تحت حُكم ترامب.. هل تنجو "إن شاء الله" من عاصفة الإسلاموفوبيا المُقبلة؟
كتبت - رنا أسامة:
هُناك قاعدة دارجة بين الأجانب تقول: "إذا أردت أن تبدو ذكيًا، فلتتحدّث بالفرنسيّة. وإذا أردت أن تبدو مُنفتِحًا، فاستخدم اللغة السنسكريتيّة (لغة قديمة في الهند)". ومن ثمّ لن يندهش أحد إذا عَلِم أن أول مرة سُجّل فيها استخدام كلمة "كارما" في أشهر دور النشر الأمريكية كان في عام 1969- في مجلة Surfer بكاليفورنيا، وهي كلمة تابعة للغة السنسكريتية.
غير أن كلمة أخرى بدأت تشُق طريقها بداخل قاموس اللغة الإنجليزيّة الأمريكيّة، وهي كلمة "إن شاء الله"- التعبير الإسلامي العربي الشائع الذي يعني "إرادة الله". وبدأت ظهورها في اللغة الإنجليزيّة لأول مرة بكتابة حرفيّة للكلمة بحروف إنجليزيّة "Inshallah" في القرن التاسِع عشر، فيما أصبحت كلمة عصريّة بين أوساط المُتحدّثين الأمريكان من غير المُسلمين ومن غير المُتحدّثين بالعربيّة، بعد هجمات 11 سبتمبر، بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكيّة.
إن شاء الله" مزيج يجمع بين "بريستيج" الفرنسيّة، و"التعدّدية الثقافيّة" للسنسكريتيّة، مع قدر من التشويق المشوب بالخطر
تقول المجلة إن كلمة "إن شاء الله" مزيج يجمع بين "بريستيج" الفرنسيّة، و"التعدّدية الثقافيّة" للسنسكريتيّة، مع قدر من التشويق المشوب بالخطر.
يأتي هذا في الوقت الذي يقوم الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب بتشكيل فريق إدارته الانتقاليّة على أساس عناصر تؤمِن بأن "الإسلام دين عنيف، خطير، و مُهدّد"، واعتقاد بعضهم بأن أي شيء مُرتبط بالإسلام لابد وأن يحمل قوة شيطانيّة أو شرًّا كامنًا، يجب للتصدّي له في كل لحظة.
مايكل فلين، ضابط المُخابرات المُتقاعِد الذي رشّحه الرئيس المُنتخب لتولّي منصب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، وصف الإسلام بأنه "سرطان خبيث" كما أفصح عن اعتقاده بأن الشريعة- أو القانون الإسلامي- تتسلل إلى المؤسّسات والقوانين الأمريكيّة.
أما نصير نظرية المؤامرة، فرانك جافني، الذي قدّم استشارات لترامب خلال حملته الانتخابيّة، وتجمعه علاقة صداقة جيّدة مع ستيف بانون -كبير استراتيجيي الرئيس المُنتخب- فقد كتب في وقت سابِق أن "شعار وكالة الدِرع الصاروخي الأمريكيّ يحتوي على نجمة خفيّة وهلال، وهُما رمز الإسلام، الأمر الذي يحمل في طيّاته دلالة على مُحاولة الدفع بالولايات المتحدة للدخول في دين الإسلام"، على حدّ زعمه.
لا يتوقّف الخوف عند حدّ كلمة "إن شاء الله" فقط، بل يمتد ليشمل اللغة العربيّة بأسرها. ففي عام 2013؛ خرج جافني يُوجّه انتقادات لجون برينان -رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكيّة CIA- مُعتبرًا إيّاه بأنه "الداعِم الأكثر أهميّة للعناصر الإسلاميّة المُتطرّفة، الذي يُمكّنهم من تمرير أجندتهم الأيديولوجيّة إلى الحكومة الأمريكيّة اليوم". عزّز جافني اتهاماته لبرينان بقوله إن (الأخير يتحدّث العربيّة بطلاقة).
بعد سرد أسماء المُنظّمات الإرهابيّة في خِطاب موجّه إلى لجنة الشؤون العامة الإسرائيليّة الأمريكيّة في مايو من العام 2015، ذكر السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، بلهجة ملؤها السُخرية "كل شيء يبدأ بأداة التعريف (الـ) في الشرق الأوسط يُعدّ خبرًا سيئًا"، في إسقاط على (الإسلام).
وعليه تقول فورين بوليسي إنه من المنطقي أن تجد كلمة "إن شاء الله" نفسها في مرمى ظاهرة الإسلاموفوبيا المُتنامية، مُشيرة إلى أن عاصفة وسائل الإعلام اليمينية بدأت في الانطلاق منذ يونيو الماضي، حينما اختتم المُذيع في BBC "نيكي كامبل"، قِطعته المُعتادة مُذيّلًا إيّاها بعبارة "إن شاء الله".
فيديو:
في أبريل، أقدم طاقم طائرة أمريكيّة على طرد طالب عراقي يدرس في جامعة كاليفورنيايا، بعد سماع أحد الرُكّاب له وهو يتحدّث في هاتفه الخلوي بالعربيّة، مُختتمًا حديثه بعبارة "إن شاء الله".
بالرغم من وجود عشرات التعبيرات الإسلاميّة الشائعة الأخرى، بما في ذلك (بسم الله، بارك الله، الحمد لله)، إلا أنها لم تتغلّل إلى داخل قواميس اللغة الإنجليزيّة كما عبارة "إن شاء الله"، وتُرجّح المجلة السبب وراء ذلك إلى أن "عبارة إن شاء الله ساحِرة وتبعث على النفس بالراحة بشكل لا يُمكن إنكاره"، مُشيرة إلى أنها تبدو على الورق مُشابِهة لكلمة "إرادة الرب" God Willing، التي تُعادلها في المسيحيّة بالإنجليزيّة.
بخِلاف "إرادة الرب" الإنجليزيّة، تخرج "إن شاء الله" من عباءة المُصطلحات الدينيّة لتُستخدم أيضًا كعبارة توحي بالاعتذار بأدب على مواقف مُتوقّع حدوث ما يُفسِدها، فعلى سبيل المثال إذا تعرّض المِرحاض الخاص بك لكسر، فقال لك السبّاك إنه سيأتي "غدًا، إن شاء الله"، فرُبما حينها تنتظره قليلًا إذا تأخّر عن موعده، أما إذا قال لك "غدًا" فقط فمن المُمكن حينئذٍ أن يُصدّر لك الإحساس بأنه لن يأتي.
في دول مثل مصر، أصبحت عبارة "إن شاء الله" دارجة بين المُسلمين، والمسيحيين، وحتى أولئك ممن لا يعتنقون دينًا مُحدّدًا، في حالات لا تتصل بمُناسبات دينيّة، لتتحوّل إلى ظاهرة اجتماعية، كما جاء في مقال نُشِر على صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيّة عام 2008 تحت عنوان "زحف إن شاء الله".
عبارة إن شاء الله ساحِرة وتبعث على النفس بالراحة بشكل لا يُمكن إنكاره
إضافة إلى ذلك، تنقل "إن شاء الله" Inshallah الإحساس بعدم اليقين من حدوث الشيء المُخطّط له، وهو ما تفتقر إليه عبارة "آملًا" hopefully. "سيتم الانتهاء من المشروع في التاسعة مساءً، نأمل ذلك"، تُصدّر تلك الجملة الشعور بأنك المُسيطر الأول والأخير على المشروع، وهو ما يُلقي بظلاله على كاهِلك مسؤولية أكبر، لأن مصير المشروع بين يديك جملة وتفصيلًا، بعكس ذلك فإن جملة "سيتم إنهاء المشروع في التاسعة مساءً إن شاء الله" تُشير إلى أن إتمام المشروع متوقّف في جزء منه على قوة أو ظروف خارجية- كما تعطّل وسائل المواصلات، أو انقطاع الإنترنت، أو ظروف قدرية- حينها لن تُلقى المسؤولية كاملة على عاتقك.
تلفت المجلة إلى عدم مُعارضة الأمريكيين المُتحدّثين للعربيّة استخدام عبارة "إن شاء الله"، فها هي ماريا حانون- طالبة الدكتوراه الفلسطينيّة الأمريكيّة التي تعيش في واشنطن- تصِف الاتجاه إلى استخدام تلك العبارة بأنه "ساحِر"، موضّحة أن المُسلمين وغير المُسلمين يستخدمون "إن شاء الله" عندما يتحدّثون بالعربيّة.
"أُردّدها مرارًا وتكرارًا"، يقولها ثورستان فرايز، مُستشار أمريكي من نيويورك، مُشيرًا إلى أنه التقطها أول مرة من صديق جامِعي يدرس اللغة العربيّة. "بدأت أردّدها بكثافة بعد زيارتي المغرب منذ بضعة أعوام. يقولونها هُناك طول الوقت. وأرى أنها رائعة".
إن شاء الله" بشكل كامِن في اللغة الغربيّة
في الوقت نفسه، لا تُعد تلك هي المرة الأولى التي تظهر فيها كلمة "إن شاء الله" بشكل كامِن في اللغة الغربيّة، فكما تقول فورين بوليسي فإن الكلمة الإسبانيّة الشائعة Ojalá غالبًا ما يتم ترجمتها إلى "hopefully" بالإنجليزيّة، وهي تُعادل بدورها "إن شاء الله" في العربيّة، (أي أن Ojalá هي النُطق الإسباني لـ إن شاء الله)، مُشيرة إلى أن "إن شاء الله" شقت طريقها إلى اللغة الإسبانيّة خلال العقود التي حكم فيها المُسلمون في إسبانيا والتي انتهت في 1492.
واختتمت المجلة مقالها بالقول: "ينبغي على الرئيس المُنتخب دونالد ترامب وفريق الأمن القومي الخاص به أن يتمتّعوا بالقدر الكافي من الحكمة الذي يُجنّبهم الوقوع في براثن موجة عنيفة من الإسلاموفوبيا الأمريكيّة، بإرادة الرب."
فيديو قد يعجبك: