إعلان

كيف تحيا الأمهات داخل السجون الأمريكية؟ (تقرير)

09:13 م الإثنين 28 نوفمبر 2016

الأمهات داخل السجون الأمريكية

كتبت - هدى الشيمي ورنا أسامة:

يخيم الحزن على زنزانات النساء في السجون، تشعر السجينات في زيهن البرتقالي الرسمي بالوحدة، تعانين من أعراض الانسحاب من المخدرات، تفتقدن الحرية، والكرامة، والخصوصية، إلا ان أكثر ما يؤلمهن هو ابتعادهن عن أطفالهن.

والتقت صحيفة نيويورك تايمز بعدد من الأمهات السجينات في أمريكا، اللائي تعرضن لمشكلات كثيرة، ودفعتهن إلى ارتكاب الجرائم، مؤكدة أن الكثير منهن ضحايا للعنف والاعتداء الجسدي والجنسي، وكان من بينهن جاني مانينج، 29 عاما، سُجنت بسبب المخدرات، وقالت للصحيفة إن الجميع خذلها، وأنها تشعر الآن بخيبة الأمل، حتى أن الحراس قيدوها بالجدار خلال لقائها بابنتها الكبرى، 13 عاما، ثم انفجرت في البكاء وطلبت إيقاف المقابلة حتى تستعيد قوتها وتستطيع الكلام مرة أخرى.

الحبس الشامل

اعتبرت الصحيفة أن نظام "الحبس الشامل" أحد اسوأ السياسيات التي أقرتها أمريكا في التاريخ، وهو يقوم على زيادة عدد المحتجزين في السجون، وقد ارتفع عددهم ما بين عام 1970 وحتى عام 2005 إلى 700 %.

وتأتي الولايات المتحدة في المركز الثاني بعد تايلاند من حيث عدد النساء المحتجزات في السجون، حيث زاد عددهن ثمانية مرات عما كان عليه عام 1980، كما أن ثلثهن محتجز لارتكابه جرائم غير عنيفة، وتقول الصحيفة إن الوضع قد يزداد سوءً بعد تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب الحكم.

يزداد عدد السجينات التابعات لنظام "الحبس الشامل" داخل ولاية أوكلاهوما، ويقل عددهن في السجون بولايات أخرى مثل رودأيلاند، وماساتشوستس، ولكن في كل الأحوال، تؤكد الصحيفة أن الحبس الشامل في سجون النساء أكثر سوءً منه في سجون الرجال، وحتى الآن لم يظهر له أي نتائج إيجابية، خاصة وأن أغلبهن لديهن أطفال لم تتجاوز أعمارهم 18 عاما.

وأكدت إيمي سانتي من مؤسسة جورج كايزر، التي تدعم النساء وتحاول دائما العثور على بديل لهن عوضا عن السجن، إن هذا النظام له تأثير خطير على السجينات، فتصبحن أكثر عرضة للاعتداء الجنسي، وللأمراض النفسية.

وأثبتت الأبحاث أن السجون لا تستطيع عادة مساعدة النساء على تقييم سلوكهن، وتحسين اسلوب حياتهن، وتقول اليسيا هانتر، 37 عاما، إنها شعرت منذ كانت طفلة أن حياتها ستكون مثل حياة والدتها، التي سُجنت بسبب جرائم مالية، وانتهى بها الأمر أما لطفل وهي في السادسة عشر من عمرها، بعد اقامتها علاقة مع والد أحد اصدقائها، وبعد فترة قصيرة عملت في تجارة وبيع المخدرات، فزُجت بالسجن.

وتتابع قولها: "السجن جعلني متعافية تماما عن المخدرات، إلا أنه لم يعلمني أي شيء ولم يساعدني على الوصول إلى أي مكان"، وأخبرت الصحيفة أنها في كل مرة تدخل السجن تتوقف عن تعاطي المخدرات وعندما يُطلق سراحها تعود إلى الإدمان مرة أخرى.

2

عنصرية

بحسب الصحيفة، فإن أحد أسباب عجز نظام "الحبس الشامل" عن إصلاح حياة تلك السيدات، هو إنه يتعامل معهن بخوف مشوب باحتقار، بالرغم من أن النساء دائما ما يثرن داخل النفوس حالة من التعاطف، وهناك العديد من الأسباب التي تجبرهن على ارتكاب الجرائم، ربع السجينات في الولاية تعرضن للاعتداء الجنسي وهن صغيرات. ووجدت دراسة أجرتها وزارة العدل أن 43% من السجينات، لديهن مشاكل عقلية خطيرة، و82 % مدمنات كحول أو مخدرات.

ووجدت دراسة حديثة صادرة عن مؤسسة "رسل ساج" أن حبس أحد أفراد الأسرة مُرتبط بنحو 64% تدني الحالة الاقتصادية، والفجوة العرقية في أمريكا.

وتشير الصحيفة للجوء المدعين لتهديد النساء بالعقوبات الشديدة في بعض الأحيان، لاجبارهن على الوشاية بالرجال الذين دفعوهن لارتكاب الجرائم، وفي أغلب الأحيان ترفض النساء، فيذهبن للسجون عوضا عنهم، ويبدو الأمر مشوبًا بالتفرقة العنصرية في التعامُل مع السجينات، على عكس الرجال، الذين يتلقون معاملة طيبة ويسمح لهم بإجراء مكالمات هاتفية، ويحصلون على زيارات من الأهل والاصدقاء، بحسب شهادات سُجناء وعاملين اجتماعيين للصحيفة الأمريكيّة، أوردوا أن السجينات في أمريكا يحصلن على زيارات أقل.

3

تعافي

تقول السجينة أنسا رابيت، 31 عاما، إنها ولدت في عائلة مدمنة للمخدرات، وحمل جسدها كميات كبيرة من العقاقير المخدرة، وتحرش بها والدها منذ عامها السابع، وبدأت التدخين وهي في الحادية عشر، ثم تركت المدرسة، وانتقلت للعمل مع رجل يكبرها في السن وهي في الثالثة عشر، ومثل العديد من السجينات تورطت ودخلت السجن بسبب استغلال حبيبها لها، ودفعها لارتكاب الجرائم.

تم تحويل "رابيت" من السجن الذي كانت تقبع بداخله إلى برنامج نموذجي في تولسا، يُطلق عليه "نساء في مرحلة التعافي"، يرمي إلى خفض أعداد النساء السجينات. وحقّق هذا البرنامج نجاحًا ملحوظًا في مساعدة سجينات كُن يعانين من اضطرابات جراء تعاطي المخدرات، على بدء حياتهُن من جديد. ويعمل هذا البرنامج على نهج يرعى السجينات وأطفالهن على السواء، ما بين تقديم المشورة والدعم المُكثّف والتدريب على إعداد الميزانيات وتسوية النزاعات، والمُساعدة في الالتحاق بالمدارس والحصول على سكن وفرص عمل.

بعد مرور تسعة أشهر على تحويل رابيت إلى ذلك البرنامج، تعافت من الإدمان، وحصلت على وظيفة في أحد المُستودعات، وبات بإمكانها قضاء وقت كافٍ مع أسرتها، حتى أنها تحافظ على قضاء عُطلات نهاية الأسبوع مع ابنها، 12 عامًا، وابنتها، 11 عامًا، في مسعى لإعادة بناء العلاقات معهما.

تستغرق برامج "نساء في مرحلة التعافي" مدة تصل إلى 17 شهرًا، بتكلفة تبلغ 19.700 دولارًا في المتوسّط، بعد انتهائها تحصل النساء المُتعافيات على وظيفة، ولا تتعدّى نسبة تعرّضهن للانتكاس على مدى الثلاث أعوام المُقبلة بعد إكمال البرنامج الـ 4.9%.

1

الإدمان

تُشير الصحيفة إلى أن تعاطي المُخدّرات يُمثل السبب الرئيسي المؤدّي للحبس الشامل للنساء في أمريكا، والرجال أيضًا، وإن كان بدرجة أقل، وهذا ما بدا في تقرير أطلقه الدكتور فيفيك مورثي، هذا الشهر، قال فيه: "حان الوقت لتغيير الطريقة التي نُعالج بها الإدمان. ينبغي النظر إليه باعتباره قصورًا أخلاقيًا وليس مرضًا مزمنًا".

وأضاف: "لا ينبغي النظر إلى المخدرات بعدسة العدالة الجنائيّة، وإنما بمنظور ازمات الصحة العالميّة."
"ليس كل السجينات في أمريكا مُجرمات"، هكذا يقول مورثي، وهذا ما يبدو جليًا في قصة ميشيل فافريك، 24 عامًا، التي تقول الصحيفة إنها مثال لنساء عدة شاءت الأقدار أن يُزجّ بهن في السجون لأسباب لا تتعلّق بجرائم أو قضايا جنائية.

تقول فافريك إنها نشأت في منزل تسكن أرجاءه الفوضى والعُنف مع تعاطي المخدرات وتناول الكحول. عند بلوغها سن السابعة- بحسب قولها- قامت شاذة جنسيًا تُدعى "شون" باصطحابها إلى المنزل، وقامت باغتصابها يوميا، الأمر الذي عزّز مشاعر العُنف بداخلها وأصابها بالتشوه النفسي.

"في العاشرة، أصبح من الصعب السيطرة عليّ"، تتذكّر فافريك، "كانت تحقنني شون بالهيروين كي تتمكّن وأصدقائها من فِعل ما يحلو بهم بي. كانوا ستة أشخاص".

في سن الـ 18، التحقت فافريك ببرامج تأهيل فيما لم تُجدِ نفعًا في تعافيها من المخدرات والكحول، فلاذت بالفرار، وعملت "فتاة ليل" تابعة لإحدى العصابات المتخصصة في تجارة الجنس والسرقة.

أُلقي القبض على فافريك بتهمة إدارة المخدرات وواجهت عقوبة بالسجن لمدة 15 عامًا، غير أنه ولحسن الحظ تم تحويلها إلى برنامج "نساء في مرحلة التعافي"، وخضعت لعلاج سلوكي معرفي مُكثّف.

بعد 10 أشهر من التعافي، تشعر فافريك بالدفء المشوب بالأمل، وهي تعمل الآن في مخبز، تحبه، وتأمل أن تُدير واحدًا خاصًا بها يومًا ما. "أريد أن أعيش"، قالتها فافريك.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان