كيف تمزق الشرق الأوسط؟ (تقرير)
كتب ـ علاء المطيري:
قالت صحيفة الاندبندنت البريطانية، إن إهمال الغرب للشرق الأوسط وسماحه بتأصل الفوضى أدى إلى تمزق الشرق الأوسط وخلق أزمة اللاجئين الذين يطرقون أبواه طوعا أو كراهية.
ولفتت الصحيفة في تقرير لها، الأحد، إلى أن الغرب لم يفعل الكثير من أجل إنهاء الحرب الأهلية التي اشتعلت منذ 4 سنوات في سوريا والعراق والتي أدت إلى أكبر نزوح للبشر في تاريخ الشرق الأوسط.
سوريا
وتابعت الصحيفة أن أكثر من نصف سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة، تركوا منازلهم وباتوا مهجرين يبحثون عن ملجأ خارج بلادهم.
العراق
تشهد العراق تزايد عدد النازحين منها، حيث وصل عدد المهجرين إلى 3 ملايين نسمة حتى الآن، إذ يرى العديد منهم أنه لا أمل في انتهاء الحرب وأنهم لن يكونوا قادرين على العيش بأمان في بلادهم ثانية.
الأزمة
قالت الصحيفة إن الحرب في سوريا والعراق هي سبب أزمة اللاجئين التي يواجهها الاتحاد الأوربي في الوقت الراهن والتي تتجه من سيء إلى أسوأ، حيث باتت الحرب أكثر انقساما وأشد في دفاعها عن الولاءات أكثر منها دفاعا عن الدولة ذاتها.
المعاناة
يعاني السنة في العراق بصورة أكبر لأنهم باتوا مجبرين على ترك المقاطعات المختلطة التي يشاركون فيها الشيعة حول العاصمة بغداد، بسبب شكوك تدور حول تعاطفهم مع مسلحي داعش الذين يهاجمون أطراف المدينة.
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أنه من غير المنتظر أن يعود هؤلاء إلى منازلهم، في حين يفر السنة في محافظات أخرى مثل الأنبار ونيناوى وصلاح الدين هربا من القتال الدائر هناك بين داعش من جانب والقوات العراقية والميليشيات الشيعية من جانب آخر.
الاتهام
تدور اتهامات بين أوساط السنة بحدوث قتل على أساس طائفي و تطهير عرقي للسنة على يد الميليشيات الشيعية في العراق، أو للعرب في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
الهروب
أدى تزايد التفجيرات التي تشنها داعش ضد أهداف مدنية إلى زيادة كراهية الناس لها، لكنه في تلك المرحلة من الحروب تميل المجتمعات إلى الهروب من عدو تقليدي عن مواجهة مصير غير معروف تحت الاحتلال.
ولفتت الاندبندنت قلق السلطات الكردية في سوريا من تحول مقاطعات بأكملها إلى قرى أشباح بعد هجرة سكانها إلى أوربا بصورة جماعية، مشيرة إلى أن داعش سبقتها في هذا التوجه، قبل عام، حيث منحت أصحاب المنازل المهجورة 10 أيام حتى يعودوا إلى منازلهم أو أن يفقدوا ملكيتها.
ويرى المتابعون أن الحرب في سوريا والعراق مستمرة على غرار الحرب العالمية الأولى قبل قرن من الزمان، حيث أن الجهود التي بذلت لإنهاء الحرب بانتصار عسكري بائت بالفشل.
الخطأ
في عام 2011 اعتقدت القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، وحلفائهم الإقليميين كالسعودية وتركيا وقطر أن بشار الأسد سيسقط بذات الطريقة التي سقط بها معمر القذافي في ليبيا، لكن حساباتهم كانت خاطئة وبها سوء تقدير لحقيقة الموقف.
ولفتت الصحيفة إلى أنه عندما ظهر الخطأ جليا لم يكن الغرب قلقا من الحرب السورية، بسبب قناعة مستقرة تقول أن تلك الحرب يمكن احتوائها، مشيرة إلى أنهم تناسوا حقيقة تأثيرها على استقرار محفوف بالمخاطر في العراق المجاورة.
الأولوية
حتى بعد أن أصبحت الأوضاع في سوريا والعراق حرب بربرية قوامها الطائفية، مازال الغرب منفصلا عما يحدث هناك وكأن حل تلك الأزمة لا يمثل ضرورة ملحة بالنسبة لهم.
ولفتت الصحيفة إلى أن وصول اللاجئين إلى أبواب الاتحاد الأوربي لم يغير ذلك التوجه الذي كشف عنه اهتمام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بدفع المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن اهتمامه بوضع نهاية للحرب الأهلية هناك.
المفاجأة
أوضحت الصحيفة أن موقف الغرب يعد مفاجئ إذا تم اسقاطه على سنوات الحرب الباردة، لكن التوجه الغربي نحو تشكيل فضاء سياسي لشرق أوسط كبير عقب سقوط الاتحاد السوفيتي يفسر موقف الغرب.
9 حروب
من باكستان في آسيا إلى نيجيريا في أفريقيا 9 حروب قوامها الطائفية أو النزعات الانفصالية، كانت الحرب الأفغانية وحملات بوكو حرام الدموية في نيجيريا أبرزها.
تضاؤل النفوذ
أوضحت الصحيفة أن اشتعال الحرب في 2013 أدى إلى تهجير 1.5 مليون نسمة في جنوب السودان، وتحولت السودان إلى مدينة في حكم دولة، حيث تضاءل نفوذها الفعلي في معظم أجزاء السودان ماعدا العاصمة الخرطوم.
الانهيار
انهيار الدول لم يكن ليحدث في حقبة الحرب الباردة لأن كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي يعرف أن غياب الاستقرار في تلك المنطقة يمكن أن يصب في مصلحة الطرف الآخر، وعملت كل من واشنطن وموسكو على مساندة الأنظمة الضعيفة على طريقة الدعم مقابل الولاء.
ولفتت الصحيفة إلى أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 أدركت الدول الغربية أن مصالحها لن تتأثر بانهيار دول مثل ليبيا أو العراق، حيث أنه بات من الواضح أن الفوضى في تلك الدول لم تؤثر على أسعار النفط، على الرغم من أن كلاهما من أهم منتجي النفط في العالم.
ونوهت الصحيفة إلى أن العولمة واقتصادات السوق الحر في الوقت الراهن مثلت خطر آخر كان له تبعات كارثية على المنطقة التي تعاني من انتشار النزعات القومية ورغبة الأقليات في إدارة مواردهم الطبيعية.
التضحية
على الرغم من انتشار الطائفية والنزعات القومية في المنطقة إلا أن وجود دولة قائمة حال دون انتشار الفوضى، حيث كان للأنظمة الديكتاتورية دورا في توفير الأمن والسلام للمنطقة، حتى إن كان بعضها قائم على أساس ديكتاتورية طائفية.
وألمحت الصحيفة إلى أن الولاء للدولة في الآونة الأخيرة بات ضعيفا، وحل محله الولاءات الطائفية، فعلى سبيل المثال، قل عدد من يريدون التضحية من أجل العراق، وزادت أعداد من يستعدون للموت تحت شعار كردي أو شيعي أو سني.
مراكز السلطة
أدت اقتصادات السوق الحر إلى سيطرة النخبة الحاكمة في دول المنطقة على مصادر التمويل وتحولت السلطة إلى وسيلة لجمع المال بصورة أدت إلى عدم وجود عدالة في توزيع مصادر الدخل القومي على الشعوب وتحولت العواصم إلى مركز السلطة والنفوذ والرفاهية التي لم يتوفر بعضها لبقية الشعب.
التجاهل
في سوريا قبل 2011 كان العاصمة دمشق مكانا رائعا للعيش بما يتوفر فيه من خدمات ووسائل ترفيهية لم تتوفر في شمال شرق سوريا التي ظلت تعاني على مدى 3 سنوات من الجفاف الذي تجاهلته الحكومة ولم تفعل أي شيء لمنعه قبل أن يجبر 3 ملايين شخص إلى ترك مناطقهم والتوجه إلى أطراف المدن الكبرى.
ولفتت الصحيفة إلى أن مناطق النازحين تلك تحولت إلى نقاط قوية ومراكز للثوار الذين تقصفهم الدولة في الوقت الراهن.
الفساد
في العراق وبعد سقوط الموصل، يونيو 2014، تواصلت الاندبندنت مع لواء في الجيش العراقي لسؤاله عن سبب السقوط فكان رده "الفساد..الفساد.. الفساد"، مشيرة إلى أنه ألقى اللوم بشكل قاطع على الطريقة التي تم بها تشكيل الجيش العراقي عقب تسريح الجيش عقب انهيار نظام صدام حسين.
الأشباح
تابع الجنرال العراقي تفسيره لما حدث عقب سقوط الموصل بأن تشجيع الأسواق الحرة والرأسمالية التي أسسها الأمريكيون في العراق جعلت مصادر تموين الجيش وتجهيزه هي الشركات الخاصة، بصورة جعلت تموين الجيش رهن مصالح شخصية لكبار الضباط الذين أصبح كل منهم مسؤولا عن تموين 600 جندي.
التلاعب
ولفت الجنرال العراقي إلى أن كبار الضباط تلاعبوا في أعداد الجنود، فبينما يحصل كل منهم على تمويل يكفي لـ 600 جندي كان العدد الفعلي الذي يتلقى التعيينات العسكرية من المؤن والعتاد هو 150 جندي، مشيرا إلى أن 450 جندي آخرين لم يكونوا موجودين فعليا.
وتابع أن الحكومة العراقية أقرت بأن 50.000 جندي في الجيش العراقي متواجدون على الورق فقط أو ما وصفه بـ "جنود أشباح"، لكن العدد ربما يكون أكبر بكثير، وفقا لروايته.
صناعة الفوضى
بانتهاء الحرب الباردة تم تصوير العولمة واقتصادات السوق الحر على أنها بداية قوى الحداثة في الربع الأخير من القرن الماض، لكن تدنى الولاء للدولة واستبداله بالولاءات الطائفية فتح الباب واسعا أمام حركات طائفية متعصبة أبرزها تنظيم داعش الإرهابي الذي تمكن من صناعة الفوضى وتأصيلها في المنطقة بأثرها.
فيديو قد يعجبك: