روبرت فيسك يكشف استراتيجية داعش لاضطهاد المسلمين في أوروبا
كتب - علاء المطيري:
قال الكاتب البريطاني الشهير، روبرت فيسك، إن تنظيم داعش يستخدم الإرهاب للقضاء على الدول ذات التعددية الثقافية في أوروبا وعلى رأسها ألمانيا، مشيرًا إلى أن أن اليمين المتطرف يساعد داعش في تحقيق ذلك.
ولفت فيسك في مقال له بصحيفة "الاندبندنت" البريطانية، اليوم الخميس، إلى أن تصعيد داعش لهجماتها الإرهابية في الدول الأوروبية يهدف إلى دفع تلك الدول نحو اضطهاد المسلمين انتقامًا لما يتعرض له مواطنوها من عمليات قتل ضخمة.
وأوضح فيسك إلى أن يوجد شيء ساذج في سعينا للتعرف على هوية أولئك الذين يقفون وارء تنفيذ المذابح التي تتبناها داعش في أوروبا، مضيفًا: "يجب أن نعرف أسماءهم وطريقة تفطير عائلاتهم، وهل يعرفون ما يقومون به، ويجب أن نعرف كيف يتواصل هؤلاء مع داعش، مشيرًا إلى أن ذات الأسئلة تتكرر عقب كل هجوم تتعرض له دولة أوروبية بداية من هجوم الشاحنة في مدينة نيس الفرنسية والهجوم على صالة الباتكلان في باريس إضافة إلى هجوم الشاحنة الأخير في برلين.
استراتيجية داعش
وتابع: "لن يكون السؤال عما تحاول داعش فعله مزعجًا بالنسبة لنا باعتباه إحدى التكتيكات الإرهابية، لأن الإرهاب أصبح كلمة حقيرة تمكننا من تجنب التفكير العقلاني أو امتلاك استراتيجية لإدارة الموقف عقب أي هجوم إرهابي ينتج عنه حمام من الدماء"، مضيفًا: "يجب أن نضع في اعتبارنا محاولة خلق أزمة كاملة في مجتمعات أوروبا الشرقية عندما نفكر في مواجهة استراتيجية داعش".
وأوضح فيسك أن لغة داعش بدأت في الظهور قبل عامين في فرنسا التي يمثل المسلمون بها نسبة 10 % من تعداد سكانها - النسبة الأكبر بين دول أوروبا - بهدف إزالة المنطقة الرمادية التي تحول دون وصف أوروبا بالدول الصليبية، مشيرًا إلى أن داعش تريد بهجماتها أن تجعل المسلمين في أوروبا يثورون ضد دولهم أو ضد الدول التي تستضيفهم إذا لم يكونوا مواطنين فيها بصورة تساهم في نشر النزاعات في تلك الدول.
ولفت فيسك إلى أن استراتيجة داعش التي تفترض استهداف غير المسلمين لا يعنيها أن يكون الضحايا مسلمون لأنها تريد من عملياتها أن يتعرض المسلمون لمحاكمات تجبرهم على ترك الدول الأوروبية التي جاءوا إليها بحثًا عن مزايا اقتصادية لتكون دولة الخلافة المزعومة قبلتهم بعدما يطردهم الصليبيون، وفقًا للنسخة الفرنسية من موقع "دابق" الذي يصدره التنظيم.
ومن زاوية أخرى يمكن القول أن استراتيجية داعش تهدف إلى جعل الشعوب الأوروبية غير المسلمة ترفض وجود ملايين المسلمين في تلك الدول بصورة تجعلهم عرضة للتنفيذ عمليات قتل جماعي لهم على يد المسيحيين، يقول فيسك، مشيرًا إلى أنها استراتيجية داعش التي تحقق بعضًا من أهدافها.
اليمين المتطرف
وأوضح فيسك أن ظهور أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا الغربية والشرقية أدى إلى تنامي التوجهات العدائية للمسلمين والمهاجرين، حيث تمثل عمليات القتل الجماعي والهجمات الإرهابية التي تنفذها داعش وقودًا يشعل حملاتهم الدعائية لتحقيق مكاسب سياسية، حتى أن أنجيلا ميركل، التي توصف بأنها ملاك اللاجئين بعد سماحها لقرابة مليون لاجئ بدخول ألمانيا العام الماضي، أصبحت تتبنى مواقف رافضة للزي الذي ترتديه المسلمات.
لكن استراتيجية داعش تعتمد على أكثر من قدرتها على تجنيد أشخاص يستطيعون بيع أنفسهم للشيطان، يقول فيسك، مشيرًا إلى وجود اختلاف بين استراتيجية داعش في أوروبا والاستراتيجية التي تبناها وينستون تشيرشيل، رئيس وزراء بريطانيا لحض الشعوب الأوروبية على الثورة في وجه هتلر في الحرب العالمية الثانية لأن دعوات تشيرشيل الذي حافظ على بقاء بريطانيا صامدة في وجه هتلر كان يبررها كون تلك الشعوب محتلة.
وفي تلك الفترة كان تشيرشيل على صواب رغم أنه كان يواجه كارثة اقتصادية وعسكرية، وكان الفرنسيون والدنماركيون والهولنديون والبلجيكيون منشغلون بحماية عائلاتهم وإطعامهم عن الإقدام على القيام بتمرد ضد وجود النازيين في بلادهم، يقول فيسك، مشيرًا إلى أنهم كانوا يخشون أيضًا من انتقام هتلر إذا أقدموا على ذلك.
اضطهاد المسلمين
ورغم الآمال التي تعلقها داعش على إجبار أوروبا في السير نحو اضطهاد المسلمين إلا أنها آمالها لن يتم الوصول إليها إلا إذا استمرت الهجمات على دول القارة الأوروبية وخاصة برلين.
وألمح فيسك إلى أن تشيرشيل لم يكن يعرف الرحمة لأنه ترك أوروبا مشتعلة، مشيرًا إلى أنه كلف وزير ماليته في وقت الحرب، هيو دالتون، بتشكيل فرق العمليات الخاصة التي كانت مهمتها تنفيذ عمليات تخريب وتهريب للأسلحة ونصب الكمائن بعيدًا عن التكتيكات العسكرية المعروفة، وهو ما كان يتم وصفه بالأعمال الإرهابية من قبل بعض مساعدي تشيرشيل.
لكن تشيرشيل كان يعتبرها أداة جديدة للحرب تعتمد على زرع الرعب بين المدنيين، يقول فيسك، مشيرًا إلى أن تلك الاستراتيجية رغم قسوتها إلا أنها لم تحقق أهدافها في ذلك الحين.
ولفت فيسك إلى أن المتشددون في أوروبا الشرقية في الوقت الحالي يحاولون كسب أصوات الناخبين عن طريق عدائهم للمسلمين على غرار عداء النازية الذي تم استخدامه في أوروبا الشرقية في الماضي، لكن المسلمون لن يكونوا في مكانة النازيين كما تريد داعش لأن ملايين المسلمين لا يمكن أن يصبحوا صليبيين كما تزعم داعش.
وذكر فيسك أنه إلى جانب عدد المسلمين الذين انضموا إلى داعش العامين الماضيين فإن ملايين المسلمين الذين يمكنهم أن ينضموا إليها إذا ساروا على أقدامهم نحو دولتها المزعومة يستبدلون ذلك الطريق بركوب القطار إلى ألمانيا التي مازالت تواجه أكبر هزيمة لداعش على مدى أكثر من عامين.
وشدد على أن أوروبا تستطيع مواصلة هزيمة داعش عن طريق تخليها عن النهج الذي يتبناه بعض مواطنيها غير المسلمين للانتقام من المسلمين.
فيديو قد يعجبك: