احتلالها في 1967م.

استكمالًا للدور العربي في ملحمة أكتوبر، وصدرت الأوامر للقوات السعودية المسلحة والحرس الوطني، للمشاركة في معركة تحرير الأرض العربية وامتزج الدم السعودي مع الدماء العربية في مصر وسوريا دفاعًا عن الشرف والكرامة من أجل استرداد الأرض وتحرير المقدسات الإسلامية، وتفقد الأمير سلطان بن عبدالعزيز أرض المعركة في أحد الخنادق على الجبهة المصرية.

كان ذلك قرارًا سعوديًّا شهيرًا يتفق وحجم المملكة وثقلها على الصعيد العربي والإسلامي والدولي، كان موقفًا لا يبارى وتحديًا حضاريَّا وتاريخيًّا لا يُنسى، وقبل كل شيء وبعده كان موقفًا إسلاميًّا مهمًّا، فجاء النصر من عند الله في حرب رمضان المبارك التي عبرت عن التضامن العربي والإسلامي بشكل كبير كان نواته الالتحام السعودي المصري.

ومع ظهور آثار أزمة النفط في الولايات المتحدة ولدى حلفائها واضحة في الطوابير عند محطات التزود بالوقود، أسرع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية لزيارة الرياض في 8 نوفمبر 1973م، علَّه يحصل على وعد باستئناف تصدير النفط، وطوال نحو أربع ساعات قضاها في مباحثات مع الملك فيصل أولا ثم مع عمر السقاف وزير الشؤون الخارجية السعودية لم يسمع إلا عبارات قوية وسياسة واضحة مفادها أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة ويعود بعدها تصدير النفط.

سلسلة من المفاوضات الشاقة بين الملك فيصل والوزير الذي يسعى جاهدًا لإقناعه برفع حظر النفط بينما يتمسك العاهل السعودي بأن تعلن الولايات المتحدة في الحال أن إسرائيل يجب أن تنسحب من الأراضي التي احتلتها، وأن تتعهد الولايات المتحدة بأنها ستتخلى عن تأييد إسرائيل إذا لم تنفذ هذه الخطوات، وقال الملك فيصل لكيسنجر: "أنا متأكد بأن إسرائيل ستنسحب في اللحظة نفسها التي تعلنون فيها أنكم لن تحموها، ولن تدافعوا عنها، ولن تدللوها. ولن يكون هناك سلام واستقرار إذا لم تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وأن تتعهد الولايات المتحدة بأنها ستتخلى عن تأييد إسرائيل إذا لم تنفذ هذه الخطوات. نحن نرى أن إسرائيل عبء على الأميركيين. إنها تكلفكم كثيرًا."

ومن جانبه، حاول كيسنجر اقناع الملك فيصل بأن الولايات المتحدة قد بذلت جهودًا مضنيًة بعد حرب أكتوبر 1973م وعددها قائلا: "أوقفنا إطلاق النار، رغم أن الإسرائيليين كانوا يريدون استمرار القتال وأنقذنا الجيش المصري الثالث، وأكدنا وقف إطلاق النار"، كما كشف كسينجر للملك عن قرار سري أمريكي وهو إيقاف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل اعتبارًا من منتصف نوفمبر 1973م.

وحاول كيسنجر جاهدًا أن يوضح للملك الوضع الداخلي للولايات المتحدة المعقد وسيطرة اليهود على الكثير من مراكز القرار فيه في ضوء جماعات الضغط الداخلية، وقال "إن كثيرًا من الأمريكيين في مواقع مهمة في الحكومة وفي الكونغرس يرون أن مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل متطابقة، ستواجه جهودنا مشكلات في أمريكا إذا استمر حظر تصدير النفط، وإذا اضطررنا لبيع بنزين السيارات ببطاقات، وإذا اضطررنا لتخفيض بيع غاز التدفئة للمنازل، والشتاء على الأبواب، سيؤدي هذا إلى ثلاثة أشياء: ستقل قوة الرئيس نيكسون لأن أعداءه سيحملونه المسؤولية، وستستغل قوى معينة الموضوع لزيادة غضب الأمريكيين على العرب، وستزيد المشكلة تعقيدًا لأن هذه القوى تتمتع بنفوذ كبير في الصحف والتليفزيونات."

وجاء رد الملك واضحًا: "أقدر توضيحاتكم المعقولة، لكني في الوقت نفسه، آمل أن تقدروا موقفنا، ما كان قرار وقف تصدير النفط قرارًا فرديًا من جانبنا، ولكنه كان قرارًا عربيًا جماعيًا. نحن جزء من العائلة العربية، أريد منكم الالتزام بانسحاب إسرائيل، لأذهب إلى إخواني العرب، وأقول لهم ذلك، وأريد بالإضافة إلى ذلك شيئين، أولاً: السرعة. ثانيًا: إعلان موقفكم علنًّا".

وبعد ما أدرك كيسنجر أنه لن يحصل على أي مما جاء من أجله قال في نهاية اللقاء: "أفضل أن يضع جلالتكم في الاعتبار، بعد مغادرتي هذا المكان، أن الضغوط ستعرقل جهودنا، إذا لم تجعلها مستحيلة، وآمل أن يقدر جلالتكم الجهود التي قمنا بها حتى الآن أوقفنا إطلاق النار، وأنقذنا الجيش المصري الثالث، وأكدنا وقف إطلاق النار، وسنوقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل."

وفي ديسمبر 1973م استمر الملك فيصل يبذل جهوده ويرسل رسائله للإدارة الأمريكية سواء وزير الخارجية أو الرئيس الأمريكي وذلك لحثهما على القيام بدورهما والضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في 5 يونيو 1967م.

وعند تهديد الدول الغربية باستخدام القوة للسيطرة على منابع البترول، قال الملك فيصل: "ماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موت أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهدًا في سبيل الله؟ أسأل الله سبحانه أن يكتب لي الموت شهيدًا في سبيل الله."

وأكمل قائلًا: لقد عاش آبائي وأجدادي مئات السنين على ثمار النخيل، ونحن مستعدون أن نعود للخيام ونعيش مثلهم، ونستغني عن البترول."

في الوقت الذي كان مؤيدو إسرائيل يتحدثون أن العرب " يقدرون على أن يشربوا نفطهم، أو يسبحون فيه. نحن لا نحتاج له" كانت هذه سياسة الملك فيصل، وقال أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل لأعضاء من الكونجرس إن حظر تصدير النفط لا يعني أي شيء. وإن الأمريكيين لا يحتاجون للنفط السعودي، وإن السعوديين ثلاثة أسابيع من وقف تصدير النفط، سيعودون فقراء. ودعا بعض الأمريكيين لمنع القمح عن السعوديين لأنهم قطعوا عن الولايات المتحدة النفط.

ومع استمرار الملك فيصل في استخدام كل الأوراق للدفاع عن القضية العربية والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة وكثيرًا ما أرسل للملوك والرؤساء في كل دول العالم لحشد جهودهم لعدالة القضية.

وزار الملك فيصل بن عبدالعزيز مصر بعد النصر وطاف موكبه في عدد من المدن المصرية في استقبال شعبي بهيج، وقد رفعت رايات ترحيب كان من ضمنها لافتة (مرحبًا ببطل معركة العبور "السادات" وبطل معركة البترول "فيصل").

وجاءت حرب العاشر من رمضان –السادس من أكتوبر- بنتائجها العسكرية والسياسية لتثبت حقيقة استراتيجية هامة ألا وهي: أن لقاء المملكة ومصر على استراتيجية واحدة ممثلة في التنسيق الشامل يمكن أن يحقق الكثير للأهداف والمصالح العربية العليا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان