إعلان

روسيا تكرر أخطاء الحرب الباردة وعليها التعلم من سياسة عبدالناصر في سوريا

05:11 م الأربعاء 07 أكتوبر 2015

جمال عبد الناصر

كتب - محمود سليم:

حرب باردة جديدة توشك القوى العالمية على الوقوع فيها بسبب سوريا، وسط صراع بين سياسة أمريكية ضعيفة قد تكون جزءًا من تراجع استراتيجي شامل في المنطقة، ونفوذ روسي متزايد مع حليفه القديم.. فهل ستضطر موسكو لاتباع سياسة الرئيس جمال عبد الناصر في دمشق؟ أم ستكرر أخطاء الماضي؟

وتشير مجلة فورين بوليسي الأمريكية، ضمن تحليل كتبه ديفيد ليش، الصحفي بالمجلة، إلى أن روسيا يجب أن تتبع سياسة ناصر في سوريا التي انتهت بالوحدة العربية 1958، وكسب منفذًا لها جيدًا في قلب المنطقة.

ويحكي الكاتب، "ذهبت عام 1989 إلى اللاذقية لأول مرة، لعمل دراسة عن الصراع الأمريكي السوري في خمسينات القرن الماضي، وجلست في فندق جانب الشاطيء الذي رست عليه سفينة حربية روسية، ولكن في اليوم التالي، استيقظت بسبب سلسلة انفجارات، اتضح بعد ذلك أنها في السفينة القريبة.. لا أدري هي حادثة، أم قصف إسرائيلي، أو هجمات أمريكية، لا أحد يعرف ماذا حدث".

ويضيف الكاتب "بعد يومين وخلال عبوري إلى تركيا، شاهدت الطائرتين السوريتين، الذان ضربا السفينة الروسية وقتلا اثنين من طاقمها.. ولكن المُحير أن الاتحاد السوفيتي ظل لفترة طويلة يدعم النظام السوري، وهو ما يجعلنا نفكر "أهو تصرف غير مسؤول من طيارين غير أكفاء، أم هي رسالة من حافظ الأسد لجورباتشوف (رئيس الاتحاد السوفيتي وقتها) تخبره عدم رضاه عن سير العلاقات بينهما، خاصه مع وعد موسكو للغرب بالضغط على دمشق في عملية السلام مع إسرائيل؟"

وحتى يومنا هذا لا يعلم أحد الحقيقة، ولكن أيًا كان السبب، فإن هذه الضربات تكشف العلاقة المعقدة بين موسكو ودمشق على مر العصور، ويوضح الكاتب "احتاجت روسيا دمشق كمنفذ في قلب الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة، بينما تستفيد الأخيرة من السلاح الروسي ضد إسرائيل وحلفاء أمريكا الأخرين.. "ومن المهم أن نتذكر هذه الأيام الآن".

وتشير المجلة، إلى عودة الدب الروسي إلى اللاذقية مرة أخرى، بإرسال قاعدة خارج المدينة تضم: 30 طائرة حربية، وقاعدة صواريخ أرض جو، وطائرات استطلاع بدون طيار، ودبابات تي-90، ومقاتلين على الأرض.. "هذا أكثر من تواجد رمزي.. وفي الواقع، فإن الطيران الروسي قذف عدة مواقع للمعارضة في حمص، ظلت طوال الأشهر الماضية في حرب من نظام الأسد".

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في رسالة حاسمة للدول الداعمة للمعارضة السورية؛ أن موسكو لن تترك النظام السوري يسقط، مضيفًا "على ذلك فإنه إذا قررتم الاستمرار في دعم المعارضة، عليكم الانتظار طويلًا.. وإذا توقفتم فيجب تحويل جهدكم إلى إنهاء الحرب الدائرة، عن طريق دعم النظام السوري بدلًا من الإرهابيين (وهو المصطلح الذي تطلقه موسكو على معارضي النظام السوري).

وتوضح المجلة أن هذه ليست المرة الأولى التي تلعب فيها قوى خارجية عبر مدينة اللاذقية، "يجب أن تتوقف موسكو عند 1957، عندما كانت اللاذقية نقطة دخول 20 ألف جندي مصري لمساعدة سوريا في غزو تركي محتمل".

وتشير إلى أنه، على كافة المستويات، عاشت سوريا فترة مضطربة بعد الاستقلال، استغل فيه الجميع هذا التمزق لمصلحته.

وشهدت سوريا حينها بحسب تحليل الكاتب، "خصومات سياسية محلية، ونمو القومية العربية بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، النضال من أجل سوريا بين العراق ومصر والسعودية، وزيادة حدة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مع قلق إسرائيل المتزايد"، كل هذا ساهم في توطيد العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي وسوريا.

وفور انتهاء الأزمة الروسية الأمريكية عام 1957، كشفت المخابرات السورية مؤامرة أمريكية سرية لإسقاط النظام في دمشق، "ويبدو أن حكومة أيزنهاور كانت قريبة من حليف خطير للاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط"، ولكن هذا الوضع جمع صفوف القوى المحلية والإقليمية والدولية للعمل في سوريا.

وخلال هذه الأزمة، أعلنت مصر والاتحاد السوفيتي أنهم كانوا يحاولون الحفاظ على سوريا من أنشطة الغرب الخبيثة، ولكن ومع تطور الأحداث، أصبح واضحًا أن الأهداف تغيرت، حيث عمل ناصر بجهد على عدم انضمام سوريا للغرب، وبالتالي عزلة بلاده في المنطقة، وتفوق العراق منافسه الإقليمي في ذلك الوقت، وخوفًا من تحول سوريا إلى معسكر أخر بعيد عن الاتحاد السوفيتي، شريك ناصر الاستراتيجي ولكنه "غير المستقر".

وتشير المجلة إلى أنه في النهاية فاز عبد الناصر بتحالفه مع سوريا التي قدمت نفسها "عن طيب خاطر" تحت قيادة عبد الناصر ضمن تحالف عربي مشترك (الجمهورية العربية المتحدة)، وهذا يعني بالتأكيد تحسن العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، ولكن مصر كان لها الأفضلية التي اعطتها مميزات عديدة.. "لهذا يجب أن يتوقف التاريخ عند 1958 وتتعلم روسيا من عبد الناصر".

ويذكر تاريخ العلاقات الروسية العربية أنه "كان يجب أن تفعل روسيا في ذلك الوقت ما فعله عبد الناصر، ولا ترتكب نفس الخطأ مرتين"، عليها الأخذ بزمام المبادرة وإدخال قوات في سوريا وتدعيم النظام السوري لتأمين المصالح الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط.

ولكن التاريخ أيضا يحذر بحسب المجلة "من أن ناصر تعلم بالطريقة الصعبة، حيث أن اللعب بورقة سوريا يمكن أن يكون كارثة"، موضحة بعد "إنقاذ" سوريا، أصبح ناصر يسير بجانب سوريا التي اتحدت معه، ومع زيادة الانقسامات في المنطقة العربية، وعلى الرغم من الشعبية الهائلة للناصرية، فإن هذا كان بداية النهاية للناصرية، التي تفوقت خلال العدوان الثلاثي على مصر، وأثناء أزمة السويس 1956، وحولت ناصر إلى بطل إقليمي، ولكنها أدت في نهاية المطاف إلى هزيمة 1967.

ربما يؤدي تدخل بوتين في سوريا إلى شيء أقرب لفوز مصر الساحق عام 1957 أو لتوسيع الاتحاد السوفيتي المفاجئ من النفوذ في أواخر 1950، الذي صاحبة تصدع في السياسة الخارجية.. وخلال 50 عامًا من الآن، قد يحدد المؤرخون أن عام 2015 هو بداية النهاية لـ"البوتنية" كما الهبوط 1957 للقوات المصرية في اللاذقية بداية نهاية الناصرية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان