لماذا تدفع ألمانيا تعويضا لليونان؟ (تقرير)
كتب ـ علاء المطيري:
قال موقع ستراتفور البحثي الأمريكي إن مطالبة أثينا من جديد بالحصول على تعويضات من ألمانيا عن الجرائم التي ارتكبتها النازيون أثناء احتلالهم لليونان في الحرب العالمية الثانية لم يكن وليد الصدفة، فالمفاوضات السياسية المكثفة حول مشاركة ألمانيا في برنامج الإنقاذ الثاني لليونان وضعت إرثهم النازي في مقدمة المشهد وجعلت اليونانيين يمارسون الضغوط على برلين للمشاركة بقوة في هذا البرنامج.
قرية "نافبليو"
ففي 10 مارس الماضي نوه رئيس وزراء اليونان إلى تلك القضية أمام برلمان بلاده في خطاب حماسي وتلى ذلك في 17 من ذات الشهر ذهاب زوجين المان إلى قرية تعرض اليونانيون فيها إلى مذبحة على يد الجيش النازي وسلموا عمدتها 940 دولارا قالوا إنها قسمتهم من التعويض المالي الذي يجب أن تدفعه ألمانيا لليونانيين، وهو ما يعنى أن تلك القضية الخلافية مازالت في عقول الشعب الألماني.
وهو ما تناولته مجلة "دير شبيجل" الألمانية بالتفصيل عندما نشرت قصة الزوجين الذين سافروا إلى اليونان وتوقفوا في قرية "نافبليو" ليعطوا لعمدتها " ديمتريس كوستورس" المبلغ المالي الذي اعتبروه تعويضا عن فترة الإحتلال الألماني لليونان في الفترة من 1941 إلى 1944.
ميركل وتسيبراس
وفي 23 مارس التقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل برئيس الوزراء اليوناني ألكسس تسبيراس في برلين لمناقشة التعثر المالي القائم في اليونان في ضوء مطالبة الأخير بتعويضات من ألمانيا أثناء خطاب حماسي ألقاه أمام البرلمان اليوناني،10 مارس.
احتلال اليونان
في أبريل 1941، قامت ألمانيا النازية وحليفتها إيطاليا الفاشية بغزو وحشي لليونان استمر حتى أكتوبر 1944، وفرضوا نظاما محكما وسياسات أدت إلى انتشار العجز الاقتصادى الذي وصل إلى حد انتشار المجاعة.
مذبحة ديستومو
وفي محاولة النازيين وشركائهم الفاشيين في للتغلب على أنصار المقاومة اليونانية أرتكبت قواتهم عدة مذابح في العديد من القرى عبر البلاد، كان أشهرها في 10 مارس 1944 عندما قتلوا 214 من النساء والأطفال بصورة عشوائية في قرية ديستومو على يد كتائب الحماية المسلحة "وافن ـ إس إس" عقب حدوث تفجير بالقرب من وحدة عسكرية ألمانية.
استنزاف موارد اليونان
وعندما تم انهاء الغزو بواسطة قوات الحلفاء واجهت اليونان انهيارا ماليا نتجة عن تكاليف الاحتلال وإجراءاته التنظيمية التي يضاف إليها إجبار البنك المركزي اليوناني على تمويل تقديم قروض بقيمة 476مليون مارك ألماني لدعم العمليات العسكرية النازية في البلقان وروسيا وشمال أفريقيا.
مؤتمر باريس
وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط النظام النازي كانت اليونان واحدة من 23 دولة حصلت على تعويضات بمثابة مؤتمر باريس لتعويض الدول التي تعرض لخسائر في تلك الحرب إضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وكانت نسبة اليونان 7% من اجمالي التعويضات المقررة.
ولكن المبالغ التي أقرتها معاهدة باريس كانت رمزية ولا تمثل انعكاسا لحقيقة الخائر التي تعرضت لها اليونان، إضافة إلى أنه لم يتم سدادها بصورة كاملة.
والواقع أن المطالبات اليونانية لم يتم الوفاء بها بسبب تغير توجهات حلفاء الحرب السابقين، فعقب الانتصار على دول المحور بدأ الاتحاد السوفيتي يتمدد في اتجاه وسط أوربا بصورة جعلت الأوربيين يصرفون أنظارهم عن الدول الفاشية لاحتواء موسكو بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية عبر خطة مارشال التي أقرها الكونجرس عام 1948 لدعم دول أوربا الغربية اقتصاديا.
وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية كان لليونان مطلبين هما:
الأول: يختص بالمذابح النازية وخاصة مذبحة ديستومو عام 1944 حيث قاموا بقتل كل من يجدونه أمام أعينهم في تلك القرية.
الثاني: يخص 47.6 مليون دولار قروض أجبر البنك المركزي على منحها للاحتلال النازي.
وتشير الحقائق أن المعاهدات الدولية ظلت تتعامل مع كلا القضيتين كمشكلة واحدة إلى أن اتحدت ألمانيا عام 1990، حيث ذكر مؤتمر باريس أن التعويضات التي تحصل عليها اليونان ستكون رمزية، وعام 1953 أوضح اتفاق لندن عرضت الدول الأوربية تخفيف ديون ألمانيا.
وفي عام 1960 أسفرت اتفاقية ثنائية بين اليونان وألمانيا الغربية عن دفع الأخيرة 67 مليون دولار كتعويضات حرب للدولة وضحايها.
اتفاقية (4+2)
وعام 1990 تم عقد معاهدة (4+2) بين الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا وأمريكا من جهة وبين دولتي ألمانيا الشرقية والغربية من جهة أخرى، ونتج عنها تنازل الحلفاء وبينهم اليونان عن حقوقهم الرسمية في ألمانيا.
ووفقا للألمان فقد حلت تلك المعاهدة قضية المطالبات اليونانية في حين استمرت دول أخرى في المطالبة بصورة منفصلة أحدها قانوني خاص بالمذابح في حين تحولت قضية القروض إلى قضية سياسيسة.
تعويضات الجرائم
عام 1997 حكمت المحكمة اليونانية العليا بحتمية دفع ألمانيا تعويضا على تلك المذابح ولفتت انتباه محكمة العدل الدولية لتلك القضية، لكنها رفضت القضية في 2001.
وفي 2004 اعلنت المحكمة العليا في إيطاليا أن مساءلة ألمانيا في جرائم نازية يمكنها من مقاضاتها في قضايا مماثلة في إيطاليا.
وفي 2008 أمرت المحكمة الإيطالية بالتحفظ على ممتلكات الألمان في إيطاليا لتعويض ضحايا مذبحة ديستومو اليونانية، وفي 2012 أسفر مراجعة محكمة العدل الدولية للقرار عن أن إيطاليا تخرق التزاماتها الدولية في احترام الحصانة الدولية التي يمنحها لها القانون الدولي إذا تحفظ على تلك الأشياء.
قروض النازية
في عام 1995 عادت قضية القروض النازية التي حصل عليها الألمان من البنك المركزي اليوناني للأذهان بواسطة رئيس الوزراء أندريا باباندريوس، وشكلت اليونان لجنة لفحص المطالبات.
وفي 2014 قاد وزير المالية اليوناني تلك التحقيقات، وفي يناير 2015 استخدمت تلك الادعاءات في التفاوض مع الألمان، وكان آخرها في 23 مارس الماضي عندما أعلنت المستشارة الألمانية أنها لن تضع تلك القضية في اعتبارها، مشيرة إلى أنها يجب أن تكون منفصلة عن مناقشة الدين اليوناني.
الاتحاد السوفيتي
وعندما سقطت ألمانيا الشرقية في نطاق الاتحاد السوفيتي عام 1949عملت أمريكا على تقوية ألمانيا الغربية أملا منها في أن يحول الاستقرار المالي دون وقوع البلاد في براثن التمرد الشيوعي الذي بات تحديا للأمة الوليدة.
ولهذه الغاية بدأت واشنطن تؤجل تعويضات الحرب وحصلت على موافقات غير رسمية من الدول المتضررة ومن ضمنها الحكومة اليونانية وقدمت الدعم لمواجهة الحزب الشيوعي في اليونان مقابل صمت الحكومة عن المطالبة بالتعويضات من ألمانيا.
اتفاقية لندن
وتمخضت نتائج اتفاقية لندن عام 1953 عن تأخير التعويضات المستحقة على ألمانيا الغربية لحين الوحدة مع ألمانيا الشرقية، ولم يتم تناول القضية بالحديث ثانية حتى 1960عندما وافقت ألمانيا الغربية على دفع 67 مليون دولار إلى اليونان، وكانت تلك آخر ما تم دفعه إلى أن انتهت الحرب الباردة.
وحدة ألمانيا وتجدد المطالب
أدى سقوط جدار برلين عام 1889 والاتحاد بين ألمانيا الشرقية والغربية عام 1990 إلى ظهور مطالب اليونان مرة ثانية إلى السطح.
فبعد معاهدة ( 4+2) عام1990 وتنازل الدول الغربية عن التعويضات تم حل مشكلة الديون الألمانية، ورأي الألمان أن مشكلة الديون أو التعويضات قد تم حلها لأن المعاهدة لم تذكرها بصورة واضحة، لكن اليونانيين اختلفوا حول طريقة ترجمة نصوصها.
وفي ذلك الوقت كانت أثينا متفائلة بصورة بالوحدة الأوربية عام 1981 ولم يطرحوا سؤالهم، لكن التفاؤل لم يستمر طويلا حيث عاد اليونانيون يستخدمون التعويضات كوسيلة ضغط في أيديهم على الاتحاد الأوربي.
وعرض رئيس وزرائها أندريا بابندريو عام 1995 إجراء محادثات حول القروض النازية الإجبارية من اليونان في محاولة لاقناع الأوربيين بضم قبرص للاتحاد الأوربي أثناء التصعيد النزاع القومي بها.
المحاكم الدولية
وفي 1997 حكمت المحمة العليا في اليونان بأن ألمانيا يجب أن تدفع تعويضات لعائلات ضحايا مذبحة ديستومو لكنه الحكم رفضته المحكمة الدولة لأن معاهدة 1990 لا تمنح الحق للمحكمة اليونانية في الحكم على الدولة الألمانية.
وفي 2012 طلب رئيس الوزراء اليوناني لوكاس بابانديموس في خضم المفاوضات حول برنامج انقاذ اليونان الثاني من لجنة المالية اليونانية بيانا حول ديون الحرب الألمانية التي حصلت عليها من اليونان.
وفي 2014 واصل خلفه أنتونيس ساماراس دراسة دراسة الأمر الذي تم إيكاله إلى المدير العام السابق لوزارة المالية بانجاجيوتس كاراكوسيس، وقامت اللجنة باحصاء الديون الألمانية حيث قدرت قيمتها بـ 12 مليار دولار حاليا وهي الحسابات التي لم تطرح بعد على المحاكم الدولية، لكنها تبقى أكبر الإدعاءات اليونانية.
وبظهور أزمة منطقة اليورو أصبح الخلاف حول التعويضات من أهم الأمور التي تواجه قيادة الإتحاد الأوربي من العديد من الدول الأعضاء وعلى رأسها اليونان.
فمطالبات برلين بإحداث تقشف تعارضها إيطاليا وفرنسا التي تطالب بتحفيز الاستثمار بدلا من تخفيض الانفاق، وترفض اليونان التي تعتبر الهدف الأول لعملية التقشف تلك السياسية التي ترغب برلين في تطبيقها.
أزمة اليونان المالية
أصبت اليونان في وضع حساس، في تريد تمويلا لدفع ديونها المستحقة ولا تملك خيارات، ومن المنتظر أن تقدم تدابير مؤلمة في الداخل لتأمين التمويل الأوربي ومساومة الدائنين الذين تأتي على رأسهم ألمانيا.
وفي ظل الأزمة المتزايدة يسعى رئيس الوزراء ألكسس تسيبراس وحزبه سيريزا إلى الحصول على أغلبية البرلمان وتحقيق شعبية واسعة للقيام بتلك التدابير وتقوية موقفه في المفاوضات مع الدائنين والممولين.
العداء للألمان
وهذا يعنى حقن مشاعر العداء للألمان داخل المجتمع اليوناني لهذا الهدف، وهو ما توازي مع دعوة بعض أعضاء حكومته لاجراء استفتاء حول الانسحاب من منطقة اليورو في ذات الوقت الذي يستعد فيه تسيبراس لعقد محادثات مع روسيا في 8-9 أبريل ليثبت للشعب أنه يتحدث من موقع قوة.
ويسعى رئيس الوزراء اليوناني بطرحه قضية التعويضات من جديد في خطابه إلى لفت نظر الألمان بصورة غير مباشرة إلى أنهم مدينون لليونان ولا يجب عليهم أن يمارسوا الضغوط عليها.
ومن منظور الألمان ترى برلين أنها ليست ملزمة بدفع تعويضات لأثينا وأن تلك القضية تم تسويتها في معاهدة (4+2) عام 1990، وهو ما يؤيده موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الاقتصاد سيجمار جابريا الرافض، وفي ذات الأثناء فإنهم يرون أنه لا يجب ربط تلك القضية بالمفاوضات الدائرة حول الديون اليونانية.
فيديو قد يعجبك: