السوري ضحية المراسلة المجرية.. قصة ركلة بدأت من الشام وانتهت في أوربا (حوار)
حوار- هدى الشيمي:
خرج أسامة عبد المحسن من منزله ذلك اليوم كالكثير من مواطنيه الطامحين بالسفر إلى أوروبا بعد فتك الحرب ببلادهم، وسحقها لأحلامهم، إلا أنه فوجئ بركلة جعلت منه رمزا للمعاناة التي يتلقاها السوريين، وما يمرون به، وانحصارهم بين رفض وقبول من الدول الأوروبية.
صحفية مجرية تعرقل على لاجئ سوري وابنه :
ركلة الصحفية المجرية لعبد المحسن لم تكن الأولى التي يتلقاها منذ بداية الثورة السورية، ولكنها جاءت بعد العديد، أولها كان اعتقاله عندما رفض العمل في نظام يقتل الشعب الذي لم يقترف ذنبا سوى المطالبة بالعدل والعدالة، حيث قدم استقالته من عمله كموظف كفء في كلية التربية الرياضية، "شباب وأطفال في بلدي قتلوا، وأنا أكره العنف، لذلك لم استطع استئناف عملي" يقول أسامة، الذي رفضت استقالته لأول مرة، وحاولوا مساومته حتى يرجع عن قراره، وعندما فشلت محاولتهم وضعوه بالسجن، وأصدروا قرارا بفصله.
أطلق سراح عبد المحسن من السجن وبقى هاربا تاركا منزله في دير الزور التي استنزفت جراء الأحداث لعام وثلاثة أشهر، وباسم مزور دخل العاصمة دمشق، ومنها إلى الرقة المحررة في ذلك الوقت، ومن هناك اصطحب أسرته وذهب إلى تركيا ليبقي داخل أراضيها سنة ونصف السنة.
رحلة عبد المحسن إلى تركيا لم تكن متعبة على الإطلاق، فالانتقال عبر الحدود لم يكن به أي معوقات، فعاش في مدينة أورفا، ثم مرسين، إلا أن ظروف الحياة في تركيا منعته من المواصلة، "تركيا العمل فيها قليل ونادر، لذلك يرهق ماديا، فقررت الانتقال إلى أوروبا".
لم يكن أسامة بحاجة للبحث عن مُهرب، فهناك المهربين منتشرين ويعرضون خدامتهم قبل الطلب، فدفع 1200 دولار نظير انتقاله من تركيا إلى الجزر اليونانية، نقطة الانطلاق إلى الحياة الجديدة في أوروبا.
من بودروم ركب أسامة حاملا ابنه الصغير زيد على كتفه البالم "القارب" ، تاركا زوجته وابنه وابنته دعاء في تركيا، فالتكلفة المادية للرحلة منعتهم من الاجتماع معا داخل القارب المطاطي، ووصولا إلى الجزر اليونانية ومن هناك إلى اثينا، انتقل إلى مقدونيا، ثم هنجاريا.
وسط أعداد كبيرة وتعنت عسكري وصغر المنطقة كان عبد المحسن وابنه زيد بين أعداد كبيرة من اللاجئين، "المجر سبب مأساة اللاجئين بشكل مو طبيعي" بحسب عبد المحسن، يعرقلون طرقهم ويتركوهم في مساحة صغيرة فيها من العراء والبرد ما لا يمكن حسابه، أما بالنسبة لحركة المواطنين فهي بطيئة جدا، "يمكن بتلات ساعات يتحرك خمسين واحد، ويفضل 3 الاف واقفين بمكانهم"، قد يستمر هذا الوضع لأسبوع، لذلك قرر مجموعة من الشباب تغيير خط سيرهم، والانتقال إلى قرية قريبة من الحدود ومن هناك يتحركون إلى النمسا، ثم ألمانيا.
ظل عبد المحسن وطفله زيد في الحدود الهنجارية الصربية ليوم ونصف اليوم، وعندما علم بخطة تغيير المسار لم تصيبه أي حماسة تجاها، ولما في العراء من برد وحشرات، قرر حمل ابنه والذهاب إلى منطقة أكثر امانا، وقد تساهم في عبوره للحدود سريعا، ومع تدافع المهاجرين وعنف العسكر، دفع شرطي ابنه زيد ووقع على الأرض صارخا، ويبكي بهستيريا مناديا أبوه "بابا أيدي انكسرت.. بابا"، فحمله على كتفه تفاديا لحدوث موقف مماثل، وتحرك وسط الجموع المتدافعة إلا أنه شعر بركلة أخرى أوقعتهما فوق بعض على الأرض، لكنه لم ينظر ولم يهتم "كل همي أن زيد يتعافى".
مر الموقف على عبد المحسن ولم يحاول معاتبة من فعل ذلك، ظنا منه إنها الشرطة، "كيف بدي اتخانق في الشرطة، هما الأقوى وما رح نقدر نسوي شي"، لم يتوقع أن ركلته الثانية كانت من صحفية مجرية تدعى بترا تعمل في إحدى القنوات التليفزيونية المجرية.
حاول أسامة العثور على نقطة طبية لمعالجة ابنه الذي وصلت حرارته للأربعين درجة، ولكنه لم يجد، فسلم نفسه للشرطة، ووضع في معسكر للاجئين، "خيام مسورة مغلقة، وحتى الطعام بيعطوه للأشخاص عبر النوافذ، شي مو انساني"، حصرته الشرطة المجرية بين أمرين أما البصمة فيضيع حلمه بطلب اللجوء في ألمانيا، أو البقاء في السجن برفقة ابنه، فوافق على الأول حماية لابنه.
استطاع عبد المحسن الخروج من المجر، ووصل إلى النمسا، المتسمة بالرقي في التعامل على مستوى الحكومة والشعب، قبلت النقطة الطبية زيد وأسعفوه وأعطوه العلاج اللازم، ثم التقى بمجموعة من الصحفيات التركيات والمصريات، وتعرفوا عليه مما أثار اندهاشه، فقصوا له واقعة الفيديو المصور الذي تحول إلى الشغل الشاغل للعالم، وعندما شاهده فوجئ بأن الركلة كانت من فتاة وصحفية من المفترض إنها تنقل الحدث بحيادية.
لم تتوقف رحلة عبد المحسن في النمسا، فاستأنف طريقه إلى ألمانيا حيث نقلته الحكومة الألمانية على نفقتها إلى المحطة الرئيسية ميونخ، وهناك مكث 48 ساعة في منزل أحد اقاربه، ومع ذلك لم يسترح قلبه فعائلته ما تزال تحسن وضعه، واستقدامهم حتى يجتمع شمل العائلة مرة أخرى، "هما الآن ظروفهم متيسرة، بس ربنا يحسن الأوضاع، ويمكن شهر أو شهرين بجيبهم لهون".
فيديو قد يعجبك: